fbpx

إيران: ماذا خلف “استعفاء” ظريف وعودته؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد ثلاثة أيام على إعلان استعفائه من مهامه في وزارة الخارجية الإيرانية برسالة مقتضبة عبر “إنستاغرام”، قرّر محمد جواد ظريف، العودة عن هذا القرار بطلب من رئيس الجمهورية. فما الذي تغيّر؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد ثلاثة أيام على إعلان استعفائه من مهامه في وزارة الخارجية الإيرانية، برسالة مقتضبة عبر تطبيق “إنستاغرام”، قرّر محمد جواد ظريف، العودة عن هذا القرار، بطلب من رئيس الجمهورية الشيخ حسن روحاني.

رغم أن ظريف تعمّد ألا يكون قراره استعراضياً، لتزامنه مع زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد لإيران، حيث حرص على انتقاء مفرداته، فلم يستخدم مفردة “استقالة” بل “استعفاء”، لكن الرسالة غطّت على وقائع زيارة الأسد، حتى بدت كأنها حدث جانبي، مقابل خطوة ظريف التي أثارت عاصفة من ردود الفعل الداخلية والخارجية المستنكرة.

تكفي مقارنة “قلق” مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني، إزاء “استقالة” ظريف غير المتوقعة، بـ”عدم قلقها” إزاء قرار المملكة العربية السعودية إعفاء وزير خارجيتها عادل الجبير، لإظهار أهمية الدور الذي يلعبه هذا الرجل ومدى تأثيره في السياسة الدولية.

منذ صعود نجم قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، وملفات السياسة الخارجية الإيرانية مقسومة على اثنين، ممّا أدى إلى ظهور مرجعيتين في السياسة الخارجية

القول إن استعفاء ظريف مفاجئ، أو بسبب استبعاده من حضور اللقاءات بين المسؤولين الإيرانيين والأسد، أو عدم علمه المسبق بالزيارة، ليس إلا قصوراً في فهم أو تحليل اعتراضه. فالوقت لا يتسع للمناورة، أو ليعلن موقفاً بهذا الحجم، في مسألة يعرف أنه لا رأي له فيها، فهذه المسألة أصغر بكثير مما يؤرّق عقل الرجل، ذلك أن ملف سوريا بأكمله، ليس بيد وزارة الخارجية.

فمنذ صعود نجم قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، وملفات السياسة الخارجية الإيرانية مقسومة على اثنين، ممّا أدى إلى ظهور مرجعيتين في السياسة الخارجية، تعملان في خطين سياسيين متوازيين لا يلتقيان، ووزيرين، أحدهما إقليمي والآخر دولي، حيث يصادر سليماني ملفات: لبنان وفلسطين وسوريا واليمن والعراق، أي المنطقة بأكملها، ويترك لظريف مسألة المحادثات مع الغرب.

خلال السنوات الخمسة الماضية، كان في أدراج وزارة الخارجية عشر ملفات مهمة على الأقل: المحادثات النووية، الحرب السورية، التطورات في العراق، حرب اليمن، العلاقات مع السعودية، حقوق الإنسان، الصراع مع إسرائيل، صواريخ الحرس الثوري، العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، وأخيراً المفاوضات مع مجموعة العمل الدولي “فاتف” بشأن محاربة تزوير العملات وتمويل الإرهاب. لكن بعد إنجاز الاتفاق النووي، ثم فشله، تبين أن ظريف ليس لديه أي سلطة أو دور، في ما يتعلق بالعلاقة مع السعودية أو في شؤون العراق وسوريا واليمن وفلسطين ولبنان، وكذلك في قضية صواريخ الحرس الثوري، فذلك كان من اختصاص سليماني، ولم يُسمح له، إلا بالتعاطي في ثلاثة ملفات فقط: المفاوضات النووية، العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، حيث أذن له المرشد السيد علي خامنئي بالتفاوض مع الأميركيين على مستوى وزيري الخارجية ومحادثات “فاتف”.

