fbpx

لبنان: صورة أغنى رجل على منزل أفقر رجلٍ

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

صورة “الرجل الأغنى معلقة على بيت الرجل الأفقر” هي الأكثر تمثيلاً لمرحلة الاختناق في لبنان، ذاك أن صاحبها المبتسم حين التقطت صورته لم يكن يعرف أين سترتسم تلك الابتسامة، والمفارقة الهائلة التي ستخلفها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
منطقة نهر أبوعلي – طرابلس

أن تكون صورة عملاقة لأغنى سياسي لبناني قد وُضعت على منزل أفقر رجل في لبنان، فهذا يستدرج كثيراً من التأمل بأحوال الرجلين، الأغنى والأفقر. صورة نجيب ميقاتي، رئيس الحكومة الأسبق، معلقة على منزل أحد أهالي باب التبانة في مدينة طرابلس في شمال لبنان، المنطقة الأفقر في لبنان.

ومناسبة انتشار الصورة وتجديدها بعد موسم شتاء أضعف ملامح أصحاب الصور، هي الانتخابات النيابية الفرعية، التي تحالف فيها ثلاثة من “كبار” السياسيين من الطائفة السنية، وثلاثتهم جاءوا إلى السياسة من ثرواتهم، وهم رئيس الحكومة سعد الحريري والرئيس الأسبق نجيب ميقاتي والوزير السابق محمد الصفدي. الأول تولى إفقار آلاف الموظفين العاملين في مؤسساته بعد امتناعه عن سداد مستحقاتهم المالية، ولم يقدم لفقراء طرابلس إلا مزيداً من الفقر، ولم يكترث لتمثيلهم، والثاني نشر صوره الباذخة على بيوتهم المتآكلة والمتداعية، والثالث اختار لهم زوجته لكي تمثلهم في مجلس الوزراء.

في كل مرة يزور فيها المرء مدينة طرابلس سيرصد مستويات جديدة من الفقر والعوز أصابت أهلها. نحن هنا نتحدث عن عوزٍ غير مسبوق. فأن يقول لك رجل أنه أخرج أبنه من المدرسة لأنه لا يملك  ٥٠٠ ليرة (أقل من نصف دولار) ليعطيه اياها يومياً للانتقال عبر الحافلة، فعليك أن تصدقه. هذا الرجل قال إن سياسياً في المدينة، غير ميقاتي، يدفع له ألف ليرة يومياً لقاء وضعه صورته على شرفة منزله. يتقاضى الرجل من السياسي ٣٠ ألف ليرة (٢٠ دولاراً أميركياً) في الشهر.

١١ في المئة من الطرابلسيين شاركوا في الانتخابات الفرعية. ويعيد أحد الطرابلسيين انخفاض نسبة الاقتراع إلى أن الحريري لم يكن سخياً ما يكفي ليشجع الفقراء، وميقاتي لم يشعر أن هذه الانتخابات معركته، وبالتالي لم يمول الماكينة الانتخابية للمرشحة التي دعمها، والصفدي أيضاً. فالانتخابات بالنسبة لفقراء المدينة هي محطة تَزود ببعض أسباب العيش، تكون منعدمة طوال السنوات الأربع التي تفصل بين انتخابات وأخرى.

واذا كانت معادلة صورة الرجل الأغنى على منزل الرجل الأفقر، هي ذروة الابتذال والصفاقة في المشهد اللبناني، إلا أنها ليست لوحدها ما يبعث على الذهول وعلى الاشمئزاز. في ساحة ساسين في الأشرفية لافتات جديدة يبدو أنها عُلقت بمناسبة زيارة “رئيس التيار الوطني الحر” وزير الخارجية وصهر رئيس الجمهورية جبران باسيل للمنطقة. في واحدة من هذه اللافتات وُصف جبران بأنه “بطل الحرب على الفساد، وأنه معيد حقوق المسيحيين التي سُلبت”! في حين يعلم الجميع أن “الحرب على الفساد” ليست من هموم جبران على الأقل، وأن الرجل جزء من طبقة سياسية لم يشهد لبنان فساداً كما شهده في عهدها، أما أنه معيد حقوق المسيحيين، فهذه نكتة لم تعد تستدرج ابتسامة، ذاك أن جبران باسيل حوّل هذه الحقوق إلى حصص انتفع منها مقربون منه، وهو بهذا المعنى مبدد حقوق المسيحيين عبر قبوله ب”رشوة” قدمها له حزب الله من خلال تثبيته ممثلاً للمسيحيين.

 

وسط هذا المشهد المتداعي، تبقى صورة “الرجل الأغنى معلقة على بيت الرجل الأفقر” أكثر تمثيلاً لمرحلة الاختناق في لبنان

 

الحرب في سوريا في مرحلة كمون، والحرب مع إسرائيل معلقة. لبنان في ظل هذا الاستعصاء يبحث عن معنىً لوجوده. الفساد يخنقه، ومستويات الفقر وصلت إلى حدود الادقاع. السياسة عاجزة عن تحويل الإفلاس إلى نقاش عام. وزير العهد وصهر الجمهورية جبران باسيل يدعو إلى التقشف وإلى قبول اللبنانيين بتخفيضات على رواتبهم في القطاعين العام والخاص تفادياً للانهيار. الحلول المقترحة أقرب إلى مهزلة سياسية. يلتقي زعماء الطائفة السنية في تحالف انتخابي يكشف مستوى استخفافهم بفقراء طائفتهم. ميقاتي المبتسم في صوره المعلقة على منازل فقراء طرابلس يستدرجك للتساؤل، عما إذا كان يعرف أين نشر ابتسامته، وما هي مناسبة هذه الابتسامة! وجبران الذي استقبله أهالي ساحة ساسين لم يقل لهم أنه قايض “حقوقهم” بموقعه.

إنهم الخاسرون، في طرابلس وفي ساسين، وهذه ليست حال الرابحين. الفساد هناك لم يترافق مع تعاظم في الفقر. حزب الله وحركة أمل ليسوا خارج الطبقة السياسية الفاسدة. هم في صلبها وأحياناً هم في صدارتها. هذا لم يفضِ إلى مزيد من الفقر في بيئاتهم الطائفية. اقتصاد الحرب في سوريا ساعدهم، وتصدرهم السلطة في لبنان أفضى إلى توسع طبقة المستفيدين. لكن يبدو أن أياماً صعبة قادمة. العقوبات الأميركية على ايران بدأت تظهر ملامحها على الدورة الاقتصادية لحزب الله وعلى آلته الخدماتية والاجتماعية، وحُزم العقوبات بدأت تصيب اقتصاد الاغتراب الشيعي أو هي في طريقها إلى ذلك.

وسط هذا المشهد المتداعي، تبقى صورة “الرجل الأغنى معلقة على بيت الرجل الأفقر” أكثر تمثيلاً لمرحلة الاختناق في لبنان، ذاك أن صاحبها المبتسم حين التقطت صورته لم يكن يعرف أين سترتسم تلك الابتسامة، والمفارقة الهائلة التي ستخلفها. إنها صورة ولا يمكن مساءلة الصورة. أما صاحبها فسيشيح بوجهه لأيام قليلة، على عادته عندما يخذله الناخبون، وسيمضي أياماً قليلة في منزله في لندن، سينسى خلالها ثقل صورته وثقل الابتسامة.    

عَمّان في الدوحة