fbpx

مجزرة صنعاء: القاتل مجهول والقتيل أيضاً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

في المذبحة الأخيرة، ليس القاتل وحده هو المجهول، حتى هوية بعض الضحايا الأطفال مجهولة.تداولت وسائل الإعلام الاجتماعي أيضاً قصة أم هرعت إلى المدرسة لتكتشف أن ابنتها قتلت في الانفجار لتصرخ مفجوعة: “ابنتي ماتت وهي جائعة”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
حاجيات التلميذات اليمنيات متناثرة بعد المجزرة

دمرت أطراف الحرب في اليمن حتى اليوم مئات المنشآت التعليمية، لكن الصور التي خرجت إلى وسائل الإعلام حول قصف مدرسة الراعي للبنات في صنعاء في 7 نيسان/ أبريل الحالي، أعادت رسم الصورة بألوان دامية.

قتلت 13 طفلة أو أكثر في انفجار ضخم وقع في مبنى قريب من المدرسة، قالت قوات التحالف إنه كان مخزناً للأسلحة، لكن الحوثيين ينكرون ذلك ويحمّلون التحالف مسؤولية قتل الطالبات.

4 سنوات مرت مات فيها حوالى 2000 طفل، جراء القصف والألغام والقذائف التي أطلقتها أطراف الحرب على بيوت وتجمعات سكنية من دون تمييز. 4 سنوات والمجتمع الدولي يطالب الأطراف المتحاربة باحترام قواعد الاشتباك والتوقف عن استهداف المدنيين، لكن شيئاً لم يتغير.

طُرحت فكرة تشكيل لجنة دولية للتحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن. لكن الحكومة الشرعية مدعومة بالمال واللوبي الخليجي نجحت في إفشال تكوين هذه اللجنة، خلال ثلاث سنوات على التوالي. كان فشل اللجنة خبراً سعيداً للطرف الآخر أيضاً، في ظل اتهامات له بتجنيد الأطفال وقصف المدنيين وزرع الألغام في الأماكن المأهولة.

وبعد كل مذبحة يتكرر النقاش ذاته، هو ليس نقاش تعاطف مع الضحية، بقدر ما أنه نقاش حول هوية القاتل.

في المذبحة الأخيرة في مدرسة الراعي للبنات، نسي أطراف الحرب وأجنحتهم الإعلامية الضحايا، وانخرطوا في النقاش ذاته، حول هوية القاتل. فبناء على هوية القاتل يتم تحديد المواقف اللاحقة.

ظلت الحكومة المعترف بها دولياً وجناحها الإعلامي والحقوقي تبرر كل جرائم الحرب التي ارتكبها التحالف العربي، خوفا من تأثير ذلك في “شرعية” التدخل العسكري وشرعية الحرب. وكانت أكبر مجزرتين هما مجزرة المدينة السكنية في المخا، ومجزرة القاعة الكبرى في صنعاء، واستمرت الآلة الإعلامية لحكومة هادي في إنكار مسؤولية التحالف عنهما حتى اعتفَّ التحالف نفسه بهذه الخطأين، ووعد بتشكيل لجنة للتحقيق.

ولم يقصر الحوثيون من طرفهم، في إنكار مسؤوليتهم عن كل المجازر التي ارتكبوها نتيجة قصف التجمعات السكنية بالمدافع وصواريخ الكاتيوشا وزراعة الطرقات بالألغام، حتى لا يؤثر ذلك في إدعاءاتهم بمقاومة العدوان وحماية اليمنيين.

طفلة من جريحات مدرسة الراعي في صنعاء

في المذابح السابقة بحق اليمنيين، كان القاتل معلوماً والقتيل معلوماً أيضاً.

لكن في مذبحة مدرسة الراعي للبنات اختلف الوضع قليلاً. في غياب لجنة تحقيق محايدة لم يتضح حتى الآن سبب الانفجار ولا الجهة المسؤولة عنه. بعد سنوات من تدمير جهود التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، صار القاتل آمناً وقادراً على الإفلات من الإدانة والعقاب.

في المذبحة الأخيرة، ليس القاتل وحده هو المجهول، حتى هوية بعض الضحايا الأطفال مجهولة. وقد تداولت وسائل الإعلام صورة لطالبة قتيلة بزيها المدرسي الذي يشير إلى أنها تدرس في المرحلة الابتدائية وعليها لوحة “مجهولة”. شظايا الانفجار والزجاج المتطاير، مزقت أجساد الطالبات اللواتي حاولن الهرب ليتفاجأن بأن أبواب المدرسة مغلقة وأن عليهن الانتظار وسط الأشلاء والدماء والرعب.

تداولت وسائل الإعلام الاجتماعي أيضاً قصة أم هرعت إلى المدرسة لتكتشف أن ابنتها قتلت في الانفجار لتصرخ مفجوعة: “ابنتي ماتت وهي جائعة”.

وليس ذهاب الطلبة إلى المدارس جوعى، استثناءً، فالأسر بمعظمها، لم تعد قادرة على توفير وجبة الافطار، بات الجوع شيئاً من روتين الحياة!

فقد اكثر من مليون و500 ألف موظف مصادر دخلهم، وهؤلاء يعيلون حوالى 10 ملايين فرد. لكن هذا لم يقلل عزم الأسر اليمنية الفقيرة في استمرار تعليم أولادها، حتى إذا اضطروا إلى الذهاب إلى مدارسهم بأمعاء فارغة.

تكررت حالات إغماء الطلبة من الجوع في المدارس، وحاول بعض فاعلي الخير سد الفجوة عبر برامج “الوجبة المدرسية” التي غطت نسبة بسيطة من الطلّاب.

جاء الانفجار ليكمل رسم الصورة المأساوية بالدماء. طلبة فقراء وجوعى يستمعون الى المعلّم الذي يشرح لهم الدرس بوسائل بدائية، ثم يأتي صوت الانفجار وتتطاير الأجساد الصغيرة في الهواء وتمزقها شظايا الانفجار والزجاج المتطاير.

استغلت سلطة الحوثيين الانفجار لتهييج الرأي العام ضد التحالف وتجنيد المزيد من المقاتلين للجبهات، واستغلت الحكومة المعترف بها دولياً الانفجار لاتهام الحوثيين بتخزين السلاح في المناطق السكنية وتعريض أرواح المدنيين للخطر، واعتبرت الجريمة مرة أخرى ضد مجهول.

ما لم يكن هناك تحرك دولي جاد لمحاسبة أطراف الحرب في اليمن، ستستمر جرائم الحرب، لكن بعد أن يتحول القتلى إلى مجهولين أيضاً، فلا أحد يهتم بالضحية عندما تطول الصراعات ويفلت عقالها من أيدي المتحاربين وداعميهم.

اليمن… شراء تذكرة سفر يستوجب محرَماً!

كيف نحمي دورة الحياة في اليمن إلى أن تكف أطراف النزاع عن القتال؟