fbpx

كامران قره داغي شاهد على ثورة الكرد(7):كلمة السر”زوزك”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بين خريف عام 1974 وشتائه، شهدنا تصعيداً خطيراً في المعارك، خصوصاً في جبهة زوزك المهمة، ولعلها كانت الأهم، ليس لأنها تحمي مناطق قيادات الثورة وإداراتها فحسب، بل لأنها تسيطر على طريق هاملتون الذي كان يشكل شرياناً حيوياً، لوصول المساعدات العسكرية وغيرها من إيران.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بين خريف عام 1974 وشتائه، شهدنا تصعيداً خطيراً في المعارك، خصوصاً في جبهة زوزك المهمة، ولعلها كانت الأهم، ليس لأنها تحمي مناطق قيادات الثورة وإداراتها فحسب، بل لأنها تسيطر على طريق هاملتون الذي كان يشكل شرياناً حيوياً، لوصول المساعدات العسكرية وغيرها من إيران. لكن من أجل الوصول إلى هذه المناطق، كان يتعين على القوات الحكومية أن تمر عبر مضيق كلي علي بيك، وهي مهمة بدت مستحيلة، لأن قوات البيشمركة كانت تسيطر على جبل كورز المطل على فتحة المضيق الذي يمر عبره طريق هاملتون. من موقعنا الإعلامي في “قصر السلام” الذي لم تكن هذه الجبهة بعيدة منه، كنا نسمع أصوات المدافع من دون توقف تقريباً. وكانت قوات البيشمركة أحكمت سيطرتها على طريق هاملتون منذ انهيار المفاوضات بين القيادة الكردية وبغداد في آذار/ مارس وأغلقت منذ ذلك الحين مضيق كلي علي بيك من جهة رواندوز.

في مطالع آب/ أغسطس شن الجيش العراقي هجمات من جهات عدة في محاولة للسيطرة على حوض رواندوز، واستمر في الهجوم نحو 10 أيام، قبل أن تشن قوات البيشمركة هجوماً مضاداً ناجحاً، أجبر القوات العراقية على الانسحاب إلى مواقعها السابقة، بعدما تعرضت إلى خسائر فادحة في المعدات والأرواح. لست في معرض تحليل الوضع العسكري، لكن المفارقة أن هذا الانتصار المهم الذي رفع معنويات الجميع، قيادات وبيشمركة ومدنيين، وتبعته سريعاً انتكاسة للبيشمركة في الجبهة ذاتها، كانت لهما تداعيات سياسية مهدت في خاتمة المطاف لاتفاق الجزائر الذي أدى الى انهيار الحركة المسلحة في تلك المرحلة وانحسارها أكثر من 5 سنوات قبل أن تتجدد إثر اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية في 1980. لكن قبل مواصلة الحديث عن هذه التطورات، تحضرني حادثة طريفة ترتبط بالانتصار في معركة زوزك. هنا القصة.

كان العاملون المقيمون في مجمع الإذاعة يقصدون جومان في أوقات استراحتهم، للقاء أصدقائهم أو أقربائهم، وشراء ما يحتاجونه من سوق البلدة وكان بعضهم يعود أحياناً إلى مقر إقامته في وقت متأخر من الليل، الأمر الذي حمل الجهة الأمنية المسؤولة عن توفير الحماية للمجمع الإذاعي ومحيطه، على فرض استخدام كلمة سر تتغير يومياً على العائدين إلى المجمع، بعد ساعة معينة ليلاً، أن يعرفوها، كي يسمح لهم البيشمركة الخفر عند نقطة السيطرة أمام المدخل الوحيد إلى المجمع، بالمرور الى الداخل. وصادف أن بدء تطبيق القرار، كان يوم وصلتنا أخبار انتصار البيشمركة في جبهة زوزك، فاتُفق على أن تكون “زوزك” كلمة السر تلك الليلة. من جهتنا، أعلمنا زملاءنا الإذاعيين بالأمر، على أن نبلغهم كلمة السر في وقت لاحق من ذلك اليوم.

