fbpx

كيف مهدت الاتصالات السرية بين نتانياهو والأسد لمطالبة إسرائيل بالاعتراف بسيادتها على الجولان؟  

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

طيلة 20 عاماً، عقدت جميع الحكومات الإسرائيلية تقريباً محادثات سرية مع دمشق ركزت على صياغة اتفاق سلام، من شأنه أن يضمن إيجاد حل وسط بخصوص الأراضي. لكن الجولة الأخيرة من هذه المحادثات وأقلها شهرة أُنهيت فجأة

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“فقط تخيل ما كان ليحدث لو لم تكن إسرائيل موجودة في الجولان”، هكذا قال بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وذلك قبل يومٍ واحد من هِبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الكبرى لنتانياهو في تغريدة دراماتيكية مثيرة، ألا وهي: تصديق الولايات المتحدة على الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان.

لكن ما حاجتنا إلى التخيل هنا؟ فحتى وقتٍ قريب، كان نتانياهو شخصياً مشاركاً في اختلاق إجابة مفصلة على السؤال غير المتخيل على الإطلاق، عندما أدار مفاوضات مع السوريين وصلت إلى مرحلة متقدمة، حول الانسحاب الإسرائيلي من أراضٍ في هضبة الجولان نظير إبعاد “حزب الله” وإيران منها أيضاً.

 طيلة 20 عاماً، عقدت جميع الحكومات الإسرائيلية تقريباً محادثات سرية مع دمشق ركزت على صياغة اتفاق سلام، من شأنه أن يضمن إيجاد حل وسط بخصوص الأراضي. لكن الجولة الأخيرة من هذه المحادثات وأقلها شهرة أُنهيت فجأة -أثناء تولي حكومة نتانياهو السلطة- في آذار/ مارس عام 2011 على خلفية اندلاع الحرب الأهلية. خلال سنوات المقتلة السورية كان هناك تغيُّر تدريجيّ، إنما مُحدد في الموقف الإسرائيلي: انتهى عصر “الخيار السوريّ” وحان وقت المطالبة بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية القائمة فعلياً بحكم الواقع على الجولان.

تدريجياً أصبحت الفكرة- التي تسللت بداية من أوساط اليمين الإسرائيلي إلى مجلس الشيوخ الأميركي، وهُمس بها بعد ذلك في آذان إدارة الرئيس باراك أوباما- فكرة عامة واكتسبت زخماً في الوسط السياسي أيضاً. يتضح تغيُّر الموقف هذا بجلاءٍ في السباق الانتخابي الحالي؛ فقد أعلن معظم المرشحين البارزين أنهم يؤيدون هذا الاعتراف. كان أول من أعلن ذلك هو  يائير لبيد، الذي ضم القضية إلى شعارات حملته الانتخابية، وذكرها أيضاً شريكه في الانتخابات بيني غانتس، الذي أعلن خلال رحلةٍ إلى الشمال أنه، “لن نرحل أبداً عن الجولان”. بفضل الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق  -عبر القنوات السرية بشكلٍ أو بآخر- توجه إجماع الآراء الإسرائيلي نحو حملةٍ رامية إلى اعترافٍ أحادي الجانب بضمّ الجولان، وبلغت تلك الحملة ذروتها حالياً من خلال عطيّة ترامب تلك.

في الأشهر الأخيرة، تحدثت صحيفة هآرتس مع كثيرٍ من الأشخاص الذين شاركوا في الجولة الأخيرة من المحادثات والجولات السابقة لها، لتوضيح مدى جديّة تلك المفاوضات، والآثار المترتبة على التغيُّر في الموقف الديبلوماسي الإسرائيلي.

أكدت معظم المصادر التي تحدثنا معها، أنه حتى في ظل حكم نتانياهو كانت هناك مفاوضات جادة وصلت إلى مراحل متقدمة مع الرئيس السوري بشار الأسد وأتباعه، والتي تضمنت خرائط وسيناريوات محسوبة لاحتمال حدوث انسحاب إسرائيلي من هضبة الجولان على أساس حدود ما قبل عام 1967.

