fbpx

عمان لا ترغب باستعادة “جهادييها” بعد هزيمة “داعش”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هل سيسمح الأردن الذي يعتبر تنظيم “داعش” الخطر الأكبر على أمنه القومي، بعودة مقاتلين من مواطنيه التحقوا بتنظيمات جهادية متشدّدة في سوريا؟ وكيف ستتعامل عمان مع أرامل وعائلات أردنيين ينشدون العودة؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هل سيسمح الأردن، الذي يعتبر تنظيم “داعش” الخطر الأكبر على أمنه القومي، بعودة مقاتلين من مواطنيه التحقوا بتنظيمات جهادية متشدّدة في سوريا، بعد إعلان “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) المدعومة من واشنطن، تطهير آخر جيب لما كان يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في قرية الباغوز شرق سوريا هذا الأسبوع؟

وكيف ستتعامل عمان مع أرامل وعائلات أردنيين ينشدون العودة بعدما قاتل أزواجهم/ أباؤهم مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش)، وجبهة النصرة و”حراس الدين” المنشقين عن هذه الجبهة وغيرها من التنظيمات التكفيرية المتطرفة؟ كيف ستعود عائلات بأكملها ووفق أي برنامج “مناصحة”، فيما لا يملك أفرادها أوراقاً ثبوتية بعد مقتل أزواج أو آباء لهم، في معارك التحرير الجغرافي وليس التطهير العقائدي والأدلجة السياسية الداعشية؟

هذه أسئلة محورية برسم الإجابة ليس في الأردن وحده، جار سوريا والعراق، والذي لعب دوراً رئيساً في التحالف الدولي لتطهير دول الجوار من التنظيمات الإرهابية، كما ذاق مرارة انتقام “داعش” بما في ذلك حرق الطيار الأسير معاذ الكساسبة مطلع 2015، وعمليات كثيرة نفذها “داعش” داخل البلاد. هذه الأسئلة مطروحة أيضاً في معظم الدول العربية والغربية، التي انخرط مواطنون فيها في تنظيمات متشددة عبر سوريا والعراق. يحدث ذلك وسط تأرجح النقاش بين حقوق الجنسية والقانون الدولي من جهة، ومبررات حماية الأمن الوطني والسلم المجتمعي من خطر المقاتلين العائدين وعائلاتهم، الذين ربما تشربوا أفكاراً متزمتة قد ينقلونها إلى مجتمعاتهم المحلية المحافظة والمتدينة، من جهة أخرى.

الأردن الرسمي والأمني الذي استفاد في السنوات الخمس الماضية من تحدي ملف الإرهابيين في الحصول على مساعدات مالية وسياسية واقتصادية، وضع استراتيجية لمواجهة التطرف وآلية للتعامل مع الجهاديين وعائلاتهم منذ قبل سقوط مدينة الباغوز. تعكس هذه الاستراتيجية  لغة ديبلوماسية وقانونية متوازنة، بدلاً من أسلوب التهويل أو الوعيد سابقاً، ربما لطمأنة الرأي العام القلق جداً من شبح “صفقة القرن” لتسوية القضية الفلسطينية والظروف المعيشية الصعبة.

الأمل الرسمي أن لا يعود أي من المقاتلين الإرهابيين، وهم جزء من النسيج الاجتماعي والعشائري، لأنهم “قنبلة موقوتة” بسبب تشبعهم بالأفكار التكفيرية وقدرتهم على التنظيم واحترافهم فنون القتال.

لكن، وبحسب مسؤول رفيع تحدث إلى “درج”، فإن “المملكة ستدرس حال كل (جهادي) أردني على حدة”. إذ يرى الأردن أنه لا يستطيع منع أي شخص يحمل الجنسية الأردنية من العودة إلى بلاده، بحسب أحكام الدستور. وعليه فإن العائدين المحتملين “سيحالون إلى المحكمة بموجب قانون الإرهاب”، بحسب المسؤول ذاته. تتراوح الأحكام الصادرة عن محكمة أمن الدولة بحق مدانين بالترويج للجماعات الإرهابية أو الالتحاق بها بين ثلاث إلى 5 سنوات، بينما تصل العقوبة إلى المؤبد أو الإعدام، إذا ثبت إقدام متهمين على قتل أشخاص أو تهريب سلاح للجماعات المسلحة.

