fbpx

الأردن: ماذا حصل أمام الديوان الملكي؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

احتوت صفقة غامضة المعالم اعتصاماً غير مسبوق لعشرات العاطلين من العمل قبالة مدخل الديوان الملكي الأردني، وذلك بعد 20 يوماً على صمودهم تحت المطر والبرد القارص احتجاجاً على شح الوظائف.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

احتوت صفقة غامضة المعالم اعتصاماً غير مسبوق لعشرات العاطلين من العمل قبالة مدخل الديوان الملكي، وذلك بعد 20 يوماً على صمودهم تحت المطر والبرد القارص احتجاجاً على شح الوظائف. كان هؤلاء الشباب أتوا إلى “قبلة الأردنيين” سيراً على الأقدام من محافظة معان والبادية الجنوبية- معقل الموالاة التقليدية للنظام الهاشمي- للمطالبة بـ”حقهم الدستوري” في التوظيف.

حتى لحظة الانفراج الخميس الماضي، كان الشباب يمضون جلّ وقتهم في العراء فوق الطين وتحت المطر بجانب بوابة الديوان، ملفوفين ببطانيات ومعاطف طويلة مبطنة بفراء الخاروف. وحين يزداد المطر غزارة، كانوا يتوارون تحت جسر قريب أو داخل مبنى مسقوف خال من النوافذ والمرافق الصحية في انتظار قرار ملكي يزيل عنهم الشعور بالقهر والخذلان من وعود الوزراء والنواب.

هذا التفاهم، الذي أعد بما يتناسب مع الحالة، طبخ خارج إطار الحكومة ممثلة بوزارة العمل، وهي الجهة المسؤولة عن صقل مهارات الأردنيين وخلق فرص عمل في مملكة قفزت فيها معدلات البطالة إلى 18.7 في المئة، وفق التقديرات الرسمية، وربما إلى أكثر من 35 في المئة بين الشباب (الرجال).

وهكذا طوي، ولو آنياً، عصيان مدني في مملكة متوترة تنتظر طرح ما سمي صفقة القرن لتسوية القضية الفلسطينية على نحو قد يمس صميم هويتها السياسية، بالتزامن مع مواجهة ثالوث البطالة والفقر والفساد. لكنّه يؤسس على الأرجح لسابقة خطيرة قد تضطر فيها السلطة إلى دفع أموال – لم تعد تملكها- نتيجة تراجع المساعدات الخارجية، التي كانت تموّل الدولة الريعية لشراء سكوت الناس أو وقف تصعيد الشارع المتحرك.

فلا ضمانة بعد اليوم بألا يخطو شباب الشمال والوسط نهج زملائهم في الجنوب، ما قد يقحم القصر في مواجهة البحث عن حلول لمشكلات تقع في صلب عمل الحكومة، التي يفترض أن تكون صاحبة الولاية العامة. في الأيام الأخيرة حضر إلى الاعتصام شباب من الأطراف – من قرية ذيبان ومدينة الكرك. وهناك حوالى 388000 مواطن سجل اسمه في كشف ديوان الخدمة المدنية ويتنظر التوظيف.

كما يغذي الاتفاق الهويات الفرعية، المناطقية والعشائرية على حساب دولة القانون، المؤسسات وعناصر التحديث.

فأهل معان -المحافظة الأكبر مساحة- يشعرون بأن علاقتهم بالنظام السياسي تختلف عن سائر سكان المملكة، لأنهم استقبلوا الملك المؤسس عبدالله بن الحسين عام 1920 لدى وصوله من الحجاز. كما أن معان كانت مهد شرارة هبّة نيسان/ أبريل 1989، ضد سياسات حكومية تقشفية شجّعت الملك الراحل الحسين بن طلال على إطلاق إصلاحات سياسية محسوبة. 

ماذا حصل أمام الديوان الملكي؟

ثلاثة وجهاء محليون وقعوا ما يشبه الضمان للوعد الحكومي الشفوي الذي عرض على المعتصمين قبل أسبوع. اتفقوا مع المعتصمين على إنهاء الحراك مقابل تأمين أجر شهري بحدود 300 دولار للفرد، بعد تقديم تعهد رسمي بأن تسعى الحكومة إلى خلق 750 فرصة عمل في القطاع الخاص والأجهزة الأمنية. تعتمد المخصّصات التي يدفعها الضامنون على توافر فرص عمل مشروطة بأن “تكفل العيش الكريم شاملة تأميناً صحياً وضماناً اجتماعياً” بحسب نص الاتفاقية. وسيخسر أي شاب هذا المخصص الشهري، في حال حصل على فرصة عمل، ورفض الوظيفة المتاحة له أو تبين أنه يتقاضى راتباً تقاعدياً أو ضماناً اجتماعياً أو راتباً وظيفياً أو أن له مصدر دخل قائماً مسجلاً باسمه.

