fbpx

مجزرة مسجد نيوزيلندا: كيف غذّى اليمين الفرنسي المتطرّف دوافع منفّذ الهجوم؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الجزء الأكبر مما كتبه تارانت في المانيفستو الذي نشره قبل المجزرة يدور حول بلد واحد ووجهة واحدة من الأحداث والمحطات التي غيّرت حياته: فرنسا

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على وقع بيانات الإدانات والأصوات الشاجبة للهجوم الإرهابي، الذي استهدف مصلّين في مسجدي النور ولينوود في مدينة كرايستشيرش النيوزيلندية، بدأت الأسئلة عن هوية منفّذ الهجوم اليميني المتطرف.

برينتون تارانت صوّر نفسه مباشرة على “فايسبوك” وهو يفتح النار على جموع المصلّين، وهو حرص على تقديم خلفيته الأيديولوجية من خلال المانفيستو الذي نشره مباشرة قبل ارتكابه المجزرة.

المانفيستو الذي نشره برينتون تارانت، مؤلّف من 87 صفحة، ويحمل عنواناً مثيراً للجدل هو “الاستبدال الكبير” The     Great Replacement . الجزء الأكبر مما كتبه تارانت يدور حول بلد واحد ووجهة واحدة من الأحداث والمحطات التي غيّرت حياته: فرنسا بانتخاباتها الرئاسية عام 2017، والهجمات الإرهابية التي ضربتها منذ 2015.

ولا يبدو العنوان الذي يحمله المانيفستو بريئاً، إذ يستعيد نظرية المؤامرة بحقّ السكان الأصليين البيض، التي أسست لها كتابات كثيرة في فرنسا، أبرزها تلك التي قدّمها رونو كامو، والتي تستند إلى أعمال مويس باريس القومية مطلع القرن الماضي، والتي حذّر فيها من “اندثار الشعوب الأوروبية” وحلول شعوب وإثنيات أخرى. كانت تلك النظرية تأخذ مداها في الحلقات النيونازية منتصف الخمسينات، وسط كلام عن ديكتاتورية البلوتقراطية (حكم الأغنياء) العالمية، التي يقودها الأثرياء اليهود، وكان المؤمنون بهذا الخط يتحدّرون من مشارب ايديولوجية وفكرية متعدّدة، تغلب عليها النواة الشيوعية الأولى، وانزياحها تالياً إلى البنى الاشتراكية  الهوياتية (في النازية والفاشية). ويعدّ رينيه بينيه أبرز مثال على تلك النقلة من التروتسكية إلى النازية.

“الفرصة الأخيرة قبل الاستبدال الكبير: تغيير الشعب أو تغيير السياسة؟”، عنوان النسخة الجديدة لكتاب رونو كامو – الذي شاءت المصادفة والأهواء، أن يبدأ حياته اشتراكياً ومنتسباً إلى الحزب الاشتراكي، وينتهي منظّراً لتيارات اليمين المتطرّف الهوياتية- الذي صدر قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة وفيه يتحدّث عن “غزو ثقافي واجتماعي من شعوب أفريقية ومغاربية وعربية لفرنسا المسيحية البيضاء”، وهي الكلمات نفسها التي ترد في رسالة تارانت منفّذ الهجوم الإرهابي في نيوزلندا.

يشرح تارانت بالاستناد إلى نظرية كامو كيف تحوّلت التوتاليتارية العالمية أداةً “تبديلية” للمجتمعات الأوروبية. ويقول إن الإمبريالية اليوم تحمل اسماً واحداً هو: الإسلام. الهجرة والاستبدال الكبير مفردتان متلازمتان في قاموس كامو.

 

عشرات المجموعات التي تنضوي تحت مسمىBloc identitaire ، يجدون أنفسهم اليوم في سطور المانفيستو الذي دوّن مقتلة نيونزيلندا، وإن لم تكن أياديهم ملطّخة مباشرة بدماء الضحايا وإن خرجوا يدينون صورياً هذه الجريمة، إلا أنهم بتحريضهم المستمرّ على كراهية “الغرباء” و”المسلمين” و”المختلفين” الآتين من كل حدب وصوب، يدفعون بعجلة العنف والاحتراب الأهلي خطوة إلى الأمام

 

ومن الضروري جداً في إطار الحديث عن المهاجرين، العودة إلى رواية متخيّلة للكاتب جان راسباي صدرت عام 1973، تحت عنوانLe   camp des Saints، يصف فيها نهاية العالم الأبيض أمام ملايين الوحوش غير المتحضّرة، ويتحدّث عن فرنسا ذات وجه ديموغرافي مختلف تماما بحلول عام 2050.

يتابع تارانت حديثه عن زيارته فرنسا قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة ومراقبته عن كثب، الحملات الانتخابية لكلّ من إيمانويل ماكرون ومارين لوبان في الفترة الفاصلة بين الدور الأول والدور الثاني الحاسم. ويقول إنه شعر بيأس وإحباط كبير عندما رأى “مصرفياً، رأسمالياً، يحب المهاجرين ويكره البيض على رأس البلاد التي كانت ذات يوم مهد الكاثوليكية”.

ثمّ ينتقل إلى الكلام عن العوامل التي دفعته إلى اتخاذ قرار بما سمّاه “التحرّك” أو “رد الفعل”.

محطات كثيرة وعوامل متنوعة من الهجمات الإرهابية التي نفّذها إسلاميون في باريس ونيس، إلى عدم قدرة من يحمل مشروعاً يدافع فيه عن السكان الأصليين في مواجهة موجات الهجرة القادمة من وراء البحار وصولاً إلى رغبة في الانتقام لمفهوم ثقافي-اجتماعي يتعرّض للاندثار. ولا يخفي الرجل في هذا الإطار رأيه في مارين لوبان “التي فشلت في تحقيق انتصار للشعوب البيض عكس دونالد ترامب”.

مفردات ذات دلالة قوية ترد في مانيفستو “الاستبدال الكبير” كتركيز تارانت على تكرار higher fertility rate، للإشارة إلى معدّل الخصوبة المرتفع عند المهاجرين وضرورة العمل على تجاوزها فتصبح الجريمة (القتل) الحلّ الأنسب لخفض ولادات المهاجرين/ المسلمين/ الأفارقة. ولا ينسى الرجل الذي فقد والده (قتله السرطان) عام 2010، وبدأ يسافر إلى أوروبا، أن يوجّه تحية لشخصيات يمينية متطرفة ارتكبت جرائم مماثلة كألكسندر بيسونيت ويعرب عن فخره واعتزازه بأنّ الخطوة التي قام بها اليوم باركها اليميني المتطرف أندرس بريڤيك، مرتكب مجزرة أوسلو عام 2011.

اريك زيمور، روبير مينار، نيكولا-دوپون أنيان، مارين لوبان وحزبها “التجمع الوطني”، عشرات المجموعات التي تنضوي تحت مسمىBloc identitaire ، يجدون أنفسهم اليوم في سطور المانفيستو الذي دوّن مقتلة نيونزيلندا، وإن لم تكن أياديهم ملطّخة مباشرة بدماء الضحايا وإن خرجوا يدينون صورياً هذه الجريمة، إلا أنهم بتحريضهم المستمرّ على كراهية “الغرباء” و”المسلمين” و”المختلفين” الآتين من كل حدب وصوب، يدفعون بعجلة العنف والاحتراب الأهلي خطوة إلى الأمام.