 ويرى معظمهم أن الاعتراف الأميركي أحادي الجانب، لن يعود بكثيرٍ من النفع على إسرائيل حالياً، بل قد يتسبب في إشعال فتيل حربٍ جديدة. أمّا في الجهة المقابلة، فيؤمن أنصار الفكرة في الساحة السياسية الإسرائيلية بأن هذه فرصة يجب استغلالها. 

الأسد الأب و”الوديعة”

 تعود النزاعات الحدودية شمال إسرائيل إلى الأيام التي رسم فيها الاستعمار خرائط المنطقة للمرة الأولى. بعد ذلك أتت خطوط وقف إطلاق النار الأولى وخطوط عام 1967 في لُبّ الصراع. وفي أعقاب الاستيلاء على أراضٍ إضافية خلال حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر/ تشرين الأول)، وُقع اتفاق فصل قوات عام 1974 بين إسرائيل وسوريا، والذي بموجبه انسحبت إسرائيل من قسم من الأراضي التي احتلتها خلال الحرب وأُنشئت منطقة عازلة. 

راهناً، أبلغ نتانياهو الروس -الشركاء الإقليميين الجدد- أن إسرائيل بدورها ستعود إلى اتفاقات الفصل. إذ صدقت إسرائيل عام 1981 على قانون تبناه الكنيست بضم هضبة الجولان إلى أراضيها. بزغت بداية الميول نحو المفاوضات مع انعقاد مؤتمر مدريد عام 1991، لكن وفق ما هو معروف، لم تبدأ أيّ محادثات جديّة مع سوريا إلا خلال رئاسة إسحاق رابين للوزراء عام 1992. حين ذهب جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركي إلى رابين بعد زيارته دمشق؛ وأخبره أن حافظ الأسد مستعد لتحقيق السلام “مثل السادات”.

 قال البروفيسور إيتامار رابينوفيتش رئيس الوفد الإسرائيلي المشارك في المحادثات مع سوريا خلال ولاية رابين، الذي كان سابقاً السفير الإسرائيلي في واشنطن، “عُقدت المحادثات في الطبقة السادسة في وزارة الخارجية الأميركية من الساعة 9 صباحاً حتى 12 ظهراً”. مضيفاً، “انتظر الصحافيون منذ دخولنا إلى القاعة وحتى خروجنا. كانت هناك أجهزة تسجيل على الطاولة، وكان واضحاً أن هذه ليست الطريقة الصحيحة لإجراء مفاوضات، فحتى عندما كنا نجري محادثات على فترات متباعدة؛ استغرقنا وقتاً حتى تصبح المحادثات أمراً طبيعاً. ثم وفي أحد الأيام وضعوا مبادئ اتفاق على الطاولة. وبقينا قرابة العام -من أيلول/ سبتمبر 1992 إلى آب/ أغسطس عام 1993- على هذه الحال. أحرزنا تقدماً، لكنه كان تقدماً بطيئاً وبخطوات صغيرة. كنا نلتقي كل شهر تقريباً”.

ووفقاً لما قاله رابينوفيتش، لم تعجب رابين فكرة التنازل عن الجولان، بيد أنه حبذ المسار السوري على المسار الفلسطيني -والذي حُدد في بادئ الأمر مع منافسه السياسي شمعون بيريز- وظن أن الأسد ربما سيكون أكثر جديّة من الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في تحقيق سلامٍ مع إسرائيل. ظلت المنهجية المتعرجة تلك بين القنوات والمسارات السورية والفلسطينية، والتي كانت تتم أحياناً فقط في محاولة للحد من الضغط الأميركي، مرافقة لجميع الحكومات الإسرائيلية منذ ذلك الحين وأصبح هذا اتجاهاً واضحاً.

