fbpx

دُب قُطبي يحتضر فوق النفط

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

بدت صور دبٍّ قطبي أنكهه الجوع والبحث عن أي شيء يسد رمقه في الحاويات بشمال كندا، حقيقةً أكثر قتامةً من التصورات التي يرسمها العلماء، حول مستقبل البشرية في ظل ارتفاع درجات حرارة الأرض. وقد تكفي هذه الصور القاتمة، التي برزت متزامنة مع قمة المناخ بباريس أواسط الشهر الماضي، لدحض تفاهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بدت صور دبٍّ قطبي أنكهه الجوع والبحث عن أي شيء يسد رمقه في الحاويات بشمال كندا، حقيقةً أكثر قتامةً من التصورات التي يرسمها العلماء، حول مستقبل البشرية في ظل ارتفاع درجات حرارة الأرض. وقد تكفي هذه الصور القاتمة، التي برزت متزامنة مع قمة المناخ بباريس أواسط الشهر الماضي، لدحض تفاهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واستهتاره بالتغييرات البيئية. كما أنها تكفي لتشكل العصب الرئيسي، في سجال عالمي حول الآثار المخيفة، التي تنتج عن ارتفاع سخونة الأرض، بسبب النشاط الإنساني المفرط في استخدام المصادر الطبيعية.
وثّق المصور بول نيتلين، من مجلة ناشيونال جيوغرافيك، آثار الجوع على الدب القطبي في جزيرة بافن، وهي كبرى جزر كندا وخامس أكبر جزيرة في العالم ويعيش فيها 11000 شخص. وكأن الدب القطبي الذي شاهده العالم يصارع الجوع، ظهر ليثبت كلام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس حين قال بوضوح تام في قمة باريس،” نحن لم نربح حرب التغيير المناخي”. ودعا الفرنسيون كندا من قصر إليزيه، الكف عن استخدام الطاقة الأحفورية، حيث احتلت تلك المسألة مساحة كبيرة في القمة البيئية، وكانت المحور الأهم بين المحاور، ذاك أنها حسب علماء الاقتصاد والبيئة أصبحت من الأنماط الاقتصادية القديمة، وتسبب ارتفاع الحرارة من جوف الأرض.وقد كان لكل من فرنسا والبنك الدولي رأي واضح فيما خص التهديد الذي يشكله البحث عن الطاقة في باطن الأرض، واستغلال أكثر من 20% منها وضرورة مواجهته، ذاك أن الطاقة الأحفورية برأي وزير البيئة الفرنسي نيكولا هولو، ستزيد من المشكلات بدل إيجاد الحلول لها، كما أنها نمط اقتصادي عفا عليه الزمن.
تأثير التصور الفرنسي حول سبل حماية المناخ والحدّ من التغييرات المخيفة التي تهدد مستقبل الأرض تجلى بوضوح على البنك الدولي، إذ قرر أن يوقف بشكل كامل التمويل عن مشاريع استخراج النفط والغاز بدءاً من عام 2019.
لقد بدا الدب القطبي المنهك وكأنه يمشي على حبات رمال كندا المغموسة في البترول ،حيث تصل قيمتها الإجمالية إلى 173 مليار دولار، وهو مالا تريد حكومة الليبراليين، كما لم ترد حكومة المحافظين قبلها، الاستغناء عنها. وكان رئيس الوزراء الكندي جستن ترودو ورغم وعود حكومته الالتزام بمقررات اتفاقية باريس 2015 وملامح تأثر الشمال الكبير بتغييرات المناخ، وفيه صورة الدب الجائع بطبيعة الحال، واضحاً فيما خص نية بلاده استخدام الطاقة الأحفورية قائلاً: “ليس هناك بلد يترك 173 مليار دولار على أرضه دون استخدامها”. ولكن هذا يتناقض مع رؤية الأوروبيين ومقررات اتفاقية باريس، إذ تؤكد على أهمية ترك 80% إلى 90% من الغاز والبترول في جوف الأرض، واللجوء تالياً إلى مصادر الطاقة المتجددة أو البديلة، وذلك من أجل حماية الأرض ومواجهة ارتفاع درجات الحرارة المخيف.
الخوف الأكبر في شمال أمريكا وفقاً للتقارير العلمية البيئية، لا يتجاوز أضرار استخدام الرمال النفطية على البيئة ومصادر المياه والتنوع الحيوي فقط، بل يلامس حقيقة أخرى وهي ان ذوبان الجبال الجليدية وارتفاع درجات الحرارة في شمال كندا الكبير (Le Grand Nord)، بسبب استغلال موارد الأرض الجوّانية، سيؤدي إلى إطلاق غازات دفينة (غاز الميثان) تفوق أضرارها على البيئة أضرار الكاربون. ولكن كندا، رغم وفرة مصادرها الطبيعية، بدل التوقف عن استخدام الطاقة الأحفورية، تريد استخراج كامل البترول على أرضيها، وتشير الأرقام إلى زيادة الإنتاج النفطي في البلاد بنسبة 50% في السنوات القادمة. ويستمر هذا الاستخدام وفق المعلومات الرسمية الكندية حتى عام 2025.
لقد زاد خوف الأوروبيين على مستقبل قارتهم، ولم يعد بمقودرهم إخفاء المخاطر البيئية في ظل تطورات دراماتيكية سريعة، تحصل في المناخ العالمي، حيث شهد عام 2016 موجات حرارة عنيفة، لم تشهدها الكُرة الأرضية منذ عام 1880. وفي العام ذاته، كشفت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) عن موجات جفاف متطرفة، ضربت منطقة الشرق الأوسط بين 1998-2012 قلّ نظيرها منذ 900 سنة.
في دائرة نقاش عقدت في جامعة جنيف حول التغييرات المناخية وندرة المياه نهاية عام 2016، أشار مدير المعهد العلمي للبيئة مارتن بينستون في الجامعة ذاتها، إلى حصول ذوبان شبه كلي لثلوج جبال الالب نهاية القرن الحالي، وبحسبه فلن يبقى وفقاً للأرقام والتصورات العلمية التي قدمها في الدائرة النقاشية تلك، سوى القليل منها في أعالي تلك الجبال. ويعود سبب ذوبان هذه الثلوج التي تغذي أنهار (راين، دانوب، بو، رون) ويعتمدها 160 مليون نسمة في غالبية أنحاء أوروبا للزراعة والنقل والطاقة والغذاء، إلى التغيير المناخي وارتفاع درجات الحرارة، ناهيك عن الازدياد السكاني حيث تشير الإحصائيات المتوقعة إلى وصول نسبة سكان المعمورة إلى (10) مليار إنسان في نفس الفترة التي تنزع الحرارة الثلوج عن جبال الألب.
وتزداد التحديات كلما مرّ الوقت، فيما لم تتضح ملامح سبل المواجهة. وقد لا يفيد تعهد المجتمع الدولي بتقديم أكثر من 100 مليار دولار سنوياً، إلى البلدان النامية بحلول عام 2020 للتكيف بشكل أفضل مع آثار التغييرات المناخية، ذاك أن الحد من انبعاثات غازات الدفينة تبدأ من الدول الغنية، التي لم تعد المنح التي تريد من خلالها رشوة الجنوبيين، قادرة على التعمية واخفاء حقيقة سخونة الأرض “واحمرار” أجزاء كثيرة منها. قصارى القول، الدول النامية لا تطلق الغازات الدفينة، بل توفر السكان لاستنشاقها.

هذا الموضوع تم انجازه بدعم من مؤسسة Rosa-Luxemburg-Stiftung’s Beirut Office 

[video_player link=””][/video_player]