fbpx

محاربو السوفيات القدامى في أفغانستان:محاولة لاقتفاء المأساة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عندما غزا الاتحاد السوفياتي أفغانستان عام 1979، كانت الأمة الروسية حينها في أوج قوّتها. وبعد عقد من الزمان جثت على ركبتيها. يريد مجلس الدوما الآن تغيير هذا التصور.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في الضواحي الشرقية لموسكو، يتجول طلبة عسكريون يرتدون زيهم الرسمي في ردهة من غرفتين تغصّ بذكريات أليمة. إذ تظهر خريطة ضخمة لأفغانستان، وصفٌّ من الوجوه الشابة المتحمسة لخوض المغامرة، ثم يُعرض فيديو يُظهر نعوشاً من الزنك، تعيد هؤلاء الجنود السوفيات دفعة واحدة إلى وطنهم.

تشتد حدة المشاعر التي يثيرها هذا المعرض المؤثر حين يقف المُشاهد أمام نصٍ بخط اليد، رسم على أحد جدران المعرض الخضراء، يظهر الرسالة التي تلقتها آلاف الأمهات والزوجات في الاتحاد السوفياتي قبل أعوام:

“ببالغ الحزن والأسى، نعلمكم بوفاة ابنكم/ن”.

في الذكرى الثلاثين لانسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان، تقتصر ذكريات الحرب الوحشية في أفغانستان على الأماكن النائية، مثل صالة معرض الحرب السوفياتية في أفغانستان في بِتروفو، التي افتتحها مجموعة من قدامى المحاربين الذين لا يريدون أن تسقط تضحياتهم ووطنيتهم في مستنقع النسيان.

أما في روسيا اليوم، حيث يستعرض الكرملين عضلاته الجيوسياسية في الأراضي الأجنبية، فيدعو بعض المشرعين إلى إعادة تأويل الصراع في أفغانستان بتحويل النظرة إليه من مأساة ذات أبعاد إنسانية وسياسية، إلى جزء من ماضٍ شجاع ومجيد.

حين أمر الاتحاد السوفياتي عام 1979، مجموعات من الفرق المدرعة بأن تعبر الجسر الرابط بين أوزباكستان وأفغانستان، ومن المثير للسخرية أنه كان يدعى جسر الصداقة، كانت الأمة الروسية في أوج قوتها. وبعد مرور عقد من الزمن، أسفرت الحرب عن مقتل حوالى مليون مدني، و90 ألف مقاتل أفغاني وأكثر من 14 ألف جندي سوفياتي.

عندما انسحب آخر جندي سوفياتي من على الجسر ذاته في شباط/ فبراير عام 1989، كانت الأمة جَاثِيَةً عَلَى رُكْبَتَيْهَا، من الناحيتين الاقتصادية والنفسية على حد سواء. ووصف القادة والمواطنون السوفيات بغالبيتهم، الحرب الأفغانية بأنها كارثة، مثلت نقطة تحول في التاريخ السوفياتي. ووقع ميخائيل غورباتشوف، باعتباره رئيساً لمجلس السوفيات الأعلى، قرار “إدانة سياسية وأخلاقية” للغزو، وهو قرار حظي بدعم مؤتمر نواب الشعب.

بيد أنه بعد مرور 30 عاماً، تغير المزاج العام في موسكو كثيراً.

يعتزم نواب مجلس الدوماإعادة تعريف الحرب الأفغانية “على أسس من الموضوعية السياسية والحقائق التاريخية”، وفقاً لما جاء في مسودة القانون الذي صُدق عليه، في تشرين الثاني/ نوفمبر، من قبل أغلبية مشرعي حزب روسيا الموحدة الحاكم، وأغلبية المشرعين الشيوعيين.

يقول الفريق أول فلاديمير شامانوف، رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما، إن هذا القانون الجديد ضروري للحفاظ على شرف الذين خدموا في الحرب. وصرح في بيان له: “مر ثلاثون عاماً، ولكننا جميعاً ما زلنا نشعر ببعض الألم من تلك الأحداث، ليس لأننا لم نتوقع مثل هذه النهاية للعملية العسكرية وحسب، بل أيضاً لأنها قُيمت على عجل. إذ لا تستحق قيادة الدولة وقتها ولا الجنود ولا الشعب مثل ذلك التقييم”.

تأتي مراجعة هذا الفصل المؤلم في تاريخ روسيا، في وقت تحاول موسكو مجدداً توسيع نفوذها في الدولة التي مزقتها الحرب. فقد استضاف الكرملين، محادثات سلام بين شخصيات سياسية أفغانية بارزة وبين حركة طالبان، وهم رجال كانوا من مقاتلي المقاومة ضد السوفيات، وساعدوا في دحر الجيش الأحمر من أفغانستان قبل عقود. وارتبط بعض أعضاء الوفد بالإرهاب وجرائم حرب.

بالنسبة إلى إغور إرِن، الضابط المتقاعد الذي خدم في قندوز في أفغانستان والذي يدير حالياً قاعة معرض الحرب السوفياتية في أفغانستان في بـِتروفو، فإن تصويت مجلس الدوما ينم عن سخرية.

فقد عانى هو وزملاؤه العسكريون لسنين، من أجل الحفاظ على نصبهم التذكاري مفتوحاً. وهو قاعةٌ أنشأها متطوعون عام 1993، وتتلقى حالياً تمويلاً من الدولة، في حين أن معظم المتاحف الأخرى المخصصة للحرب السوفياتية في أفغانستان تمولها جهات خاصة.

معظم الزوار البالغ عددهم 7 آلاف زائر سنوياً، هم من أطفال موسكو، الذين يتعلمون في المدارس أن الحرب كانت جزءاً من سياسة خارجية جيدة. يقول إرِن إن المواطنين لا يتعلمون عن تكلفة الحرب البشرية على الشعب الأفغاني وعلى الجنود السوفيات وما قاسوه في هذه التجربة المأسوية، والإعاقات التي عانى منها كثر منهم بلا دعم يذكر من الحكومة.

يرى بعض المحللين السياسيين، أن مبادرة مجلس الدوما لإعادة تشكيل الإرث الأفغاني، ما هو سوى جزء من حملة أكبر لتلميع ماضيهم السوفياتي، وهم يشككون في أن لهذه الحملة أي دعم شعبي.

يقول ألكسي مالاشينكو، الخبير البارز في شؤون الشرق الأوسط المقيم في موسكو ومدير قسم البحوث في “معهد البحوث في حوار الحضارات” Dialogue of Civilizations Research Institute، “إن المؤسسة السياسية لا تعتبر الغزو إنجازاً ناجحاً، فلماذا إذاً تتظاهر بغير ذلك؟ إن نظرتها للحرب السوفياتية في أفغانستان تكاد تتفق مع نظرة معظم المواطنين”.

يقيم إرِن والمتطوعون معه حفلهم الخاص لإحياء ذكرى الانسحاب السوفياتي من أفغانستان في بتروف.

يقول إرن إن الحرب السوفياتية في أفغانستان كانت حرباً لم يرد أحدٌ أن يخوضها، وأنه مدينٌ لزملائه الذين سقطوا في الحرب، بأن يسعى حتى لا ينسى الناس موتهم ومآسي الحرب. وأضاف: “نحن بحاجة إلى متحف أكبر. ونحتاج تمويلاً أكبر إلا أن للحكومة أولويات أخرى”.

 

ماريا غورجيفا

هذا المقال مترجم عن codastory.com ولقراءة المادة الأصلية زوروا الرابط التالي