 كان مقترح رابين هو الانسحاب الكامل من مرتفعات الجولان إلى حدود ما قبل 5 حزيران/ يونيو 1967 خلال 5 أعوام، في مقابل تطبيع كامل واتفاقيّات أمنيّة. وقدّم هذا المقترح إلى وزير الخارجيّة الأميركيّ وارِن كريستوفر، في ما أصبح لاحقاً يُعرَف باسم “عربون” أو “في الجيب”.

معنى هذا أنّ رابين طلب من كريستوفر أن يُبقِيَ مقترحه كورقة للعب بها في المحادثات، في حال أبدى الطرف الآخر التزاماً. لو تأمّلنا أحداث الماضي، يبدو أنّ كريستوفر سارَع قبل الأوان بوضع مقترح الانسحاب على الطاولة. في نهاية المطاف، اختار رابين بيريز وأوسلو. ثم لم يعد إلى السوريّين إلّا عام 1994، حين بدأت المحادثات بين كبار المسؤولين العسكريّين من الجانبين. بحسب إيتامار رابينوفيتش، فإنّ حافظ الأسد عطّل المحادثات. حصلت مفاوضات أيضاً حين صار بيريز رئيساً للوزراء، إلّا أنها لم تكن مثمرة أبداً.

غرفة نوم الأسد وجبل الشيخ (جبل حرمون)

حين بدأ نتانياهو فترة ولايته الأولى في رئاسة الوزراء، طلب الأميركيّون توضحياً بشأن ما إذا كان غير ملتزم بـ”عربون” رابين؛ واتّفقوا على أنّ الأمر لن يحظى بصفة الالتزام. عام 1998 بدأ نتانياهو جولة جديدة من المحادثات السرّيّة عبر شريكه المقرّب ورجل الأعمال رونالد لودر. وبحسب مصادر مطّلعة على مضمون المناقشات، فإنّها أيضاً دارت حول استعداد إسرائيل للموافقة على انسحابٍ ملموس يقوم على العودة إلى حدود ما قبل 5 حزيران 1967.

وبعد جولات المحادثات مع الأسد في دمشق، تشير التقارير إلى أنّ الرئيس السوريّ طلَبَ من لودر أن يعود إليه بخريطة فيها ترسيم الحدود “أو ألّا يعود أبداً”. عارَض وزير الخارجيّة آنذاك آرييل شارون ووزير الدفاع إسحاق مُردخاي هذا الأمر، وكانت تلك نهاية هذه الجولة من المحادثات، التي تستحضر غالباً لظهورها كنقطة خلاف أثناء المناظرة التلفزيونيّة بين نتانياهو ومردخاي.

اليوم، تقول مصادر مطّلعة على فحوى جولة نتانياهو الأولى من المحادثات في تلك الآونة إنّ محور تلك المحادثات، من بين أمور أخرى، كان مطلب إسرائيل بالحفاظ على وجودها قدم في جبل الشيخ. أبلَغ السوريّون لودر أنّ هذا الأمر يعدّ “خطّاً للتجسس”. هناك مزاعم أنّ لودر ردّ على الأسد بشأن هذا بالقول “ولماذا يُزعجك أن يَرَى أحدٌ ما تقوم به في غرفة نومك. إنّ هذا لا يُزعجني شخصيّاً”. وبصورةٍ مدهشة للجميع، غيّر السوريّون رأيهم؛ لكنّهم قدّموا تسوية خلّاقة: “هناك أميركيّون يهود يمكن تحويل الحضور الإسرائيليّ إليهم”. وَفقاً لتلك المصادر، فإنّ إسرائيل قرّرت أن تفهَمَ العكس: أنّ الإسرائيليّين سيتظاهرون بكونهم أميركيّين. سيتم تدويل كامل جبل الشيخ، ثم تدار القواعد العسكريّة التي يفترض أن يديرها أميركيّون مِن قِبَل الإسرائيليّين؛ في اتفاقيّة تسبه ما حصل في سيناء.