اثنان من زملائنا الإذاعيين نسيا الموضوع، فلم يعودا الى “القصر” لمعرفة كلمة السر، وبعدما أمضيا أمسيتهما مع صديق لهما مقيم في دومان، عادا إلى المجمع في وقت متأخر. أوصلهما الصديق بسيارته الى أقرب مكان من مدخل المجمع وغادر بسيارته عائداً الى جومان. ما ان اقتربا قليلاً من نقطة السيطرة، حتى صاح بهما البيشمركة الخفر بصوت عال وهو يوجه الكلاشنيكوف والضوء الكاشف نحوهما: ما هي كلمة السر؟ هنا فقط تذكر الزميلان الموضوع، فاعترفا للبيشمركة بأنهما لا يعرفان الكلمة، وحاولا إقناع العنصر بالسماح لهما بالدخول، لأنه يعرف جيداً من هما وأنهما يقيمان في المجمع. عنصر البيشمركة رد بحزم أن أوامره تقضي بألا يسمح لأحد بالدخول في هذا الوقت، ما لم ينطق بكلمة السر. الزميلان توسلا به أن يسمح لهما بالدخول، لتعذر عودتهما مشياً إلى جومان لبعد المسافة في طريق مظلم، قد لا يكون آمناً في هذا الوقت من الليل. هذه الحجة فشلت أيضاً في إقناع البيشمركة فأسقط في أيدي الزميلين فجلسا على صخرة قريبة حائرين لا يعرفان ما العمل. بعد قليل رق قلب البيشمركة فطلب منهما الاقتراب من المدخل ففعلا. أمرهما: قولا “زوزك” فقالا “زوزك”! رفع البيشمركة العارضة وقال: ادخلا إذاً!

كورك وكورز

أعود الى تطورات جبهة زوزك. فشل القوات العراقية في هجومها الأول للسيطرة على حوض رواندوز، لم يمنعها من شن هجوم جديد في نهاية الشهر ذاته. هذه المرة نفذت الهجوم في عملية جريئة تمثلت في نزول رتل من الدبابات الروسية (T-55) من قمة كورك إلى أسفل الجبل، بعدما قامت بلدوزرات عسكرية ليلاً، بإزالة صخور ضخمة، تمهيداً لسير الدبابات التي نجحت في الوصول الى الأسفل فجراً، لتفاجئ قوات البيشمركة التي كانت نشرت قوة مراقبة صغيرة في أسفل كورك، لأنها كانت واثقة تماماً باستحالة نزول دبابات من قمة جبل ارتفاعه أكثر من ألفي متر، وحيث تبلغ درجة الانحدار نحو 60 في المئة. أجبر هذا التطور قوات البيشمركة على الانسحاب من قمة كورز ومواقع أخرى، بعدما أصبح الطريق العام من بيخال الى رواندوز مفتوحاً أمام القوات العراقية. طبعاً شعرنا بإحباط وقلق شديدين عندما وصلنا خبر التقدم العراقي في تلك الجبهة. أشير بالمناسبة إلى أن جبل كورك الذي كان مسرحاً لمعارك طاحنة وقتها، أصبح حالياً منتجعاً صيفياً وشتوياً، شيدت على سفوحه فنادق ومطاعم ودور للسياحة و”تلفريك” ينقل السياح من أسفل الجبل الى قمته. (الصورة)

