fbpx

البوصلة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

صاغت مجموعة من الأساتذة في الجامعة الاميركية في بيروت، بياناً يعترض على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة الولايات المتحدة اليها. .أضفتُ اسمي الى ذلك البيان الذي أؤيد، وكذلك فعل الكثيرون من زملائي. طبعاً ليس لديّ أدنى اعتراض على صحة البيان وسلامة التوقيع عليه، إنما يجب الاعتراف أن توقيع بيانات كهذه لا يحتاج الى أدنى حد من الشجاعة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

صاغت مجموعة من الأساتذة في الجامعة الاميركية في بيروت، بياناً يعترض على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة الولايات  المتحدة اليها. .أضفتُ اسمي الى ذلك البيان الذي أؤيد، وكذلك فعل الكثيرون من زملائي. طبعاً ليس لديّ أدنى اعتراض على صحة البيان وسلامة التوقيع عليه، إنما يجب الاعتراف أن توقيع بيانات كهذه لا يحتاج الى أدنى حد من الشجاعة. لا تبعات هناك، حتى أنك لن تجد أحدا يختلف معك فيه، وحتى لو نشرتَ إعلانا في “الوسيط” لظهر شيء من الاختلاف. الاعتراض الوحيد الذي أبداه أحد أساتذة الجامعة هو أن البيان يعترف ضميناً باسرائيل وبحقها في أراضي عام ٤٨.وقعتُ البيان وأنا أعرف أن قلةً من موقعي أو صائغي البيان كانوا ليوقعوا بياناً يدين استعمال النظام السوري للسلاح الكيماوي ضدّ المدنيين في سوريا، أو يدين حصارهم وتجويعهم من قبله. بعض هؤلاء لن يوقّع تجنباً للمشاكل، والبعض الآخر لن يوقع لأن يشكك في صحة الاتهامات للنظام السوري. وربما كان هناك أيضاً قلة قليلة لن توقع لأنها تعتقد أن كل الأسلحة مبررة في محاربة الإرهاب وأدوات المؤامرة الصهيونية وماشابه.ليس لديّ أي مشكلة مع من يحاول الابتعاد عن المشاكل كما ليس لدي ما أقوله لمن ليس لديه مشكلة في استعمال الأسلحة الكيماوية والتجويع. لكن، ماذا عن المشككين في الاتهامات الموجهة إلى النظام السوري؟الشكّ طبعاً مشروع، لكنه ليس بالضرورة موقفاً ابستيمولوجياً ينبع من الحرص على الدقة المعرفية. كثيراً ما يكون الشك مشكوكاً في أمره ودوافعه، وكثيراً ما يرتبط استعدادنا لقبول اتهام ما أو رفضه بانحيازاتنا وببقع الغشاوة الأخلاقية في نظرتنا للأمور.طبعاً من المنطقي والمبرر أن يرتبط الشك في اتهام ما، أو قبوله بنظرتنا للمتهم نفسه. فلو كان هناك اتهام لاسرائيل باستعمال الأسلحة المحرمة أو بالقتل والترويع الممنهج للمدنيين لما ترددنا في تصديقه، ولا اعتراض على ذلك، فمن المستساغ والمبرر أن نصدق ما هو متوقع وأن نشكّ في ما هو خلاف ذلك. وبما أن اسرائيل عودتنا على إجرامها، فلا داع للتشكيك في اتهام لها بذلك. لكن ماذا عن النظام السوري؟؟ أشك أن كثيرين حتى من مؤيدي ذاك النظام، يعتقدون أن لدى ذلك النظام حرصاً كبيراً على احترام شرعة حقوق الانسان في التعامل مع الخصوم. فهناك، وبسبب التجارب العديدة، جمهور واسع من مسيحي لبنان وسنته وحتى شيعته، أضف إليهم لاجئيه الفلسطينيين ممن لا يستهينون باستعداد النظام السوري للبطش والتنكيل إذا تطلب الأمر. لم يتفاجأ الكثيرون مثلاً عندما سمعوا آكل الصبير يتحدث عن ارساله من قبل النظام السوري في مهمات تفجيرية. وإن تفاجأوا، فذلك ليس لأنهم يعتقدون أن النظام لا يفعلها، بل بسبب الاختراق الأمني غير المعهود، فسذاجة ميشال سماحة الاجرامية، كانت الأمر اللافت والعنوان الأساسي. لا أعرف كيف هضم كثيرون هذه التسجيلات التي تضيق أمامها مجالات الشك، وكيف يهضمون كل تلك المجازر. ولكنهم فعلوا ذلك دون أن يسبب لهم ذلك أي ارتباك فكري أو أخلاقي. فهم لم يفقدوا البوصلة. هذه البوصلة التي تشير فقط في اتجاه واحد، بغض النظر عن حجم الجرائم والمظالم الأخرى أو قوة الأدلة أو ضعفها. بوصلة لا يحركها حدث ولو جلل، بوصلة لا يعنيها حتى نظام الفصل العنصري الذي تمارسه الدولة والمجتمع اللبنانيان ضد أصحاب قضية البوصلة نفسها: اللاجئين الفلسطينيين الذين ما زالوا محرومين من أبسط الحقوق السياسية والمدنية فيه. تخيل فقط لو عاملت الولايات المتحدة أو أي دولة أوروبية الفلسطينيين المقيمين فيها بنفس الطريقة التي يعاملون بها في هذا البلد الذي يفيض تعاطفاً مع القضية الفلسطينية. لكن كل هذا لا يحرك البوصلة التي يبدو أنها لا تشير في ثباتها إلا ثبات عجزنا السياسي والأخلاقي.لقد وقعتُ بيان إدانة الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل لأني مقتنع به، وهذا أضعف الإيمان. لكنني أشعر بالحاجة للاعتذار من مئات آلاف القتلى وآلاف المعذبين والمعذبات وملايين المشردين في سوريا لأن البوصلة الثابتة لدى الكثيرين من زملائي لا تلحظهم. فكأن الاعتراف بمأساتهم ومظلوميتهم لا يتناسب مع الاعتراف بالحق الفلسطيني. وكأن مقتلتهم لم تحدث على عتباتنا، وأجسادهم الهاربة لم تتكدس على أرصفتنا.[video_player link=””][/video_player]