حين كان إيهود باراك رئيساً للوزراء، عقدت محادثات سلام في مدينة شبردزتاون، بولاية فيرجينيا الغربية، انتهت بنتيجة مفجعة ما زالت تفاصيلها محلّ جدل حتى اليوم. أصرّ السوريّون على الحصول على منفذ على بحيرة طبريّة. يقول بعض مَن شاركوا في المحادثات أنّ باراك تخوف من الأمر. ووجّه اللوم لمَن سرّبوا المعلومة. بعد ذلك توفّي حافظ الأسد، وتولّى مكانه ابنه بشّار وجُمّدت المحادثات. ثم غزا الأميركيّون العراق ودخلوا في صِدامٍ مع سوريا؛ وكان شارون في أيّ حال مشغولاً بالانتفاضة الفلسطينيّة التي اندلعت عام 2000 إثر دخوله المسجد الأقصى، فأصبح بعدها رئيس الوزراء الإسرائيليّ الوحيد الذي يمكن الزعم بأنّه لم يعقد محادثات سرّية مع السوريّين بشأن الانسحاب من الجولان.

هذا يؤكّده حتى اليوم مساعده السابق دوف فايسغلاس الذي يقول إنّ شارون تلقّى طلباً في كانون الأول/ ديسمبر 2003 بلقاء الديبلوماسيّ الأميركيّ إليوت أبرامز في روما ليعده بأنّ إسرائيل لا تجري أيّ اتصالات مع سوريا، على رغم تقارير عن إرسال رسائل مزعومة إلى وزير الخارجيّة سيلفان شالوم. شهد هذا اللقاءُ، كما يقول فايسغلاس، إخبارَ شارون الأميركيّين أوّلَ مرّةٍ بخطته لفك الارتباط مع غزة. 

خلال ولاية إيهود أولمرت رئاسة الوزراء، كانت لا تزال لدى الأميركيّون تحفّظات في البداية، وعام 2008 وافق أولمرت أخيراً على وساطةٍ تركيّة. انهارَت هذه المحادثات جزئيّاً بسبب عمليّة الرصاص المصبوب في قطاع غزّة؛ ولكن في نهاية تلك المحادثات تسلمت إسرائيل “خطة النقاط الست”، التي طالَب فيها السوريّون بتغييرات في الحدود، ووافق أولمرت على مناقشة هذا الأمر. تقول المصادر التي اطّلعت على موادٍ من تلك المحادثات إنّ الجانبَين كانا بالفعل منخرطَين في عمليّة ترسيم للحدود على خرائط “فائقة الدقّة” 

في سنوات المفاوضات، لم يعترف المجتمعُ الدوليّ عموماً، والولاياتُ المتّحدة خصوصاً، رسميّاً بضمّ إسرائيل إلى مرتفعات الجولان. 

نتانياهو والأسد: الجولة الأخيرة

بدأت جولة المحادثات الأخيرة بين نتانياهو وبشّار الأسد بوساطة أميركيّة في أيلول 2010. ومن بين أعضاء الحكومة كان وزير الدفاع إيهود باراك هو الوحيد الذي يؤيّد فكرة سريّة المحادثات، لكن الاستخبارات العسكريّة أيضاً كان تدعم الفكرة من ناحية المبدأ. كانت المحادثات تجرى من خلال المبعوثَين الأميركيّين فريد هوف ودينيس روس، فيما حضَرَ من الجانب الإسرائيليّ مستشار الأمن القومي عوزي عراد وخلفه يعقوب عميدرور والمستشار الديبلوماسيّ رون ديرمر والسكرتير العسكريّ يوحنان لوكر والمبعوث الخاص إسحاق مولخو والعميد مايك هيرزوغ؛ فيما غاب رونالد لودر عن الصورة. وبحسب بعض المشاركين في العمليّة، “كان ورقة محروقة، لأنّه لم يكن يمكن الاعتماد عليه؛ فلم ينسّق ما كان يقوله للجانبَين”. 