كالعادة في حدوث تطورات مماثلة، تنتشر بسرعة روايات وشائعات متضاربة عن أسباب الحدث، يساعد في انتشارها غياب شهود عيان ومراسلين في الجبهات، فيقتصر مصدر الخبر على القيادة والاعلام التابع لها. الرواية الأكثر رواجاً أفادت بأن “خيانة” حدثت، حين قررت وحدة البيشمركة المراقبة في أسفل كورك المؤلفة من عناصر ينتمون إلى عشيرة معينة، مغادرة موقعها قبل أن تصل القوة البديلة التي ينتمي أفرادها الى عشيرة منافسة فظل الموقع من دون مراقبة. مروجو هذه الرواية أضافوا إليها بعض التوابل، مؤكدين أن “عملاء” للاستخبارات العسكرية العراقية كانوا مندسين بين القوة فأرسلوا إشارة الى الجيش ليبدأ في تحريك الدبابات. في رواية أخرى لم تخل من واقعية أن خبراء عسكريين سوفيات، كانوا يعملون مع الجيش العراقي هم الذين وضعوا الخطة ودربوا الجيش على تنفيذها. الحق أن قادة لوحدات من البيشمركة، منهم ضباط سابقون في الجيش العراقي أكدوا لنا أن الجيش العراقي لا يخلو من ضباط كفوئين، كأولئك الذين وضعوا تلك الخطة المذهلة ونفذوها. أياً كان الأمر، فإن ما يهمني هنا كشاهد أن ذلك التطور، الذي أدى الى تغيير في التوازن العسكري في جبهة زوزك، على رغم أنه لم يكن حاسماً الى حد تشكيل تهديد حاسم ضد قوات البيشمركة، كانت له عواقب وتداعيات عسكرية وسياسية لم تكن في مصلحة الثورة الكردية.

على رغم التغير النسبي في جبهة زوزك/ رزاندوز، فإن قوات البيشمركة ظلت محتفظة بمواقع مهمة تمنع تقدم قوات عراقية، عبر مضيق كلي علي بيك للانتشار أكثر، لكنها، أي القوات الحكومية، أصبحت أكثر فاعلية في استخدام المدفعية ضد مواقع البيشمركة والمدنيين في المنطقة. إلى ذلك، زادت بدرجة كبيرة الغارات الجوية التي كانت تستهدف مناطقنا، وكنا من موقعنا في جومان، نشعر بثقل الغارات الجوية التي كانت تؤرقنا وسكان المنطقة، وتسفر عن خسائر في الأرواح. وبدا لنا وقتها أن هذه التطورات تحديداً، هي التي حملت إيران على تلبية الطلبات الملحة من القيادة الكردية لإرسال أسلحة أكثر تطوراً لمواجهة التصعيد العراقي. هكذا علمنا في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر، بوصول قوة إيرانية، قيل لنا إنها كانت تشكل كتيبة مدفعية ثقيلة عيار 120 ملم، وبطاريتي صواريخ ضد الطائرات لتوفير حماية أكثر فاعلية للبيشمركة والمدنيين أيضاً. لاحقا سيقول أحد قادة البيشمركة “ليت هذه الأسلحة لم تأت”، لأنها أدت إلى اعتماد البيشمركة عليه، مضيفاً أنها في أي حال لم تكن مؤثرة بدرجة كبيرة، لأن الطائرات العراقية لم تعد تحلق على ارتفاع منخفض، ما كان يجعلها في مرمى المدافع التي كان البيشمركة يستحدمونها بفاعلية، بل كانت تطلق صواريخها من مسافة وتسقط قنابلها من ارتفاع أعلى. كان الطيارون العراقيون يعرفون إلى أي مدى كانت تصل قذائف المدافع التي كانت في أيدي البيشمركة، قبل وصول المدافع الإيرانية الأكثر تطوراً، لذا كانت الطائرات تحلق على ارتفاع يفوق قليلاً الارتفاع الذي تصل إليه مدافعنا. في السياق، كان مقاتلون في البيشمركة كلما سنحت لهم فرصة، يزوروننا في جومان، ويؤكدون لنا أن الجنود الإيرانيين “جبناء”، يتركون مواقعهم ويهرعون إلى الملاجئ، حالما يشاهدون الطائرات المهاجمة، بينما كان البيشمركة يصمدون في مواقعهم وهم يتصدون بمدافعهم من دون خوف، للطائرات المغيرة.