وبالنسبة إلى أطفال مقاتلين أردنيين يرغبون بالعودة، فعليهم إثبات النسب عبر فحص الجينات، ما قد يستغرق شهوراً، إذا كانوا لا يحملون أي وثائق إثبات رسمية، بحسب المسؤول الأردني. وسيخضع الأطفال العائدون وأمهاتهم إلى متابعات أمنية حثيثة من باب المراقبة ودرء المخاطر.

يؤكد مسؤول آخر أن أي مقاتل يقرر العودة، كما فعل آخرون في السنوات الماضية، سيواجه على الأغلب أحكاماً بالسجن بتهمة الانضمام إلى تنظيمات إرهابية، إذ لن تكون سهلة على عمّان محاكمة أي مقاتل عائد عن جريمة ارتكبها في سوريا أو العراق “لصعوبة جمع الأدلة” التي اختفت خلف ركام الفوضى والحروب وعمليات التطهير.

السيناريو الأفضل يكمن، بحسب مسؤولين، في محاكمة جميع المقاتلين الأردنيين في العراق، حيث تنزل المحاكم عقوبات مشدّدة مثل السجن المؤبد او الإعدام بحق آلاف المقاتلين الذين اعتقلوا هناك، خصوصاً بعد معركة تطهير الموصل عام 2018. وقد يكون من المناسب أن تسلّم “قسد” المقاتلين المعتقلين الذي ناهز عددهم 3000 من 50 جنسية، بمن فيهم “عدد من الأردنيين لا يتجاوز أصابع اليدين” إلى العراق، ليحاكموا هناك.

آخر تقديرات رسمية حصل عليها “درج” يوم الأحد، تشير إلى وجود قرابة 850 مقاتلاً جهادياً أردنياً في سوريا والعراق من أصل حوالى 1350 شخصاً، غادروا المملكة منذ اندلاع الثورة ضد نظام بشار الأسد مطلع 2011، للانضمام إلى صفوف تنظيمات كانت وقتها تابعة للجيش الحر أو لجبهة “النصرة”. بعد ذلك، انتقل معظم المقاتلين الأردنيين من جبهة “النصرة” إلى الدولة الإسلامية، عقب إعلان أبو بكر البغدادي دولة “الخلافة” في سوريا والعراق عام 2014 وانتصارات “داعش” المتتالية. عدد آخر من الأردنيين انخرط في صفوف حراس الدين وغيرها من التنظيمات المتشدّدة الموجودة في شمال شرقي سوريا أو انتقل إلى إدلب والأرياف المحيطة بعد تطهير الجنوب السوري.

من العدد الكلّي، قتل قرابة 450 جهادياً أردنياً، فيما عاد 300 آخرون، معظمهم يقضي اليوم عقوبات بالسجن مع الأشغال الشاقة المؤقتة في سجن موقر 1 و2 الخاص بسجناء التنظيمات الإرهابية، حيث مهاجع مشتركة أو زنازين عزل انفرادي. وتخضع البقية لرقابة أمنية مشددة. هذه الأرقام الجديدة تتطابق مع معلومات استخبارية حصلت عليها حكومات غربية منخرطة مع الأردن في التحالف الدولي، إذ يبقى ملف الإرهاب أمنياً عسكرياً، وسط تكتم شديد، بحسب ديبلوماسيين تحدثت إليهم كاتبة المقال.

قبل ذلك، وحتى نيسان/ أبريل 2015، كانت التقديرات الرسمية وغير الرسمية في الأردن تشير إلى وجود بين 2000 و2500 مقاتل أردني بين صفوف جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات المتطرفة. تلك المعطيات، وضعت الأردن في مقدمة مزودي التنظيمات المتشددة في سوريا بالمقاتلين العرب، بعد تونس.