وفقاً لمصادر مطلعة على المحادثات، كان نتانياهو مستعدّاً لمناقشة الطلب السوري بانسحاب إسرائيلي كامل إلى خطوط ما قبل عام 1967، أي إلى بحيرة طبرية، لكنه هذه المرة اشترط فك ارتباط سوريا عن إيران و”حزب الله” في الترتيبات الأمنية الجديدة. عملت الفِرَق على صياغة بيان مبادئ، واستبدلت مسودات أميركية. انتهت هذه المفاوضات في آذار 2011 عندما بدأ الأسد قتل مواطنيه، وأدرك نتانياهو أن الزعيم السوري فقد شرعيّته. وتقدِّر المصادر أنه لولا اندلاع الحرب الأهلية، لما استغرق الأمر أكثر من ستة أشهر حتى يتوصّل الجانبان إلى اتفاق.

في البداية، سعى السوريون إلى استئناف المحادثات انطلاقاً من وثيقة “النقاط الست” التي قدمها الأسد في عهد أولمرت، لكن فريق نتانياهو قرر أنها لا تخدم مصالح إسرائيل الأمنية. كانت الفكرة الجديدة هي بناء خط يمكن للسوريين أن يطلقوا عليه العودة إلى حدود 4 حزيران 1967، ولكن مع بعض التعديلات. كانت بحيرة طبرية مرة أخرى هي محور الخلاف، وتليها الترتيبات الأمنية. تم بناء نموذج محوسب لتقييم إعادة نشر القوات العسكرية ونزع السلاح وتخفيف القوات، إذا ما وافق السوريون على اتخاذ قرار استراتيجي بفك الارتباط تماماً عن “محور الشر” الإيراني. بدأ الفريق التحضير للإعلان عن العملية.

كشف المستشار السابق آراد هذا العام أن إسرائيل، بمبادرة منها، اقترحت في ذلك الوقت أيضاً صفقة لتبادل الأراضي بين سوريا والأردن والسعودية، مقابل المستوطنات الإسرائيلية المتبقّية في هضبة الجولان. كان المقترح أن يتنازل الأردن عن أراضٍ سورية تعادل الأراضي التي ستظل في أيدي الإسرائيليين. في الوقت نفسه، تقدم المملكة العربية السعودية للأردن شريطاً من الأرض على الساحل جنوب العقبة، وتأخذ منه مساحة مماثلة على الحدود بين البلدين. وافقت عمّان، ولكن دمشق رفضت رفضاً تامّاً.

هل كان “نتانياهو” يعني ذلك حقّاً؟

يقول نتنياهو في أحيان كثيرة ردّاً على تقارير عن مفاوضاته مع الأسد إن تلك التقارير عارية عن الصحة. قبل شهر تقريباً سألناه خلال زيارته العاصمة البولندية وارسو ما إذا كان هذا يعني أنه “خدع” السوريين. أجاب نتانياهو: “لن أتنازل عن الجولان أبداً، سأحتفظ بالجولان ولن أكشف هنا ما حصل”.

ومع ذلك، يتّفق المشاركون في الجولة الأخيرة الذين تحدّثنا إليهم على أنّه على رغم أن العملية لم تصل إلى المرحلة النهائية، إلا أنها متقدِّمة وتناولت تفاصيل كثيرة.

صرح مسؤول سابق بالحكومة الأميركيّة لصحيفة “هآرتس” بأن هناك بعض التقدم الملموس مع اعتراف واضح به من الجانبين. وقال إن الجانب الإسرائيلي مهتم جدّاً بإمكانية حدوث تحول استراتيجي في سوريا، في حين كان السوريون مهتمين باستعادة الأراضي التي فقدوها عام 1967. مهما كان التقدم الذي أحرِز، في النهاية، إذا لم تتطور الأحداث في سوريا على النحو الذي تطورت به، ولو كان الطرفان اتفقا بعد 6 أشهر على نص ما لمعاهدة، فإن التوقيع عليها كان سيتطلب من الزعيمين اتخاذ قرارات صعبة.