مستقبل مجهول

إعلامياً، كانت قيادة الثورة تطلب منا تصعيد الخطاب ضد النظام العراقي والتشديد على قوة إرادة الثورة وصمودها وحتمية الانتصار وإجبار بغداد على قبول مطالبها المحددة، بتحقيق حكم ذاتي حقيقي والتخلي عن سياستها القائمة على شق الصف الكردي، عبر خلق جماعات كردية موالية لـ”حزب البعث”، والاعتراف بدلاً من ذلك بالقيادة الكردية باعتبارها الممثل الشرعي للكرد. هذا إضافة الى تجنيد تشكيلات مسلحة من أبناء عشائر كردية موالية للحكومة، تحت تسمية “فرسان صلاح الدين” لقتال البيشمركة، فيما الثوار الكرد أطلقوا علىيهم تسمية “الجحوش”. باستثناء معلومات ضئيلة نقلاً عن قريبين من القيادة الكردية لم نكن في الحقيقة نعرف ما يحصل في قيادة الثورة واتجاهات تفكيرها، لكننا في وسطنا السياسي والإعلامي والإذاعي والجلسات الخاصة، كنا نجادل ونناقش ونتابع الأخبار والتقارير عبر الإذاعات ونشرات الإنصات اليومية، لعلنا نكتشف من خلالها أي مؤشرات تفيدنا في رصد تغيرات سياسية محتملة، تجاه الحرب في العراق قد تؤدي إلى تدخلات خارجية لوقفها. والأرجح أن حقائق الأمور والاتصالات الخاصة مع إيران، كانت محصورة بين زعيم الثورة ملا مصطفى وحلقة ضيقة من قياديين قريبين منه.  

هنا أشير الى أن التجارب السابقة للثورة الكردية في العراق، خلقت نوعاً من القناعة لدى الكرد، بأن المواجهات العسكرية بينها وبغداد، كان لا بد لها بعدما يصل التصعيد إلى أوجِه، أن تنتهي بالهدنة وبدء جولة جديدة من المفاوضات بين الطرفين، وكان آخرها المفاوضات التي أدت الى اتفاق آذار 1970. هذه المرة بدأنا ندرك مع مرور الوقت أن الأمر يختلف عن السابق نظراً إلى رهان الطرفين على إلحاق هزيمة حاسمة بالطرف الآخر، لإجباره على قبول شروطه، وبالتالي بدا لنا المستقبل غامضاً ومجهولاً. ما عمق شعورنا بالتشاؤم والإحباط، فالمؤشرات كانت تفيد بأن العراق، الذي كانت عائداته تنمو بفضل ارتفاع اسعار النفط وكان قادراً على تغطية أكلاف مواصلة الحرب، كان يعزز علاقاته الدولية وصار يتمتع بدعم خارجي واسع الأمر الذي جعلنا نتأكد من أن أي تدخل خارجي من أجل إنهاء الحرب، كان سيصب في مصلحة بغداد على حساب الكرد. هذا في وقت كانت الاتصالات التقليدية بين القيادة الكردية وقوى خارجية مقطوعة عملياً، فيما كان الرهان على الدعم الإيراني المعزز، وفقاً لتأكيد هذه القيادة، بدعم أميركي هدفه إجبار النظام العراقي على تغيير مساره السياسي وإخراجه من دائرة النفوذ السوفياتي. لكننا كنا نزداد قناعة بأنه حتى إذا حدثت وساطة خارجية مع تقديرنا أنها لم تكن متوقعة، فإن الكرد سيدفعون الثمن ويكونون الطرف الخاسر في أي حل محتمل.

