fbpx

أسرار الحرب العالمية الثانية: علاقات مثلية لجنود هزّت مجلس الشيوخ الأميركي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عام 1942، أدى تعرّض أحد المنازل الريفية في بروكلين حيث مارس الرجال الأثرياء الجنس مع أفراد من القوات المسلّحة إلى حملة مطاردة واضطهاد ضد المثليين وفضيحة سياسية ساخنة…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عام 1942، أدى تعرّض أحد المنازل الريفية في بروكلين حيث مارس الرجال الأثرياء الجنس مع أفراد من القوات المسلّحة إلى حملة مطاردة واضطهاد ضد المثليين وفضيحة سياسية ساخنة.

في أوائل القرن العشرين، كان وجود بيوت الدعارة في الكثير من الأحياء في نيويورك أمراً مألوفاً وشائعاً، لكن عام 1942، أصبح أحد منازل المدينة المُبهمة والذي يتكون من طبقتين من الطوب الأحمر، ويقع في 329 شارع باسيفيك- وهو مبنى متهالك بالقرب من الحدود بين حي بروكلين هايتس ووسط مدينة بروكلين، “منزل الرذيلة” الأكثر شهرة في البلد بأسره.

يمتلك هذا المنزل، رجل يدعى غوستاف بيكمان، وهو مهاجر سويدي، ذو وجه ممتلئ مستدير، كان يبلغ من العمر 55 سنة، وهو مختص في تزويد الرجال الأثرياء بأفراد من القوات المسلحة.

كان يدير من قبل، منزلاً مماثلاً على بُعد بضعة مبانٍ بالقرب من المياه في 235 شارع وارن، لكنه انتقل إلى الموقع الجديد بعدما أُلقي القبض عليه خلال مداهمة قامت بها الشرطة في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1940. واتُهم آنذاك بإدارة منزل للفجور، وفرض عليه دفع غرامة، ولكن سرعان ما أُطلق سراحه.

ومع ذلك، عندما داهمت الشرطة منزله الكائن في شارع باسيفيك مساء 14 آذار/ مارس 1942 (برفقة أعضاء من مكتب المخابرات البحرية)، كشفت فضيحة هزّت البلاد، وتصدرت عناوين الصحف لأشهر، وعُقدت بسببها مناقشات محتدمة في قاعة مجلس الشيوخ الأميركي.

أو ربما من الأدق أن نقول إنهم اختلقوا فضيحة. يعزو الفضل في ذلك إلى والتر وينشل، وهو صحافي مختص في كتابة عمود الشائعات والفضائح في صحيفة نيويورك ديلي ميرور New York Daily Mirror، وهو الذي أطلق على هذه الحادثة الغريبة في تاريخ بروكلين اسمها الدائم: “الصليب المعقوف ذو الحواف المُثَلّمة” – The Swastika Swishery.

كانت تلك إحدى القصص التي سمعتُ عنها في بداية بحثي لكتابي الجديد، الذي يحمل عنوان “عندما كانت بروكلين مرتعاً للمتحرّرين جنسياً” – When Brooklyn Was Queer، لكنني لم أتوقع أبداً أن أكشف عن معلومات جديدة من شأنها أن تجيب على أسئلة عالقة حول هذه الفضيحة المزعومة.

وردت القصة الأصلية، التي نُشرت بصورة رئيسية في صحيفة “نيويورك بوست”، على نحو مماثل لما يلي: كان بيكمان يدير “منزلاً للرذيلة” حيث استأجر الجواسيس الألمان جنوداً أميركيين لاستدراجهم في الكلام أثناء الأحاديث الودية بعد ممارسة الجنس للحصول على معلومات حول تحركات القوات.

بعد ذلك سرعان ما تصاعدت القصة بشكلٍ حادٍ. إذ لم يقتصر الأمر على وجود جواسيس في منزل بيكمان، بل كان هناك أيضاً أحد أعضاء مجلس الشيوخ، المعروف باسم “السيناتور أكس”، اعتاد التردد دائماً إلى منزل بيكمان، وعُرف عنه أنه مثلي الجنس في الخفاء ومعارض لدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية. بحلول أيار/ مايو، لم يُتهم بيكمان باستضافة أحد الجواسيس كبار السن وحسب؛ بل كان يُقدم خدماته إلى “أحد عملاء التجسس الرئيسيين لهتلر في هذا البلد”.

