fbpx

لماذا أقفلت صحيفة الإتحاد اللبنانية بعد شهرين على صدورها؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

البيان الذي أصدرته جريدة “الإتحاد” اللبنانية والذي أعلنت فيه توقفها عن الصدور بعد شهرين من صدورها، لفتت فيه إلى أن الإقفال وراءه “أسباب سياسية خاصة”، لم تكشف الجريدة عنها! وأول ما يتبادر إلى ذهن قارىء هذا البيان، بعد قراءته هذه العبارة أن وراء صدور الصحيفة كان أيضاً، “أسباب سياسية خاصة”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

البيان الذي أصدرته جريدة “الإتحاد” اللبنانية والذي أعلنت فيه توقفها عن الصدور بعد شهرين من صدورها، لفتت فيه إلى أن الإقفال وراءه “أسباب سياسية خاصة”، لم تكشف الجريدة عنها! وأول ما يتبادر إلى ذهن قارىء هذا البيان، بعد قراءته هذه العبارة أن وراء صدور الصحيفة كان أيضاً، “أسباب سياسية خاصة”، وهذا نفي للمهمة المهنية التي تُنشىء الصحف وتقف وراء صدورها. أسباب الصدور يجب أن تكون “عامة”، ويجب أن يُكشف للقارىء عنها. ناهيك عن أن البيان يعلن على الملأ تقدم السياسي على المهني في هموم الصحيفة، وفي أسباب إقفالها.والحال أن هوية صحيفة الإتحاد السياسية كانت معلومة منذ ما قبل صدورها، ثم منذ اليوم الأول لهذا الصدور، والصحيفة نفسها لم تسع لإخفاء مزاجها السياسي، وانحيازها إلى جهة محددة في الانقسام الذي يشطر المنطقة من المحيط إلى الخليج. وهنا لا يبدو عرض العضلات المهني مفيداً في وداع تجربة صحفية ما لبثت أن تعثرت. فكلنا جزء من هذا الإنقسام، وأن يطرح المرء على نفسه تجربة صحفية من خارج هذا الإنقسام، فهذا ليس بديهياً، وهو أيضاً مهمة شاقة وإن كانت ممكنة، في ظل اقتصار التمويل على قوى الإنقسام والحروب الأهلية، وعلى دوله وعلى أحلافه. ولعل توقف “الإتحاد” عن الصدور يكون مناسبة جديدة للتفكير بإعادة الإعتبار للشرط المهني، وتقدمه الشرط السياسي والمذهبي والقومي. فـ”الأسباب السياسية الخاصة” التي أقفلت “الاتحاد” بسببها، هي بمثابة إشهار وإعلان بأن ما يُوقف صحيفة عن الصدور هو شرط سياسي لا مهني، وفي هذا منتهى التعبير عن واقع الصحافة في ظل اندراجها في مشهد الإنقسام. ومرة أخرى ليس المطلوب هنا اللون الرمادي والحياد، انما المطلوب هو الإنحياز إلى عناصر القصة في استهدافها أي المرتكبين إلى أي جهة انتموا.لكن في بيان “الاتحاد” إشارة أخرى يجدر التوقف عندها، فهي شكرت من بين من شكرتهم “لبنان” بصفته مكاناً اتسع لها ولغيرها من وسائل الإعلام والتعبير، وفي هذا الكلام قدر من الصحة من المفترض الاستثمار فيه. فلبنان تجربة متعثرة على أكثر من صعيد، باستثناء موضوع الحريات، ومن الحري بنا أن نتوقف عند هذه الحقيقة وأن نحاول حمايتها، وأن نعترف لبلدنا فيها. في بيروت يمكنك أن تكون مع الحوثيين في حربهم في اليمن أو أن تكون مع السعوديين. ويمكنك أن تكون مع قطر أو مع الإمارات، ومع مصر أو مع تركيا. ويمكنك أيضاً أن تكون ضد حزب الله أينما وجد هذا الحزب، وأن تكون مع بشار الأسد في حربه على السوريين. القوانين اللبنانية لا تقيدك إلا على مستويات ضيقة، والتوازنات الهشة بين الطوائف والجماعات يمكنها أن تؤمن لك سقفاً أعلى في تناول أي موضوع. وهذا ما يمكن للمرء أن يلمسه حين يتحقق من التضييق الذي يتعرض له الصحافيون في كل مكانٍ في الإقليم. في تركيا ودول الخليج وفي ايران والأردن والعراق.واستعراض ذلك أيضاً ليس جزءاً من “عرض عضلات وطني”، انما إشارة إلى فرصة ضائعة لا نقدر قيمتها. فأن يُتيح لك بلدك فرصة أن تكون حراً، على رغم كل ما يحف هذه الحرية من تحديات ومفارقات، فهذا ليس بديهياً في منطقة كمنطقتنا.الإعلام الممول من دول الخليج ومن ايران ومن تركيا وروسيا وغيرها من دول الإنقسام، جميعه متاح له العمل في لبنان، وهو يستثمر بهذه الإتاحة على نحو سياسي. ولكن أن تستثمر الحرية في لبنان على هذا النحو، فهذا يعني توظيفاً للحرية في مواجهة الحقيقة، في وقت يُنتظر من هذه الحرية أن تكون فرصة لتعزيز الحرية. وهنا تحديداً يمكن الحديث عن الفرصة الضائعة.في مؤتمر أريج للصحافة الاستقصائية والذي انعقد في الأردن الشهر الفائت وحضره أكثر من 500 صحافي من حول العالم، وحدنا نحن اللبنانيين، من بين الصحافيين العرب، من لم يتقدم هم حرية التعابير همومهم المهنية. السوريون في شتاتهم يعانون من الضبط التركي والأردني والمصري لقصتهم الصحفية، والزملاء المصريون تخنقهم رقابة نظام الرئيس السيسي الصارمة وغير المتسامحة. العراقيون خاضعون لرقابات ميليشيات المذاهب والقوميات، والأردن بدوره نظام ضبط عميق وأمني.لهذا السبب تحديداً لدى الصحافة اللبنانية فرصة غير متوفرة لغيرها في المنطقة. كل يوم هو يوم ضائع، والصحافي اللبناني مطالب أكثر أن يجيب عن سؤال الحرية المتاحة له، على رغم أن وضع الحريات ليس نموذجياً، والمرحلة الأخيرة شهدت مضايقات كثيرة، لكنها لا ترقى أبداً إلى مستوى المضايقات التي يشهدها الإعلام في دول المنطقة. ثم أن الصحافة في لبنان شهدت في مراحل سابقة استهدافات أمنية واغتيالات، وهذه لم تؤد بدورها إلى ضبط القطاع، واليوم يُهاجم حزب الله في الصحافة اللبنانية على نحو أشد وأقوى مما يُهاجم في معظم صحف المنطقة، والأمر نفسه يصح على تناول دول مثل السعودية وقطر وتركيا وايران. وبانتظار أن نلتقط هذه الفرصة على نحو مختلف، نأمل أن تكشف “الإتحاد” ذات يوم عن “الأسباب السياسية الخاصة” لإقفالها، وفي ذلك فائدة لغيرها يساعدها على تفادي أسباب مماثلة. [video_player link=””][/video_player]