مصدر التمويل مجهول: كلفة الصفقة 150.000 دينار شهرياً تفوق القدرة التمويلية للرجال الثلاث.

الكاتب أحمد أبو خليل، الذي يرصد اتساع ظاهرة الفقر في الأردن منذ أكثر من 20 عاماً، يصف الصفقة بأنها تخريجة “ذكية ومرنة وحذرة” للموقف. يلاحظ أبو خليل إشراك المجتمع المحلي وفق صيغة “ممتازة” بعدما صدّ المعتصمون وفوداً كثيرة لوجهاء وناقشوا بحدّة رئيس الديوان الملكي ووزراء ونواباً ومسؤولين حاليين وسابقين.

في تقدير أبو خليل، الذي كان يزور المعتصمين يومياً، لم يكن هناك خيار آخر: “فالدولة لا يمكنها عقد اتفاق مع عاطلين من العمل، فهي ليست شركة لها مالك. الدولة تحكمها قوانين وضوابط”.

في الجانب الآخر، يرى وزراء ونواب وساسة أن هذه الصفقة تعكس طريقة جديدة في لي ذراع السلطة أو ابتزازها من خلال الاستقواء عليها.

فبعكس الرواية التي حاولت الطعن بموقف الحكومة، التقى وزير العمل سمير مراد بالعاطلين من العمل أثناء مسيرهم وقبيل وصولهم إلى عمان، وسجّل طاقم وزارته 64 اسماً من المحتجين. وعرض الوزير عليهم فرص عمل في القطاع الخاص بموجب خطط وزارته لعام 2019. لكن غالبيتهم لم تبدي أي اهتمام.

إقحام الديوان الملكي في ملف البطالة بدأ عندما استقبل رئيس الديوان يوسف العيساوي الفوج الأول من أبناء الجنوب؛ العاطلين من العمل في محافظة العقبة. حينذاك، وعدهم ممثل الملك بفرص عمل في قطاع الأمن والقطاع الخاص ثم أعادهم على متن حافلة. 

أحد الوزراء يذكّر بأن “جلالة الملك يحكم من خلال مجلس الوزراء وليس من خلال العيساوي”.

ويقول آخر إن الحكومة ترفض المفاضلة لمصلحة شباب معان الذين يعتقدون أن بإمكانهم فرض شروطهم عبر نيل امتيازات سريعة من خلال بوابة الديوان بدلاً من تسجيل أسمائهم في مكاتب العمل المحلية أسوة بشباب المحافظة الآخرين الذين لم يشاركوا في المسيرة إلى عمان.

بنود الصفقة مثيرة. فالوجهاء الثلاثة ذكروا في أحد بنودها أنهم وقعوها “والتزموا طواعية من دون أي ضغط أو إكراه وبإرادة حرّة سليمة”. كما تعهدوا أمام المعتصمين المسجلين بالكشف المرفق بالصفقة بعدم “حصول أي ملاحقة” بحقهم. وكذلك ملاحقة “من نشر أو أذاع عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها من وسائل الإعلام، أخباراً عن الاعتصام، والواردة أسماؤهم في الكشف أو غير الواردة”.

الشباب العاطلون من العمل رحّبوا بالصفقة التي أثبتت لهم مرّة أخرى أن الملك هو الوحيد الذي سينصفهم، بحسب قولهم لـ”درج”.

يقول المعتصم عناد الحويطات (30 سنة) إنهم أتوا إلى بوابة الديوان لإسماع صوتهم والحصول على وظيفة: “مش جايين لا نحاكم حرامي أو سارق أو نصير وزراء”، يردف الحويطات.

“كل مطلبنا وظيفة ولن يحققها أحد إلا جلالة الملك”، يؤكد هذا الشاب المتخرج من دورة تدريب محلية في فك وتركيب ألواح الطاقة الشمسية والحائز شهادة خبرة في أعمال السمكرة والتمديدات الصحية.