خلال شهري أبريل/نيسان وأيار، أبقت الصحف القراء منشغلين بعناوين رئيسية مثل “إِغْواء الجنود الأميركيين، واستدراجهم إلى وكر يُسمى عش الجواسيس”، و”تورط أحد أعضاء مجلس الشيوخ في واقعة عش الجواسيس حيث استدرج الجنود الأميركيين”، و”مالك الوكر يمتنع عن ذكر مصادر أمواله” و”ليبوفيتش يضغط على تحقيق شبكة التجسس: على هؤلاء المتهمين بارتكاب جرائم أخلاقية التحدث أو قضاء حُكم بالسجن لمدة 20 عاماً”.

أذاعت نشرات الأخبار بشغف المعلومات الجديدة حول القضية، بما في ذلك البيانات الرسمية الأربعة المنفصلة (والمتناقضة) التي صرح بها بيكمان للشرطة ومكتب التحقيقات الفيدرالي.

قاعدة إمدادات عسكريّة في بروكلين استٌخدمت كثيراً خلال الحرب العالمية الثانية

سرعان ما كُشف عن هوية عضو مجلس الشيوخ المتورط في القضية، وهو ديفيد إغناتيوس والش، عُرف عنه أنه كاثوليكي، من مدينة بوسطن، وأنه “ظل عازباً لفترة طويلة ولا يظهر أي اهتمام في الزواج – ما يُشير إلى أنه مثلي”، وعلى رغم أنه تبنى الفكر الليبرالي في الكثير من القضايا الاجتماعية – فقد كان من أشد المؤيدين للسياسة الانعزالية، مُعتقداً أن الولايات المتحدة لم يكن ينبغي عليها التورط في شؤون أوروبا.

وصفت مجلة “تايم” علاقته بقضية بيكمان بأنها “واحدة من أسوأ الفضائح التي أثرت في أحد أعضاء مجلس الشيوخ”. وعندما فتح زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الباب لمناقشة القضية، وصف تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي حول القضية بأنه “مثير للاشمئزاز ولا يصلح للنشر”، ورفض إدراجه في السجل الرسمي لمجلس الشيوخ.

دعت واحدة من المؤيدين للسياسة الانعزالية في مجلس الشيوخ، عن ولاية ميسوري، تُدعى دوروثي شيف، كانت آنذاك صاحبة وناشرة صحيفة “نيويورك بوست”، وعُرف عنها أنها “عجوز فاجرة”، إلى إجراء تحقيق في التهم الموجهة إليها، وقالت إنها كانت جزءاً من جماعة سرية سعت إلى حشد المشاعر العامة للحرب، من طريق إظهار السياسيين المناهضين للحرب على أنهم سيئون.

إلى يومنا هذا، تكهّن كثر من المؤلفين بما كان يحدث بالفعل في منزل بيكمان في منتصف الحرب العالمية الثانية، وخلص معظمهم في النهاية إلى أن الأمر لا يزال غامضاً.

ومع ذلك، انتاب دوروثي شيف قلق شديد من أن السيناتور والش قد يُقاضي صحيفة “واشنطن بوست” بسبب تقريرها، بأنها كلفت سراً فريقاً مكوناً من 6 محققين ومحامين خاصين، بقيادة دانييل أ. دوران، لاكتشاف الحقيقة.

تضمن تقريرهم، الذي استغرق إعداده 5 أشهر، وتجاوز عدد صفحاته 150 صفحة، وشمل كل شيء بدءاً من المقابلات مع أطراف في القضية (بما في ذلك بيكمان ومحاموه)، وصولاً إلى تحليل مفصل لمواعيد سفر السيناتور والش في الأوقات التي كان يُفترض فيها أنه في بروكلين.

ظل هذا التقرير مُتاحاً للجمهور لسنوات، إلى جانب بقية وثائق دوروثي شيف، في المكتبة العامة في نيويورك، ولكن لا يبدو أن أياً من المؤرخين قد أشار إليه، وعلى حد علمي، أنا أول من أشار إلى النتائج التي توصل إليها التقرير.

وضعت الشرطة المحلية بيكمان تحت المراقبة بدءاً من كانون الثاني/ يناير عام 1942 على أقل تقدير، بعدما لاحظت وجود عدد غير طبيعي من البحارة والجنود يترددون إلى المبنى ذهاباً وإياباً. بدأت الحرب مذ ألقت الشرطة القبض على بيكمان آخر مرة، ولم يرغب أحد في القبض على مجموعة من الرجال، قد تكون هناك حاجة إليهم في أوروبا أو للطعن في أخلاق الجيش عموماً.