وفقاً لمسؤول سابق آخر في الحكومة الأميركيّة، كانت المفاوضات –على رغم جديتها- غير مكتملة. يقول، “كان جوهر العمل هو الانسحاب الإسرائيلي، مقابل إعادة التوازن الاستراتيجي لسوريا بعيداً من حزب الله وإيران”. وأضاف المسؤول أنهم بحثوا بعمق في تفاصيل متعلقة بما هو مطلوب من كل جانب في المقابل؛ مضيفاً أنه بكل إنصاف، لم يتم اتخاذ قرار نهائي، وكان لديه شكوك حول ما إذا كان الأسد سيمكنه تنفيذ اتفاق. وأضاف المسؤول أنهم كانوا، على رغم ذلك، على وشك التوصل إلى اتفاق على الورق، وأن العمل كان جدّيّاً وتفصيليّاً، واعتقد القائمون على التفاوض أن هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق بالفعل.

وقال مصدر آخر مشارك في المحادثات: “لم يكن نتانياهو يريد القناة الفلسطينية في البداية، وكانت هذه طريقته لتخفيف الضغط عن الأميركيّين. لكنها كانت عملية واعدة ولم تكن خدعة”.

وقال مصدر إسرائيلي آخر: “يستطيع نتانياهو أن يقول لنفسه إنه لم يقل إنه وافق، وأنها كانت وثيقة أميركيّة لا إسرائيلية، لكنه سمَح بالمناقشة. إنه لا يخادع الأميركيّين. بصرف النظر عن ذلك، لا يهم ما يقوله الآن، فكل شيء تم تدوينه في دمشق، وكان هناك شهود من دول مختلفة. ما هذا التمثيل؟ لدى السوريين نصوص ووثائق وخرائط”.

يعتقد رابينوفيتش -الذي تابَع الجولة الأخيرة من المحادثات عن كثب- أنّ نتانياهو يواصل التكتيك الدفاعي الذي استخدمه في الماضي: “لم يتم الاتفاق على شيء حتى يتم الاتفاق على كل شيء”، وهي صيغة إسرائيلية دائمة. “سألوني ما إذا كان الأسد جادّاً، أودّ أن أقول إنه اشترى تذكرة في قطار يتجه نحو السلام، لكن يمكنه النزول في منتصف الطريق. ونتانياهو كذلك”.

حقبة الضم

في ما يتعلق بمسألة مطالبة إسرائيل بالاعتراف بضمها هضبة الجولان، يتفق معظم من شاركوا في المحادثات سابقاً على أنه: نظراً لعدم وجود أي مقاومة نشطة للوجود الإسرائيلي في الجولان حالياً، وبعدما أُدين الأسد واعتُبر قاتلاً جماعياً بالطبع، فلا فائدة من عملية رمزية لن تؤدي إلا إلى إحداث رد فعل قوي. ولذلك وكما قال مسؤول إسرائيلي سابق رفيع المستوى، “لا يوجد اليوم من يعتقد بأن على إسرائيل ترك الجولان. وأفضل طريقة لإثارة الشكوك بشأن ذلك هو السعي لنيل الاعتراف”.

 وصرح دنيس روس، أحد الوسطاء السابقين المرموقين، لصحيفة “هآرتس”، “أعتقد أنها غلطة ترتكبها الإدارة. ولا أظن أنها ستُساهم في رغبتهم من أجل تقديم خطتهم للسلام، بل أرى أنها ستزيد من صعوبة تجاوب القادة العرب معها. إذا كانوا يرغبون في نجاح خطتهم للسلام، فعليهم أن يفكروا كذلك في طريقةٍ لخلق سياق يسهل تجاوب القادة العرب معهم لا أن يصعبه، ولن يجعل الاعتراف هذا أسهل”.

وقال مسؤول أميركي آخر رفيع المستوى إن بوسعه فهم وجهة نظر نتانياهو في اختيار ذلك التوقيت؛ إذا ما أخذنا في الاعتبار الانتخابات المُقبلة، لكن يعدّ هذا بشكلٍ ما هدفاً شخصياً، مقابل العلاقات مع الدول العربية. وقد يؤدي إلى تراجع خليفة ترامب عن القرار؛ وهو النمط الذي نراه كثيراً هذه الأيام.