صندوق الإرهاب الأسود

يعتقد الكاتب حسن أبو هنية المختص في شؤون الجماعات الجهادية ومؤلف كتب عن هذه الحركات، بأن الأرقام الرسمية الأخيرة قريبة من الأرقام التي جمعها في السنوات الماضية. ويقول إن ثلث المقاتلين الأردنيين اصطحبوا معهم زوجاتهم عندما غادروا عمان صوب سوريا أو سحبوهن بعدما استقروا هناك. ويبقى ملف المقاتلين الجهاديين “صندوقاً أسود لا يجوز الاقتراب منه لا من حيث الأعداد أو لا لناحية حجم المخاطر”، وفق أبو هنية، الذي يخشى عدم وجود برامج نزع تطرف فعالة لدى الدولة، مع أن وزارة الداخلية بدأت برنامجاً داخل السجون للحوار مع من يحملون الفكر التكفيري، لكن نتائجه غير معلنة.

ويقول إن لديه معلومات بأن 150 عائلة لمقاتلين أردنيين انتقلت من الرقّة إلى الباغوز ومنها إلى مخيم الهول على الحدود السورية مع العراق، حيث تقيم عشرات آلاف العائلات في ظروف إنسانية صعبة. “بعضهم حاول العودة من طريق الصليب الأحمر لكن لم يجد أي تعاون أو استجابة”، كما يضيف أبو هنية، الذي يدعو السلطات الأردنية إلى استيعاب عائلات المقاتلين العائدة “لأنها وجدت نفسها في المكان الخطأ في الحياة… وعلى الأقل يجب إرجاعهم عند أهلهم وبالطبع مراقبتهم”.

الناطقة الرسمية باسم الصليب الأحمر الدولي آولدي شنايدر رفضت في حديث مع “درج” التعليق على أعداد الطلبات التي وصلتها للصليب الأحمر من عائلات أردنية .. وأكدت أنه من بداية العام 2018 والصليب الأحمر يزور ويقوم بخدمات انسانية في مخيمات يقيم فيها أفراد من جنسيات أجنبية في شمال شرق سوريا وفي سجون العراق. وأشارت إلى أن الصليب الأحمر مستعد للتدخل كوسيط محايد بين الحكومة الأردنية وبين السلطات في سوريا والعراق. وقالت إنه يمكن للعائلات في الأردن ممن فقدوا أفرادا في سوريا أوفي العراق يمكنهم ان يتصلوا بأي مكتب للصليب الأحمر طلباً للمساعدة، وأكدت أن الحكومات في في الدول التي غادروا منها الى العراق وسوريا لديها مخاوف أمنية شرعية حول كيفية التعامل مع هؤلاء والصليب الأحمر يتفهم هذه المخاوف، ولكن النساء والأطفال هم فئة ضعيفة ويجب أخذ ذلك بعين الاعتبار. ودعت الحكومات الى التعامل مع هذه القضايا وفقاً لكل حالة على انفراد وأن لا تشملهم احكام جماعية..

وقال المفوض العام لحقوق الإنسان موسى بريزات إن والد أحد الأردنيين راجع المركز الوطني لحقوق الإنسان، لطلب المساعدة لإرجاع ابنه الذي تعرض “للتغرير” من قبل شخص عرض عليه العمل في تركيا قبل أن يجد نفسه في مدينة إدلب شمال سوريا. وهذه الحالة الوحيدة التي تعاطى معها المركز.

بعد تطهير الباغوز، هل انتهى تنظيم “داعش” وتهديده الأردن ودول الجوار والعالم؟

الجواب كلا؟

يقول أحد المسؤولين إن “داعش انتهى جغرافياً في سوريا والعراق، لكن التنظيم العابر للحدود لا يزال يتواصل عبر الانترنت وهو قادر على استقطاب مجاهدين والتخطيط لعمليات. كما أن لديه خلايا نائمة وذئاباً منفردة في بلاد كثيرة”.

ويتابع أن أعداداً كبيرة من مسلحي التنظيم لا يزالون يتحصنون في مناطق نائية بعمق البادية السورية المحاذية للأردن والعراق، بعدما هربوا إليها، بدلاً من الاستسلام.

 

أسوأ التقديرات تفيد بأن العائدين سيحاكمون ثم يمضون فترة السجن في دول مختلفة، قبل أن يفرج عنهم. وهذا يعني “إعادتهم إلى السوق من جديد، وهنا مكمن الخطر الأكبر بحسب أحد المسؤولين هنا. ويظل خطرهم على المجتمعات العربية أكثر

 

ويقول المسؤول إن “وجوه التكفيريين الفارين مركزّة اليوم باتجاه الداخل السوري”، لا سيما أن النظام السوري لم يستعد سيطرته على أراضي الجمهورية كافة، وهنا مكمن الخطر. فثمّة احتمالات بتشكّل بؤر توتر هناك، مثلما حصل عندما تواروا عن الأنظار بعد معركة الموصل. ذلك أنهم استأنفوا نشاطهم أخيراً، عبر تنامي التفجيرات والعمليات الإرهابية في شمال العراق.