يتدخل صديقه أبو جميل قائلاً: كل بيت في معان فيه أربعة عاطلين من العمل، على رغم وجود أكثر من 14 مصنعاً في مناطقهم قائمة على “خيرات الأردن”، مثل الفوسفات والبوتاس وتوليد الطاقة المتجددة بألواح شمسية. “نحن في الشارع وأولادنا سيكونون مثلنا. ابن الوزير وزير، وابن النائب نائب وابن الفقير فقير… هيك طلعت وراثة وحقنا رايح وما راح ينصفنا غير جلالة الملك”.

أزمة هؤلاء تعكس في جوانب عدة إخفاق مشاريع التنمية المحلية بالتزامن مع سياسات لم تعد تشجع رعي الأغنام والفلاحة، وزيف الوعود الرسمية، وسط استمرار الواسطة والمحسوبية في التعيينات، وتنامي شعور سكان الأطراف بالتهميش وغياب العدالة.

أزمة هؤلاء تعكس في جوانب عدة إخفاق مشاريع التنمية المحلية بالتزامن مع سياسات لم تعد تشجع رعي الأغنام والفلاحة، وزيف الوعود الرسمية، وسط استمرار الواسطة والمحسوبية في التعيينات، وتنامي شعور سكان الأطراف بالتهميش وغياب العدالة.

حاولت الحكومة مخاطبة الشباب الغاضبين، لكن فريقها تعرض للطرد خلال لقاء معهم في إحدى الجامعات المحلية قبل أسبوعين. لكنها لم تيأس. قصد فريقها مكاتب وزارة العمل في الجنوب ونجح في تشجيع أكثر من 3000 طالب وظيفة على التسجيل في كشوف رسمية. فوزارة العمل تستهدف من خلال الإطار الوطني للتشغيل لعامي 2019-2020 خلق 30000 فرصة عمل سنوياً في القطاع الخاص؛ السياحة، والخدمات، والصناعة، والتشييد والبناء، والصحة، والاتصالات، والطاقة والزراعة.

يمثّل المعتصمون تيارات في المجتمع: من يريد وظيفة في الجهاز البيروقراطي المترهل أصلاً أو في شركات حكومية أو شبه حكومية، بما يؤمن له الحد الأدنى من مقومات العيش، من دون عناء لأنه اعتاد على ذلك. ومنهم من يريد العمل لأنه يملك شهادات، لكنه لا يتمتع بالمهارات المطلوبة، نتيجة خلل في مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل. هذه الحال تشعرهم بالإحباط. ف المقابل، يشكو ممثلو القطاع الخاص من سيف الضرائب والرسوم، وسط أنباء متناسلة عن هجرة مشاريع استثمارية هرباً من ثنائية الضرائب والركود الاقتصادي.    

يقول وزير العمل سمير مراد إن مشكلة العاطلين من العمل تؤرق الحكومة، لافتاً إلى أنه يعمل، ضمن خطط ومنظومة تشريعات أقرت أخيراً (قوانين العمل وتنمية المهارات وتنظيم التدريب المهني)، على خلق فرص عمل جديدة توائم بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل.

اليوم، غدت الآية معكوسة وتجهد الوزارة لتغييرها. ذلك أن مهارات 330 ألف شاب وفتاة يدرسون اختصاصات لم تعد مطلوبة بخلاف الملتحقين بالتدريب المهني وعددهم 36 ألفاً.

لردم الفجوة تدريجياً، أطلقت الحكومة قبل أسابيع مشروع “خدمة وطن” المجاني لتدريب 20 الف شاب وفتاة على مدى عامين على مهارات فنية وتقنية في قطاعات الصناعة والإنشاءات والسياحة. تخضع كل دفعة لتدريب مدّته أربعة شهور، يمنح الخرّيج/ة في ختامها شهادة مزاولة مهنة مصدّقة من مركز اعتماد وضبط الجودة. وسيتاح المجال أمام خريجي برنامج “خدمة وطن” للاستفادة من فرص العمل التي سيوفرها الإطار الوطني للتمكين والتشغيل.

هذه البرامج جزء من خطّة عشرية متكاملة لتطوير القدرات البشرية لمحاكاة احتياجات السوق المحلية ومواكبة الثورة الصناعية الرابعة.

مراد يقول لموقع “درج” إن “دور الوزارة يكمن في توفير البيئة المناسبة من خلال برامج تشغيلية لتمكين الشباب وأيضاً من خلال توفير فرص عمل بالاتفاق مع القطاع الخاص. فمشكلة البطالة قاتلة لناحية جديتها وتؤرق الحكومة كثيراً”.

الأردن: ضجيج يثيره تعيين أشقاء نواب يتوّج بتغريدة للملك

الأردن ليس بخير