fbpx

نعم… حدث الكثير للإيزيديين ولشنكال

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في الماضي كان الإيزيديون يتعرّضون لحرب إبادة موقتة، تنتهي بنهاية الحرب، وتستمر تأثيراتها في ذواتهم فترة قليلة. أمّا اليوم، فصار زيّ “داعش”، جزءاً من هويّتهم، التي تعايشوا معها سنوات، وصاروا من أطفال الخلافة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“هل حدث شيء لشنكال؟”

بهذه العبارة، تناقل روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، مشهداً مصوّراً لطفل إيزيدي من مدينة شنكال/ سنجار، حرّرته “قوات سوريا الديموقراطية”، حديثاً، من منطقة الباغوز في ريف محافظة دير الزور، وهو يلبس زيّ ما يسمى أشبال الخلافة الإسلامية، مع مجموعة أطفال آخرين.

تبدو هذه العبارة، خطاباً مباشراً، يطمئن بها الطفل خياله المنهك من رحلة عذاب طويل خلّفتها سنوات من الأسر لدى تنظيم “داعش”، بين سوريا والعراق، إلى أن وصل إلى مقاتلة كردية، يستفسر منها عن أحوال مدينته المدمّرة قبل أن يطمئن عن عائلته، التي يبدو أنه يعلم مصيرها، أو فقد الأمل بوجودها.

من نافلة القول أن تنظيم “داعش” الإرهابي هزم، ولم تبق من جغرافية الموت التي رسمها بأشلاء ضحاياه وعظامهم، سوى بضعة أمتارٍ مربعة، لكنه ترك خلفه جيلاً كاملاً من الأطفال الإيزيديين الذين اختطفوا، وهم لم يتعلّموا بعد إلا كلمات قليلة من لغتهم الأم، ولم يلقنوا بعد إلا شعائر قليلة من ديانتهم الإيزيدية، ليلقنوا على يد أتباع خليفتهم «البغدادي القرشي» ديناً فصله هو وداعمه على مقاس القتل والتنكيل والذبح، ويتحدثوا بلغة منتقاة بإتقان لتكون لغة جافة قاسية، لا يرطبها إلا الدم.

تدفع قيم وجداننا وأخلاقنا، أوّلاً، إلى الوقوف أمام حديث هذا الطفل، وما من شأنه أن يترك أثراً على تكوين المجتمع الأيزيدي، المنهك في الأساس. بعد أن ينتهي “داعش” كليّاً، يحتاج هذا المجتمع إلى إعادة تأهيل الثقة، هذا المكان لم يعد يحتوي بقاءهم. أن يستفسر طفلٌ عن مدينة، أُسِر منها قبل أن يعي ما يقوله، وإلى الآن، يعني أنّ هذه الجغرافية لم تعد تمنحهم أماناً، صارت مدنهم وقراهم أماكن تتحرّك معهم.

كانت جريمة الإبادة الجماعية ضدّ الإيزيديين في شنكال، التي نفذها تنظيم “داعش”، بالغة الوحشية هذه المرّة، ذلك أنّ الجريمة لم تخلّف ارتداداً لكثافة هذه الفئة الدينية فحسب، بل حوّلت سنوات القتل والخطف والاغتصاب والسبي وتغيير المعتقد الديني، إلى نفسيّة تجوب حيوات الأطفال والنساء والكبار، ولا تفارق مخيّلتهم الصغيرة. صارت حرب الإبادة مزدوجة، أطفالٌ صغار يبحثون أحوال مدينتهم قبل صدور أمّهاتهم، أطفالٌ تجرّعوا الهزيمة، هزيمة الإنسانية التي لم تجد لوجدان هؤلاء الفتية مكاناً في هذه المسيرة الطويلة.

نحن أبناء العالم المراقب طوال سنوات خمس مضت، لمراحل تعاظم ما سمي دولة الخلافة، ومن ثم ترهلها وانهيارها، ذاك الانهيار الذي خلف آثاراً قد نحتاج عقوداً، حتى نزيلها أو أقله نخفف من تأثيرها في مجتمعاتنا.

تخلّص الأكراد والعرب والسريان من تنظيم “داعش” عسكرياً، هذه المهمة التي أوكلوها لأنفسهم، من دون شرط. تخلّص المقاتلون من الجبهات، ولّد الأمر جبهات أخرى أهم.

جبهة المجتمع، لا تنتهي بأن يحلق المرء لحيته الطويلة، التي فرضها عليه التنظيم يوماً ما.

لم تنته عمليات محاربة تنظيم “داعش” بعد، كما يود البعض أن يروج، بل بدأ الفصل الأصعب من فصول محاربة التنظيم الإرهابي، وإعادة تأهيل هؤلاء الأطفال تستوجب الوقوف بجدية على كل تفصيل يرتبط بهم، سواء بالبحث عن عوائلهم ولم شملهم، أو بإنشاء مراكز تأهيل تستقبل الذين فقدوا ذويهم، وتأمين حياة كريمة تنسيهم ما عاشوه خلال تلك السنوات وأيامها المملوءة بتراجيديا الموت.

الاعتراف بأنّ تنظيم “داعش” ارتكب جريمة بحقّ الإيزيديين، لا يكفِي. هذا الاعتراف من شأنه أن يفتح عوالم طويلة من المعالجة النفسية، ليمضي هؤلاء نحو سلامٍ ما، في مكان مرّت عليه 73 حرب إبادة عبر التاريخ.

في الماضي كان الإيزيديون يتعرّضون لحرب إبادة موقتة، تنتهي بنهاية الحرب، وتستمر تأثيراتها في ذواتهم فترة قليلة. أمّا اليوم، فصار زيّ “داعش”، جزءاً من هويّتهم، التي تعايشوا معها سنوات، وصاروا من أطفال الخلافة. وعليه، إدانة هذه الجريمة، شيء من الماضي ولا يجدي نفعاً؛ ما يجدي نفعاً، بالفعل، هو أن نحاول الإجابة عن سؤال: هل حدث شيء لشنكال؟ إن تمكّنّا من الإجابة، سنتمكن من الحلّ!

عن “زارا” الأيزيدية التي أحبها الأمير ، فنجت