fbpx

دليل موجز جدّاً إلى اللغة الشعبويّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

اللغة ربّما كانت أقوى أسلحة الشعبويّين. حكمة الشعبويّين اللغويّة هي التالية: انزع عن اللغة تعقيدها وتحدّث “كما يتحدّث الناس” بلغة بسيطة يفهمونها. لكنْ ما دام الواقع معقّداً، بات الكلام البسيط عنه خاطئاً. هذا لا يعني أنّ كلّ كلام بسيط شعبويّ. لكنّه يعني أنّ كلّ كلام شعبويّ بسيط.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

اللغة ربّما كانت أقوى أسلحة الشعبويّين. حكمة الشعبويّين اللغويّة هي التالية: انزع عن اللغة تعقيدها وتحدّث “كما يتحدّث الناس” بلغة بسيطة يفهمونها. لكنْ ما دام الواقع معقّداً، بات الكلام البسيط عنه خاطئاً.

هذا لا يعني أنّ كلّ كلام بسيط شعبويّ. لكنّه يعني أنّ كلّ كلام شعبويّ بسيط.

لدينا هنا مَثَلان كثيراً ما نواجههما في الحياة اليوميّة:

المثل الأوّل: كيف نواجه عدوّاً ما؟ غيرُ الشعبويّ يتناول توازن القوى ويقارن الأكلاف بالأرباح ويتابع درجة الاستعداد الشعبيّ لتحمّل المواجهة ويفكّر في تأليب الرأي العامّ والقوى الإقليميّة والدوليّة المؤثّرة لما يخدم معركته. الشعبويّ غير معنيّ (إلاّ نادراً) بهذا كلّه. إنّه – على مستوى اللغة على الأقلّ – معنيّ بالتوكيد على العداء للعدوّ وعلى مصيريّة المعركة و”إمّا نحن أو هم”.

المثل الثاني: كيف نواجه نظاماً اقتصاديّاً جائراً؟ غير الشعبويّ يتحدّث عن البنى والمؤسّسات والأنظمة الضريبيّة التي تتأدّى عنها سرقة جهود السكّان أو حرمانهم ثمار عملهم. الشعبويّ، في المقابل، يشهّر بفاسدين وسارقين قد يسمّيهم بالاسم، علماً أنّ بعضهم قد لا يكونون، عند التدقيق، كذلك.

لا شكّ أنّ اللغة الشعبويّة “تُشبهنا” في لحظات غضبنا أو احتجاجنا. وهي حين تصدر عن سياسيّ ما فإنّنا سنتعرّف إليها سريعاً في كلام الجار وصاحب الدكّان المجاور وسائق التاكسي. إنّها صدى لما قد نقوله ونحسّه، ولهذا فهي مألوفة وأحياناً حميميّة، ولأنّها كذلك فهي “صادقة”.

لا شكّ أنّ اللغة الشعبويّة “تُشبهنا” في لحظات غضبنا أو احتجاجنا. وهي حين تصدر عن سياسيّ ما فإنّنا سنتعرّف إليها سريعاً في كلام الجار وصاحب الدكّان المجاور وسائق التاكسي. إنّها صدى لما قد نقوله ونحسّه، ولهذا فهي مألوفة وأحياناً حميميّة، ولأنّها كذلك فهي “صادقة”. شعبويّة السياسيّ الشعبويّ تجعله، في نظرنا، “صادقاً”، مع أنّ الميل السائد يقوم على التشكيك بصدق السياسيّين.

لقد فسّر دونالد ترامب مؤخّراً سبب ارتياحه إلى مستقبل العلاقات مع الصين، وإلى توقيع اتّفاق تجاريّ معها، بقوله إنّ كشي جينبينغ يَعرف عنه أنّه يغادر المفاوضات حين لا تعجبه، وهذا ما فعله في فيتنام مع كيم جونغ أون. وما دام الزعيم الصينيّ لا يحبّ ذلك، فإنّه سيوقّع، ذات يوم قريب، على الاتّفاق.

هذا تفسير يمكن أن نسمع مثله من أيّ رجل غاضب أو مُستَفزّ في سهرة، أو من أيّ قبضاي في مقهى. لكنّه في الحقيقة لا يصف شيئاً، أو أنّه، في أحسن أحواله، يصف سطح الاشياء. ذاك أنّ واحدنا إذا قال في وصف نيتشه إنّه كان كثّ الشاربين يكون قد قال قولاً صحيحاً. لكنْ إلى أيّ حدّ يوفّر لنا هذا الوصف للشاربين تعريفاً بصاحبهما؟

ماذا لو طبّقنا بعض هذه المعايير على “الخطاب السياسيّ” الذي يهبّ علينا من بيئات الممانعين على أنواعهم؟ عليكم بمحطّتي “المنار” و”الميادين” وبجريدة “الأخبار”، أو بالكلام الذي يصدر عن “سياسيّين” كوئام وهاب. الموادّ التطبيقيّة لا تُحصى.   

هل لدى ثوّار “الربيع” ما يقولونه للسودانيّين والجزائريّين؟