نحن وانديرا غاندي

في السياق، سنعرف لاحقاً أن الزيارة التي قام بها وزير الخارجية العراقي آنذاك سعدون حمادي إلى طهران في أواخر ذلك العام، لم تكن الاتصال الأول بين الحكومتين العراقية والإيرانية. كنا حينها نستنتج من الأخبار والتقارير الخارجية، أن الدول العربية والأجنبية التي كانت علاقاتها مع العراق تتعزز بقوة لم تكن معنية بالوضع الكردي أو بأداء اي نوع من التعاطف مع الكرد وأوضاعهم. في الوقت ذاته كان واضحاً أن الولايات المتحدة ودول غربية كانت تسعى عبر إغراءات اقتصادية، إلى إضعاف النفوذ السوفياتي الذي يتعزز خصوصاً بعد توقيع معاهدة الصداقة والتعاون بين البلدين في 1972. جاك شيراك الذي كان وقتها رئيساً للحكومة الفرنسية زار العراق في أواخر 1974، في مسعى إلى تحسين العلاقات بين بغداد والغرب والحصول على مكاسب اقتصادية. وكنا في خطابنا الإعلامي نشدد على انتقاد الدول الداعمة العراق وزعمائها، الذين كانوا يزورون بغداد ويستقبلون في عواصمهم رجل العراق القوي صدام حسين، وكان بين هؤلاء الزعماء الرئيسان المصري أنور السادات والجزائري هواري بومدين الذي رعى توقيع اتفاق الجزائر في 1975. لم تسلم من الانتقاد رئيسة وزراء الهند آنذاك إنديرا غاندي، التي كانت تصريحاتها لا تترك مجالاً للشك في سياستها إقامة علاقات وثيقة بين بلادها والعراق، وإشادتها بالسياسة الخارجية لبغداد، التي كان مهندسها صدام حسين طبعاً، ودعت إلى إنهاء القتال وفقاً لحل ينطوي عملياً على استسلام الكرد من دون قيد أو شرط. أذكر تعليقاً إذاعياً كتبه كاك دارا، ذكّر فيه رئيسة الوزراء الهندية بالموقف المتعاطف لوالدها بانديت نهرو تجاه الكرد وقضيتهم وكفاحهم من أجل الاستقلال، كما سجله في كتابه “لمحات من تاريخ العالم” الذي ألفه في صيغة رسائل موجهة إلى ابنته انديرا.

وسنعلم لاحقاً أن اتصالات سرية مباشرة أجريت بين بغداد وطهران في اسطنبول اعتباراً من صيف عام 1974 هدفها الرئيسي إنهاء الدعم الإيراني للكرد وفقاً لشروط تلبي مطالب للشاه، لكنها مهينة تماماً للعراق كما كشفت معلومات أميركية رسمية، نشرت في إطار تحقيقات أجراها الكونغرس لاحقاً، عن الأحداث التي أدت إلى توقيع اتفاق الجزائر وإنهاء الدعم الإيراني للكرد. في السياق، يعتبر قياديون رافقوا ملا مصطفى في تلك الفترة، أن السادات لعب لعبة خبيثة مع الكرد، فهو أبلغ القيادة الكردية رسالة مفادها أنه “حرصاً” على مصلحة الكرد، ينصحهم بإنهاء الحركة المسلحة وقبول الصيغة الحكومية للحكم الذاتي، مشيراً إلى أن بغداد ستوافق. لكنه في الوقت نفسه، كان يتواطأ مع بغداد وطهران “حرصاً” على مصالحهما لتسوية خلافاتهما والتوصل إلى اتفاق يؤدي إلى محاصرة الكرد وإنهاء حركتهم المسلحة.

في الاثناء، كانت الحياة مستمرة في المناطق المحررة، على رغم الصعوبات والمآسي والمعارك في جبهات القتال مع القوات العراقية. كانت الإدارات العامة ودوائرها في مناطق الثورة، تواصل أعمالها العادية في ظل الظروف التي كانت تزداد تعقيداً، فيما كانت القوات العراقية تصعد عمليات القصف والغارات الجوية على المناطق المدنية. من جهة أخرى، كان اللاجئون في المخيمات في إيران تزداد معاناتهم، ويواجهون مشكلات نفسية واجتماعية فيما كانت العائلات في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة، تزداد قلقاً لانقطاع أخبار ذويهم في مخيمات اللاجئين وفي مناطق الثورة.

في غضون ذلك كله، كانت الرياح تجري بما لا تشتهي سفينة الثورة الكردية، لكنها واصلت الإبحار بإصرار وشجاعة ولو إلى حين. كانت العاصفة تشتد فيما كانت القوى الخارجية، العدوة و”الصديقة”، تمهد الطريق لـ”حل” يضمن محاصرة الثورة ويجبرها على الاستسلام.

لكن إلى حلقات مقبلة.

كامران قره داغي شاهد على ثورة الكرد(6):مأزقنا مع إيران ومع أنفسنا

كامران قره داغي شاهد على ثورة الكرد(5):قصصنا مع السافاك

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!