لم تعتزم الشرطة مداهمة منزله إلى أن تواصل معهم مكتب المخابرات البحرية (ONI)، الذي أقام سراً مركز مراقبة في الطبقة الرابعة من مستشفى قريب، حيث كانوا يقومون بتسجيل أرقام لوحات سيارات الداخلين.

لم يكن مكتب المخابرات البحرية مهتماً ببيكمان، بل كان يتعقب ويليام إلبرفيلد، وهو مواطن ألماني يُعتقد أنه جاسوس لهتلر. داهمت الشرطة بالتعاون مع مكتب المخابرات البحرية المبنى، ولم تقبض على بيكمان فحسب، ولكن أيضاً على بعض زبائنه (بما في ذلك الملحن الشهير فيرغيل تومسون)، وبعض الرجال الذين عملوا هناك.

كان أحد المشتغلين بالجنس الذين اعتقلوا، بحاراً على إحدى السفن التجارية من بروكلين يُدعى تشارلز زوبير، وكان أيضاً أحد عشاق بيكمان.

أجرى مساعد المدعي العام المعني بالقضية، والذي ربما كان مدفوعاً برغبته في الشهرة وإثبات نفسه، تحقيقاً مطولاً مع زوبير، حول الزبائن الأثرياء الذين ترددوا على المبنى على وجه الخصوص. وبدا الادعاء مقتنعاً بأن بيكمان لا يمكن أن يكسب الكثير من المال من إدارة منزل لممارسة البغاء، ولذا كان عليه الحصول على مصدر دخل آخر – ربما من إلبرفيلد أو جاسوس آخر.

أفصح زوبير إلى مساعد المدعي العام عن اسم “والش”، وقال إنه أعتقد أن الرجل يعمل طبيباً. توصل مساعد المدعي العام بسرعة، استناداً إلى سابق معرفته بالشائعات التي أحاطت بعضو مجلس الشيوخ منذ أمد بعيد أنه مثلي، إلى استنتاج مفاده أن هذين الرجلين هما الشخص ذاته. وعرض على زوبير اتفاقاً: إذا انقلب على بيكمان وشهد ضده بتهمة ممارسة “اللواط”، سيفلت زوبير من العقاب.

بعد أشهر من الاتهامات الوحشية، والعمليات السرية، والتنديدات التي لا نهاية لها في الصحافة، كل ما حصلت عليه الحكومة هو التدمير الذي لا طائل منه لحياة رجلين مثليين

نقل مساعد المدعي العام المعلومات المتعلقة بوالش إلى القاضي المعني بالقضية. وعندما أدين بيكمان بتهمة ممارسة “اللواط”، ويُعزى ذلك إلى حد كبير لشهادة زوبير، أخبر القاضي بيكمان أنه إذا اعترف بكل ما يخص شبكة التجسس، فسيكون متساهلاً في الحُكم عليه؛ وإلا فإن بيكمان كان سيواجه عقوبة السجن لمدة 20 عاماً.

وفقاً لما ذكره المحقق الرئيسي الذي عينته دوروثي شيف، كان بيكمان شخصاً يتسم “بالرقة، وحسن الخلق، واللباقة، والقدرة على الإقناع”. كان أيضاً مرعوباً ومنزعجاً تماماً من الحقيقة. وبدا أنه على استعداد لقول كل ما يلزم لتجنب الذهاب إلى السجن، الأمر الذي يُمثل لرجل مثلي الجنس يبلغ من العمر 55 سنة، وتعتقد الأمة الآن أنه متعاطف مع النازية، بمثابة حُكم بالإعدام.

اعتاد إلبرفيلد التردد بانتظام إلى منزل بيكمان، لكنه كان يدير أيضاً بيت دعارة منافساً في مقاطعة مانهاتن ولم يكن بحاجة للذهاب إلى بروكلين إذا أراد استجواب البحارة. علاوة على ذلك، منعه بيكمان من دخول منزله في فترة عيد الشكر عام 1941، عندما أخبر إلبرفيلد بيكمان أن السويد هي الدولة التالية على قائمة هتلر، وأنه بعد أن يتم غزوها، لن يكون بيكمان “مغروراً للغاية”.

