fbpx

ديبلوماسية أجداد أردوغان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الحديث الدائم للرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أجداده، ليس عبثياً وليس الهدف منه تمضية وقت الفراغ بذكريات عائلية، فأجداد أردوغان جزءٌ أصيلٌ من سياسته الخارجية، ومن القوة الناعمة، في المنعطفات الحادة لتركيا المعاصرة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

الحديث الدائم للرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أجداده، ليس عبثياً وليس الهدف منه تمضية وقت الفراغ بذكريات عائلية،  فأجداد أردوغان جزءٌ أصيلٌ من سياسته الخارجية، ومن القوة الناعمة، في المنعطفات الحادة لتركيا المعاصرة.
عندما اشتبك أردوغان مع ألمانيا وهولندا العام الماضي، على خلفية منع سياسيين أتراك، من تنظيم تجمعات سياسية للدعاية للدستور الجديد، توعد الرئيس التركي أوروبا بجحيم مفتوح، ولم ينس في خضم ذلك، التذكير بأجداده الذين احتلوا نصف أوروبا أيام الخلافة العثمانية.
وعندما ذهب الى قطر مع القوات التركية، بعد الخلاف القطري-السعودي- الإماراتي، تحدث كثيراً عن تركيا والسياسة والمستقبل، و عن ” الوقوف بجانب إخوتنا وأصدقائنا في الأوقات العصيبة أحد أكبر الموروثات التي تركها لنا أجدادنا على مدار التاريخ”.
وحين يحضر أردوغان حفل ترميم للتراث القديم في مدينةٍ تركية، يتجاوزها إلى ميراث الأجداد في القارات الثلاث بقوله، ” إننا نسعى جاهدين لحماية تراث أجدادنا في منطقة واسعة من البلقان إلى الشرق الأوسط وصولا إلى شمال أفريقيا، من جنوب ووسط آسيا إلى أوروبا الشرقية “.
العالم بالنسبة لأردوغان هو نفس عالم “الامبراطورية العثمانية”، وكل المناطق التي كانت تابعة لها لا زالت مناطق نفوذ تركي بالنسبة له، بما في ذلك الجزيرة العربية وشمال إفريقيا والبلقان.
وقبل غضبة أردوغان الأخيرة على تغريدة وزير الخارجية الاماراتي، كان قد صب جام غضبه قبل أعوام قليلة، على مسلسل “حريم السلطان” لأنه برأيه شوّه أحد أهم أجداده، السلطان سليمان القانوني. والحقيقة أن أردوغان لا يفتخر بالخلافة الإسلامية، بل هو يحتفي بالخلافة العثمانية، ويرى أن مهمته هي امتدادٌ لمهمة هؤلاء الأجداد العظام، الذين هم أتراك قبل أن يكونوا مسلمين.
وعلى خطى إيديولوجيا “العثمانية الجديدة”، يرى أردوغان أن الانخراط التركي يجب أن يمتد إلى كل  تلك المناطق التي كانت تاريخياً جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، لهذا تتواجد سياسياً وديبلوماسياً في البلقان وألبانيا والبوسنة الهرسك.
من هذا المنطلق تحاول تركيا لعب الدور المحوري في قضية القدس، وتقفز لتبني قضية مسلمي بورما، ويشتطّ أردوغان غضباً إذا تحدث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن “الإسلام المعتدل”، ليصحح له بكل ثقة، أن هناك إسلاماً واحداً فقط لا غيره.
في الجدال التاريخي والفلكلوري الأخير بين وزير الخارجية الاماراتي عبدالله بن زايد، والرئيس التركي أردوغان، حول فخر الدين باشا، غابت التفاصيل الجوهرية عن المنخرطين في الجدال والتحيز مع أحد الطرفين.
يضمرُ استدعاء أردوغان الفخور لـ”جده” فخر الدين، نزعةً عثمانيةً تحقيرية ضد العرب، خاصة أن المعركة الأخيرة لفخر الدين، كانت ضد قوات “الثورة العربية” بقيادة أحد أبناء الشريف حسين.