قال مسؤول سابق رفيع المستوى لصحيفة “هآرتس”، “يعرف نتانياهو جميع الإجراءات التي حدثت، ثم صار فجأة يريد نيل الاعتراف بمرتفعات الجولان؟ ماذا سيفعلون به؟ يأخذونه إلى محل البقالة؟ سيؤدي الاعتراف  إلى إحداث رد فعل واحتدام الأوضاع في الجبهة الشمالية”.

 وكما قال رابينوفيتش، “فقط سنساعد الأسد في تحويل الصراع من كونه مشكلة سورية إلى كونه مشكلة بين العرب وإسرائيل. وأظن أن نتانياهو يفعل ذلك لحشد أصوات الناخبين ليس إلا”. 

 فرصة تاريخية

 زفي هاوزر هو الشخص الأوثق صلةً بحملة الاعتراف بضم الجولان، وهو أمين سابق لمجلس وزراء نتانياهو، ومرشح حالي للكنيست في قائمة حزب “أزرق أبيض” (كاهل لافان). يؤمن هاوزر بأن تلك اللحظة هي فرصة تاريخية ينبغي عدم تفويتها بسبب “هاجس ما”. ووفقاً لكلامه فإن نتانياهو لم يفهم في البداية مدى أهمية هذه اللحظة، يقول، “كانت الحرب الأهلية في سوريا حدثاً مُغيّراً للواقع من المنظور الإسرائيلي، لكن يؤسفني -كوني رأيتُ غرفة القيادة عن قرب- أنهم لم يفهموا تلك الأحداث باعتبارها حدثاً استراتيجياً. وقد بدا الاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على الجولان سخيفاً للجميع. وحتى مجيء ترامب، لم يفكر أحد بأن ذلك الاعتراف ممكن الحدوث أو يعي أهميته. كانت تلك غلطة استراتيجية، وفجأة أدرك الجميع ذلك”.

ومن بدون ذلك الاعتراف ستحدث، “لَبْنَنَة لحدود الجولان وديناميكية تتطلب منا مغادرتها. سنستيقظ يوماً ما لنجد أنفسنا في مواجهة طلب بإعادة نشر القوات في المنطقة. صفقة متكاملة تقتضي انسحاب الإيرانيين من سوريا وفي المقابل انسحاب إسرائيل من مرتفعات الجولان. سيكون انسحاب الأميركيين من دون الاعتراف بالجولان إشارةً للعناصر المتطرفة -الأسد وحزب الله- بمشروعية إشعال خط المقاومة هناك”.

وفي ما يتعلق بالفكرة السابقة المتمثلة في جعل نأي سوريا بنفسها عن إيران شرطاً للانسحاب، يقول هاوز، “كانت فكرة إجراء مفاوضات لإخراج سوريا من اتفاقية الشر ساذجة”. ويقول بخصوص الأضرار المُحتملة التي قد يُسببها الاعتراف للعلاقات المتنامية مع العالم العربي، “لا يوجد ما يُسمى بالعالم العربي. إنه مُنقسم”.

يتفق أحد كبار المشاركين في المحادثات مع سوريا مع هاوزر ويقول، “يبدو أن فرصة السلام مع سوريا قد ضاعت لسنوات. وهي خارج قائمة الاهتمامات. لا يتعاطف أحد مع الأسد وليست هناك حساسية بشأن الجولان تشبه الحساسية تجاه القدس. سيصرخ العالم إذاً، وسنمضي قُدماً”.

وصرّح مكتب رئيس الوزراء رداً على التقرير، “لم يكن رئيس الوزراء نتانياهو مستعداً على الإطلاق للتفريط في مرتفعات الجولان، ولطالما عمل على تقوية قبضة إسرائيل عليها. عمل رئيس الوزراء على مر السنين على تشجيع الاعتراف الدولي بسيطرة إسرائيل على الجولان، وقد أثمر ذلك الليلة، ونحن نرحب بذلك ونشكر إدارة ترامب”.

 

 هذا المقال مترجم عن haaretz.com ولقراءة المادة الاصلية زوروا الرابط التالي.