fbpx

المنتحرون في مصر: هزيمة فرد أم مسؤولية عامة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ارتفعت معدّلات الانتحار في مصر في السنوات الأخيرة، وهناك مؤشرات تؤكد أنها تمضي في اتجاهات تصاعدية، ما يجعلنا نقف طويلاً أمام حالة التجاهل أو قلة الالتفات الجدي إلى ظاهرة الانتحار…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ارتفعت معدّلات الانتحار في مصر في السنوات الأخيرة، وهناك مؤشرات تؤكد أنها تمضي في اتجاهات تصاعدية، ما يجعلنا نقف طويلاً أمام حالة التجاهل أو قلة الالتفات الجدي إلى ظاهرة الانتحار.

الانتحار العلني، هو أن يلقي شخص ما نفسه أمام المترو أو يقوم بتصوير لحظة انتحاره أو يكتب رسالة على “فيسبوك” عن نيته الانتحار. من المؤكد أن لهذه العلنية مغزى قد يقصده المنتحر بشكل مباشر أو غير مباشر، فالانتحار العلني ربما يكون طريقة مباشرة للاحتجاج، وإن كانت أكثر الطرائق مأساوية.

طريقة الاحتجاج العلنية تحمل رسائل كثيرة، وتحتاج لأن نقف ونتخطى حاجز الصدمة النفسية، لننظر إلى مسألة الانتحار بشكل تحليلي سواء في شكل دراسات نفسية أو اجتماعية، مثل الدراسة المعمقة لعالم الاجتماع الشهير إميل دوركايم في كتابه المهم “الانتحار”.

إميل دوركايم كان يرى أن كل حالة انتحار هي عبارة عن ملف، يمكن من خلاله أن نبحث ليس فقط عن الأسباب والدوافع التي تجعل شخصاً ما جاهزاً للإقبال على الانتحار، بل أيضاً البحث في التاريخ الاجتماعي للوسط الذي يعيش فيه الشخص المنتحر، ومن ثم نستطيع أن نسلط الضوء على الخلل البيني داخل المجتمعات والطبقات والسلطة.

الفكرة السائدة عن كون الانتحار قراراً فردياً ولا يخص سوى الشخص المنتحر، فكرة عملياً غير دقيقة. صحيح أنه من وجهة النظر القانونية لن يتعرض أحد لمسؤولية جنائية، لأنه دفع شخصاً ما للانتحار أو كان سبباً في انتحاره، لكن إذا نظرنا إلى المسألة بشكل آخر، سنعثر على الجاني بالتأكيد، فطالما أن هناك منتحراً، لا بد من دافع، وطالما أن هناك ضحية، لا بد من وجود مذنب، وإن كان متوارياً.

أحدث الإحصاءات المتاحة على الموقع الإلكتروني لمنظمة الصحة العالمية لعام 2014، تشير إلى 88 حالة انتحار من بين كل 100 ألف مصري

كيف نعثر على الجاني المتواري؟ بالتأكيد من خلال دراسة المجتمع، وما علاقة المجتمع؟ ببساطة لأن الأمزجة البنيوية للمجتمعات تتعرّض لتحولات عميقة قد تحدث خللاً في التوازن الاجتماعي، هذا الخلل يخلف أثراً بالغاً، بشكل مباشر في عقيدة المواطنين ووضعهم النفسي ورؤيتهم المباشرة للحياة. على سبيل المثال، إميل دوركايم اكتشف من خلال رصده التحولات والهزات اللي شهدتها بعض البلدان الأوروبية، كيف ارتفعت معدلات الانتحار بشكل لافت في بلدان شهدت حروباً وثورات وتغيرات جذرية لا سيما في نظام الحكم، واعتبر أن كل مجتمع في لحظة تاريخية ما، سيكون لديه استعداد محدد للانتحار.

أحدث الإحصاءات المتاحة على الموقع الإلكتروني لمنظمة الصحة العالمية لعام 2014، تشير إلى 88 حالة انتحار من بين كل 100 ألف مصري، علماً أن عدد سكان مصر يبلغ 100 مليون نسمة، وهناك قرابة 88 ألف شخص ينتحرون كل عام.

“التنسيقية المصرية للحقوق والحريات”، أكدت في تقرير لها أن هناك تزايداً ملحوظاً في عدد حالات الانتحار بداية من كانون الثاني/ يناير من العام الماضي وحتى بداية آب/ أغسطس من العام ذاته، تم تسجيل أكثر من 150 حالة انتحار، معظم ضحاياها شباب تتراوح أعمارهم بين 25 و30 سنة.

هذه الأرقام تجعلنا نسأل، هل شهدت دولة مصر هزة سياسية كبيرة في نظامها السياسي، نتجت عنها هزات اجتماعية واقتصادية واعية للكم البشري من الشباب المدفوعين باتجاه الانتحار نتيجة اليأس أو التهميش الاقتصادي والسياسي؟

وهل لدينا هذا الوعي بدرجة الهشاشة التي قد تصيب الإنسان، حين تتغير بيئته الاجتماعية فجأة، أو حين ينتقل المواطن اجتماعياً من طبقة إلى أخرى أقل، نتيجة الوضع الاقتصادي الضاغط ومحدودية فرص العمل واضطرار الشباب إلى العمل في وظائف أقل من مؤهلاتهم؟

هناك نجلاء الوزة وحسن رابح في سوريا والبوعزيزي في تونس، نماذج لشباب رفضهم الاندماج الديني والعائلي والسياسي واستقبلهم الانتحار بصدر رحب

الانتحار يتراجع في 3 حالات من الاندماجات، الاندماج الديني والاندماج العائلي واندماج المجتمع السياسي، لأن القوة الجمعية المندمجة بشكل عام لديها القدرة لتكبح نوازع الانتحار، فهل كثرة حالات الانتحار في مصر تعني بشكل أو بآخر أننا نفتقد ولو لنوع واحد من الاندماجات هذه، فيجد المنتحر نفسه وحيداً تماماً وغير منتمٍ إلى أي جماعة تحميه وتقدم له نوعاً من الأمان؟

في مصر، تأثرنا بقصة زينب المهدي التي انتحرت شنقاً عام 2014. هذه القصة كانت مثالاً واضحاً تماماً لشابة اختارت الفردانية المطلقة بعدما رفضها المجتمع الديني، حين اختارت نزع الحجاب ورفضتها العائلة ورفضها الظرف السياسي، فأصيبت بالهشاشة واندفعت نحو الانتحار. وإلى جانب زينب المهدي في مصر، هناك نجلاء الوزة وحسن رابح في سوريا والبوعزيزي في تونس، نماذج لشباب رفضهم الاندماج الديني والعائلي والسياسي واستقبلهم الانتحار بصدر رحب.

الشعوب الفاقدة اتجاهها، تنبت فيها بسهولة بذور النفور من الحياة والكآبة، وتكون معرضة أكثر من غيرها لنتائج مشؤومة، منها الانتحار، لكن الغريب والمبهم والمبهج أحياناً أن الشعوب ذاتها فاقدة الاتجاه، قد تتجه في طريق انتحاري، لكنها في الوقت ذاته، قادرة على خلق مجددين عظماء ينتشلونها ببساطة من كآبتها ويغيرون اتجاه الدفة، وهو شيء مبهم يصعب تفسيره بدقة حتى من جانب علماء الاجتماع.

 

مصر: ذهول ما بعد الإعدام…