لم يقاتل فخر الدين الإنجليز دفاعاً عن المدينة المنورة، بل كان يقاتل العرب الذين ارادوا “تحريرها” من “الاحتلال التركي”، في اطار ما عرف تاريخياً ب”الثورة العربية الكبرى”، للخلاص من الاستبداد العثماني في الأقطار العربية.
فالحرب إذاً، كانت حرباً بين “العرب” بقيادة أشراف مكة، و”العثمانيين”، وانتهت بطردهم من الجزيرة العربية، وكانت اليمن أول بلد عربي يتحرر من حكم العثمانيين عام 1918.
استدعاء اردوغان لهذا الجد بالذات، كان في حقيقته، استدعاءٌ للاستعلاء العثماني ضد العرب، (البدو الاجلاف من وجهة نظرهم).
صحيح أن الإنجليز دعموا الثورة العربية، لكن الصراع كان في حقيقته صراعاً عربياً-تركياً، وشكّل بدايات النهضة، والفكرة القومية العربية.
لكن المشكلة لا تتوقف عند هذا الاستدعاء التاريخي فقط، لأن اسم فخر الدين ارتبط بنهب أموال وكنوز المدينة المنورة، ونقلها إلى اسطنبول، وبجريمة الترحيل القسري لسكان المدينة المنورة إلى مناطق بعيدة في الشام، واسطنبول، والعراق، خوفاً من تعاطفهم مع القبائل العربية، التي أرادت استرداد المدينة!
لكن إشكاليات هذه الشخصية لا تقف هنا، فالدولة العثمانية  نفسها رفضت مساندة فخر الدين، وطلبت منه الاستسلام، وكان سقوطه نقطة النهاية لأربعمئة عام من الحضور العثماني في العالم العربي.
وإذا كانت وجهة النظر التركية مفهومة في سياقها، فمن الصعب تفهم انجراف بعض “العرب”، للدفاع عن سردية أردوغان، وإدانة الانتفاضات العربية، ضدّ الاحتلال العثماني, وتمجيد فخر الدين باشا, وسلسلة السلاطين العثمانيين.
لكن هذا التعاطف مرتبط بوهم “الخلافة”، الذي لا زال حياً في عقول شرائح واسعة من العرب والمسلمين، رغم كل التطبيق الوحشي لدولة الخلافة  على يد داعش. ومن وجهة النظر هذه، كانت الثورة العربية إسقاطاً للخلافة الاسلامية العثمانية، وجريمةً فصلت العرب عن دينهم وتراثهم. فبالنسبة لهم، فإن فخر الدين والسلطان عبد الحميد ليسا محتلين، لكنهما رمزان إسلاميان مقدسان، واحتلالهما للبلدان العربية، كان حفاظا على “بيضة” الإسلام ودولته.
أجداد أردوغان ليسوا موتى، فهم يحكمون معه، ويعطونه شرعيةً تتجاوز تركيا، وتؤكد على سمو العرق التركي ودونية البقية. فحين يتعامل أردوغان مع أوروبا، فإنه يتحدث مستوحياً تراث أجداده، محمد الفاتح، والسلطان مراد، وبايزيد الاول، وسليمان القانوني، واذا تجادل مع العرب، نظر إليهم من خلال أجداده الغازين للعالم العربي الاسلامي، من السلطان سليم الاول، وبايزيد الثاني وعبد الحميد.
يمكن القول إن العثمانية الجديدة، تعمل على “تصدير العثمنة”، مثلما عملت الخمينية بعد الثورة الاسلامية الايرانية، على تصدير الخمينية، تحت شعار “تصدير الثورة”.
أما القوة الناعمة لأجداد أردوغان، فظهرت في الهوس العربي بمسلسل “ارطغرل”، والد مؤسس الدولة العثمانية، وتجلت في الانجذاب الجماهيري العربي لشخصية “السلطان اردوغان”، الذي يرى فيه كثير من العرب بعثاً للخلافة من جديد. ويعرف أردوغان جيداً، أن هناك سوقاً استهلاكياً واسعاًَ لدبلوماسية الأجداد في العالم العربي، مهما كان في ذلك من استدعاءٍ لعنصريةٍ ماضوية، ما دام حلم الخلافة البائدة حيّاً في العقل العربي.[video_player link=””][/video_player]