ثمّة خلايا نائمة أيضاً داخل مخيم الركبان العشوائي في زاوية الحدود السورية – الأردنية ضمن منطقة محرمة السلاح بين البلدين. هناك، يلتجئ أكثر من 60000 نازح سوري، بعد سيطرة “داعش” على مساحات شاسعة شرق سوريا. وكانت نفّذت عام 2016 عملية إرهابية ضد قوات حرس الحدود الأردنية. بعد تلك العملية، أغلق الأردن حدوده وبات من الصعوبة دخول عناصر من تلك الخلايا إلى المملكة، بحسب مسؤولين.

كما تعمل الأجهزة الاستخبارية في عمان والقاهرة وبغداد على تعقب مسارات انتقال المقاتلين من العراق إلى شمال أفريقيا في اعقاب تهاوي “خلافة” التنظيم.

أسوأ التقديرات تفيد بأن العائدين سيحاكمون ثم يمضون فترة السجن في دول مختلفة، قبل أن يفرج عنهم. وهذا يعني “إعادتهم إلى السوق من جديد، وهنا مكمن الخطر الأكبر بحسب أحد المسؤولين هنا. ويظل خطرهم على المجتمعات العربية أكثر، لأنهم يستغلون ظروف الفقر والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية وانتشار ظاهرة التدين، إلى جانب تدني نوعية الخدمات العامة المقدمة للمواطن وسط أفق مسدود.

في الأثناء، تواصل السلطات الأردنية تشديد إجراءاتها الوقائيه حفاظاً على أمن البلاد وسلامتها بعد تكرار الحوادث الإرهابية. وتستمر المحاكمات. الإثنين الفائت عقدت محكمة أمن الدولة الأردنية جلستها العلنية الأولى، لمحاكمة 14 متهماً من أعضاء خلية “السلط” المنتمية لتنظيم “داعش”، والتي قتلت في أب/ أغسطس الماضي أربع رجال أمن أردنيين وأصابت أكثر من 20 آخرين بين عسكري ومدني. وخلال الجلسة، قال 13 متهماً، بينهم ثلاث نساء، إنهم غير مذنبين، فيما يحاكم متهم واحد غيابياً. وقتل أربع أفراد يتبعون لقوة أمنية في 11 آب الماضي، أثناء مداهمة مبنى في محافظة السلط تحصن فيه إرهابيون، ثم فجروه، ما تسبب في مقتل 3 منهم والقبض على 5 آخرين. وجاءت مداهمة السلط غرب عمان بعد يوم من تعرض دورية أمنية في مدينة الفحيص لتفجير إرهابي، نجم عنه مقتل دركي وإصابة 4 آخرين.

وتتوقع دراسات – بما فيها دراسة لمشروع مكافحة التطرف- أن اعداد المتعاطفين مع “داعش” في الأردن تتراوح بين 7 و10 آلاف. وهناك حواضن للتيار السلفي في مدن عدة معروفة بانغلاق أحياء فيها مثل معان والرصيفة والزرقاء.

المقاربات الأمنية والعسكرية وحدها غير مجدية بحسب الكاتب أبو هنية. وبالتالي، لا بد من مقاربة موازية تقوم على الفكر والثقافة والتعليم، حتى تمس المفاهيم المؤسسة للخطاب والحوافز المشجعة للقتال كالظلم والتمييز.

ويؤيده رئيس مركز عدالة لدراسات حقوق الانسان عاصم ربابعة: “على الدول بناء استراتيجيات وطنية هادفة لمكافحة الأسباب المؤدية والحاضنة للممارسات التي تدخل ضمن مفهوم الإرهاب، إضافة إلى محاكمة من ثبت تورطهم في ارتكاب أي أعمال إرهابية، بطريقة عادلة تضمن احترام حقوق الإنسان”.

الأردن: ماذا حصل أمام الديوان الملكي؟