fbpx

مكتب مكافحة جرائم محاولة التفكير

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“واتس أون يور مايند؟” – أو ماذا في بالك؟ سؤال يطرحه علينا فيسبوك كل يوم، ومن الأفضل تجاهله، لأنك إذا لم تتجاهله، ممكن تعيش قصة أو حلم غريب الأطوار، كالسيناريو التالي…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

شربل خوري يروي واقعاً وربما خيالاً بلغته وعلى طريقته…

 

“واتس أون يور مايند؟” – أو ماذا في بالك؟ سؤال يطرحه علينا فيسبوك كل يوم، ومن الأفضل تجاهله، لأنك إذا لم تتجاهله، ممكن تعيش قصة أو حلم غريب الأطوار، كالسيناريو أدناه:

بعمر التسعة وعشرين، حصلت على شرف زيارة مكتب مكافحة جرائم… (أوف شو هالاسم الطويل)، وذلك بسبب جريمة كبيرة جداً: إنكار عجيبة إلهية سماوية.

هلق بدي إفهم شو علاقة جهاز أمني بموضوع لاهوتي محض؟ يعني بدل تحويلي إلى الجهاز المذكور، كان يمكن للقصة إنو تنقضى برشِّة مي مصلاية من خوري الضيعة.

ما رح إنسى أبداً “حفاوة” الاستقبال وترحيب العناصر فيي، “شو يا خرا بدك إجي دعوسك هلق”… هيدي العبارة ما صدرت من محقق بل من شخص تقني بيشتغل بالمكتب… عابر سبيل شافني ناطر عالكرسي وعرفني من شعري. أصلاً أحلى شي كانت تعليقاتهن على شعري الطويل اللي، بحسب ما قالوا، “بينفع ممسحة لأن المكنسة الكهربائية بالمكتب خربانة”.

انتبهت بهاللحظة إني شلت الحلقة من أذني الليلة الماضية، وقلت الحمد الله، لأن المكتب – متل ما بتعرفوا يعني – مابيحب هالأكسسوارات للرجال بهدف الحفاظ على “رجوليتهن”.

المهم أنهم استقبلوني بأحلى أنواع الشتائم، من مختلف القياسات. والمفارقة أنه خلال جولة الشتائم، قدمولي فنجان قهوة. وهكذا، تبيّن لي أن عبارة “تعا اشرب فنجان قهوة عنا” ليست مجازية تماماً، بل من صلب الواقع.

كانت الجلسة جلسة لاهوت هزيلة، وتهديد، أكتر من كونها جلسة تحقيق

قلت عظيم. الجيش الإسرائيلي وشرب مرّة فنجان قهوة في إحدى الثكنات، وما حدا أحسن من حدا.

فوّتني الضابط إلى مكتبه وأجلسني ست ساعات على الكرسي وأنا بحالة انتظار. كان معصّب كتير، معصّب لدرجة أخطأ بتهمتي، “مار الياس بيعمل عجايب غصب عن رقبتك يا **…”، ما دفعني إلى تصحيح التهمة، “مار شربل حضرة الضابط، مار شربل.”

كانت الجلسة جلسة لاهوت هزيلة، وتهديد، أكتر من كونها جلسة تحقيق. كانت ركيكة فعلاً وذكرتني بركاكة خوري المدرسة اللي طلب مني التوقف عن الاستماع لفرقة “بينك فلويد” لأن موسيقتهن فيها “ذبذبات شيطانية”. الخوري طلب مني هالطلب بعد ما شافني عم اعطي كاسيت الفرقة لبنت صديقتي خلال حصة الكاتيشاز، بسبب الملل والضجر اللي كان يصيبنا خلال الحصة.

بس تعلمت أشياء كثيرة في الداخل ماكنت بعرفها، منها أن فيسبوك ليس مساحة للتعبير عن الرأي وإنما مساحة مخصصة لعرض الصور فقط.

يعني سؤال “واتس أون يور مايند” اللي منشوفه كل يوم على فيسبوك، هو سؤال غير قانوني وغير دستوري ببلد الحريات والتعبير.

استمر “التحقيق” وبعد ساعتين صار “المحقق” يسمّيني غيفارا، بسبب شعري الطويل.

هناك في المكتب، كل واحد شعره طويل بيكون غيفارا حتى لو ثبت العكس، “شو يا غيفارا مفكر الجماهير ناطرتك تحت وجايي تحرّرك، مين سئلان عنك وليه”.

ثم عاد وقال لي “إنت جايب 300 إعجاب فقط عالمنشور اللي ذكرت فيه إنك مطلوب إلى التحقيق، ومفكّر حالك شغلة كبيرة”.

ثم التفت إلى الوراء ونادى زميلته، قدامي يعني، وسألها “إنت على صورتك قديش بتجيبي؟

فأجابت: 500…”

تابعتُ الحوار بين الاثنين وفكرت إنهن عم يستلموني، أو عم يستلموا بعضهن، بعدني لهلّق ما فهمت هيدا الجزء من الجلسة. انشالله بمشواري الجايي لا سمح الله بتتوضح الصورة أكتر .

بس للموضوعية، كان هناك شخص كتير منيح معي وهي العاملة اللي بتعمل قهوة وشاي للعناصر. بجمهورية عادلة، ما في أحق منها برئاسة المكتب.

طوّلت الجلسة، وتأخر الوقت، وبلشت جوع، والجوع كافر وأنا أساساً تهمتي الكفر بالله. وهون، طلبوا مني اعتذر فرفضت، “ليش ما بتعتذر، لتكون عامللي فيها كرامة وحريات وبطيخ وليه”. طلبوا مني اكتب توضيح عن المسألة (يعني بدهن ياني وضح أفكاري بس حسب أفكارهن هني مش أفكاري أنا)، فكمان رفضت، فطلبوا مني “روح من وجهن” فقبلت دغري.

ركضت إلى الخارج وأنا ونازل عالدرج شفت خيي ناطرني تحت، عبطته دغري ودمعت، يعني هو صحيح أنا ما قعدت ٢٠ سنة بسجن غوانتانامو، كلن ٨ ساعات تحقيق وبهدلة، بس شو عرفني هيدا الّي صار. حسيت حالي مشتقلو… ما بعرف يمكن هيدي خطة المكتب السرية لتقريب أواصر العائلات، ممكن، ما حدا بيعرف.

حرام خيي بقي 8 ساعات واقف، وطلع وضعي أحسن من وضعه. أنا، يعني أقله، شربت قهوة جوا، وتعلمت شتائم جديدة، وتعلمّت واجباتي كمواطن، وإنه حقوقي باخدها من طائفتي اللي بنتمي الها على الهوية، وتعلّمت أنو أي محاولة للخروج عنها ستعود بي لعند أصدقائي في المكتب مباشرة.

هذه القصة خيالية، وأي ربط بينها وبين الواقع، يتحمّل مسؤوليته الرابط وحده وليس أي شخص آخر.

 

حين يتماهى “الشرطي الصغير” مع الأخ الأكبر… قضيّة شربل نموذجاً