لم يعد لظريف، الذي وصفه هنري كيسنجر بـ”العدو المحترم”، بينما ينظر إليه شعبه على أنه “مصدّق” آخر، مكاناً يليق بدبلوماسيته

بمعنى آخر، لم يتبق في يد ظريف بعد فشل الاتفاق وانسداد أفق العلاقة مع الولايات المتحدة، سوى محادثات “فاتف”، وهنا تجدّدت عليه الهجمات من أعلى المستويات. ففي أحد خطاباته، أشار المرشد إلى أن ظريف تجاوز الخطوط الحمر- أحياناً- التي رسمها له في علاقته مع الغرب، ممّا قد يحول دون إعطائه الإذن للعودة إلى في هذه المحادثات، الأمر الذي كان يعوّل عليه كفرصة أخيرة لإنقاذ الاتفاق النووي على الأقل أوروبياً، وإنقاذ دبلوماسيته أيضاً، وذلك عبر توقيع إيران على اللوائح المقدمة من “فاتف”.

ظريف مع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني

لكن بعد توفير الآليات المتبعة في هذا الشأن من قبل الاتحاد الأوروبي، التي تتوخى الشفافية الكاملة في الأنظمة المصرفية المالية والنقدية، بما في ذلك في قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، قوبل المشروع بمعارضة شديدة داخلياً، خصوصا في البرلمان، وكان لخامنئي رأي حاسم في هذه الجلسة حيث قال: “إن تبني هذه القوانين سيكون مخيفاً”، في حين أصر ظريف أنه يوجد لدى بعض المؤسسات في إيران، ثروات ضخمة من غسيل الأموال، الأمر الذي اعتبره رئيس السلطة القضائية  صادق لاريجاني “سكّيناً في قلب النظام”.

وهكذا لم يعد لظريف، الذي وصفه هنري كيسنجر ب”العدو المحترم”، بينما ينظر إليه شعبه على أنه “مصدّق” آخر، مكاناً يليق بدبلوماسيته، أو أي دور يلعبه، في الداخل والخارج، ويبدو أن اليأس قد تملّك منه، وأفقده القدرة على صوغ خطاب مقنع في المستوى والمحتوى، خصوصاً بعد مضي سنتين على انهيار اتفاق جنيف، ومرور10 أشهر على محادثات “فاتف” الفاشلة حتى الآن، إضافة إلى تورّط سفارات بلاده في الضلوع بتنفيذ هجمات إرهابية، في النصف الثاني من العام 2018، في عدد من الدول الأوروبية.

في الفترة الرئاسية الأولى لروحاني، استطاع تيار الاعتدال أن يقنع العالم أن هناك إيران جديدة في طور الولادة، كان ظريف أحد تجلياتها، حيث استأنف مفاوضات شاقة مع المجتمع الدولي أفضت إلى توقيع اتفاقية جنيف بشأن الملف النووي. بغض النظر عن بنود الاتفاق، وما إذا كان لصالح إيران أم خصومها، إلا أن الانفراج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي أرساه، أدى إلى ضعف قبضة التيار المتشدد، وصولاً إلى فوز روحاني بدورة رئاسية ثانية.

لكن الضربة القاضية أتت من جانب الولايات المتحدة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، الذي انقلب على الاتفاق النووي، الإنجاز الوحيد والأهم في حياة ظريف الدبلوماسية، فبدا كأنه فقاعة حلّقت، لكنها سرعان ما انطفأت، متأثرة بسلسلة من الأحداث والمواقف الداخلية والخارجية.

لحظة “الاستعفاء”، يمكن وصفها أنها الاعتراف العلني والشجاع لجواد السياسة الإيرانية، بموت مشروعه السياسي.

إقرأ أيضاً:
إيران: ماذا وراء انفجار زاهدان؟
إيران: أربعون عاماً على ثورة المشنقة