مزقت الشرطة حرفياً كلاً من منزل بيكمان وشقة إلبرفيلد خلال عملية التفتيش، ولم تجد شيئاً عدا جهاز راديو يمكنه استقبال الموجات القصيرة في شقة إلبرفيلد، وهو ما كان يُحظر امتلاكه أصلاً، لا سيما من قبل المواطنين الأجانب.

وُضع إلبرفيلد رهن الاعتقال في سجن بجزيرة إيليس لأجل غير مسمى -وظل هناك طوال فترة الحرب- لكن لم تُوجه إليه أي اتهامات على الإطلاق، ولم تولِ الشرطة ومكتب المخابرات البحرية أي اهتمام به. بل اعتمدوا على بيكمان للتعرف إلى والش، بعد استجوابه بقسوة أكثر من 7 ساعات، إلى أن انهار واعترف.

سُئل بعض الرجال الذين قُبض عليهم في المداهمة الأولى عن والش، قال بعضهم إنه تردد إلى المنزل، بينما أنكر آخرون ذلك، وقال البعض الآخر إنهم لا يعرفون أي شيء عن هذا الأمر.

مع عدم وجود أدلة كافية باستثناء مجموعة من الإفادات المتناقضة بشأن ما إذا كان والش يتردد إلى منزل بيكمان، لم تكن هناك أي قضية. ومع ذلك، أصرت الحكومة على اعتقادها بأن بيكمان كان يخفي بعض مصادر الدخل، الأمر الذي جعل القاضي يعتقد أن تلك هي الحلقة المفقودة التي ستربط والش بالقصة.

عندما رفض بيكمان الإفصاح عمن يقدمون إليه الدعم المالي (الذين لم يكن لهم وجود في الأساس)، حصل على حكم بالسجن لمدة 20 عاماً في سجن “سنغ سنغ”، وهو سجن مشدد الحراسة في أوسينينغ، ولاية نيويورك.

من خلال إجراء تحليل مُفصل للأوقات التي سافر فيها والش، أثبت المحقق دوران بشكل لا يقبل الشك أن والش لم يكن في منزل بيكمان في أي من التواريخ التي كان من المُفترض أنه كان يتردد إلى المنزل فيها.

فضلاً عن ذلك، تعقب دوران طبيباً من ولاية كونيكتيكت، يُدعى هاري ستون، وهو أحد الأشخاص الذين اعتادوا التردد إلى منزل بيكمان بانتظام، وهو يشبه بدرجة كبيرة السيناتور والش. وبعرض صور والش وستون على شهود مختلفين (بما في ذلك بيكمان)، خلص دوران إلى أن ستون بشكل شبه مؤكد هو الرجل الذي كان يُعتقد خطأً أنه والش.

ومع ذلك، لم يبد أن أحداً كان مهتماً باستخدام هذه الأدلة لتبرئة بيكمان، الذي أمضى عقوبته كاملة في السجن (حيث كان يُطلق عليه “الأم بيكمان”) لمدة 20 عاماً، قبل أن يخرج ويختفي من السجلات العامة تماماً.

أمّا بالنسبة إلى والش، على رغم أن زملاءه أعضاء مجلس الشيوخ هنأوه على ثقته بنفسه ورباطة جأشه التي اتسم بها خلال القضية، فقد بدا أن الحديث الذي انتشر حول ميوله الجنسية المثلية (ناهيك بمعارضته الحرب) أثارت غضب الناخبين عليه. واستُبعد من مجلس الشيوخ عام 1946 وتوفي في العام التالي.

بعد أشهر من الاتهامات الوحشية، والعمليات السرية، والتنديدات التي لا نهاية لها في الصحافة، كل ما حصلت عليه الحكومة هو التدمير الذي لا طائل منه لحياة رجلين مثليين، إضافة إلى عمليات المطاردة والاضطهاد التي دفعت كثراً إلى الاختباء.

لا يزال المبنى الهادئ المبنيّ بالطوب الأحمر يقبع في 329 شارع باسيفيك حتى اليوم كمسكن خاص، مع غياب أي أثر لماضيه الشائن، في واجهته البريئة.

هذا المقال مقتطف من كتاب هيو رايان الذي يحمل عنوان “عندما كانت بروكلين مرتعاً للمتحررين جنسياً” – When Brooklyn Was Queer (مطبعة سانت مارتن)

هذا المقال مترجم عن موقع The Daily Beast ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي