fbpx

الجزائر : سقوط قائد وانتهاء عهد ما بعد الاستعمار

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

السؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت الجزائر ستشهد حدوث انتقال حقيقي للسلطة، أم ستواصل عصابة الحكم السابق تسلطها، أم ستعزز الفصائل السياسية الإسلامية سلطتها في ذلك البلد الذي تتمتع فيه العلمانية بقوة كبيرة.؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نظم مئات الآلاف من الجزائريين تظاهرات “لكي يثبتوا للعالم والنظام الحاكم أنهم يستطيعون الاحتجاج من دون تدمير البلد”. هكذا عبر الكاتب الجزائري كمال داود عن الوضع في الجزائر.

قُلبت الحياة السياسية الجزائرية رأسـاً على عـقب في ظرف أسابيع.

بدأ مئات آلاف الجزائريين -بما في ذلك طلاب الجامعات والأطباء والمحامون- النزول والتظاهر في الشوارع في شباط،/ فبراير مطالبين بإنهاء حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. لم يظهر بوتفليقة الذي يبلغ من العمر 82 سنة الآن، في العلن سوى بضع مرات مذ تعرض لسلسلة من السكتات الدماغية قبل 6 سنوات.

قررت حكومة بوتفليقة، إذعاناً لضغط الرأي العام، إلغاء الانتخابات وعينت رئيس وزراء جديداً للبلاد..

كمال داوود

بيد أن الكثير من الجزائريين لا يثقون بكلمات المسؤولين الذين كانوا فعلياً على مدى سنوات مجرد دمى في أيدي بوتفليقة والموالين له. وتواصلت الأحداث حتى تنحي بوتفليقة الآن.

والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت الجزائر ستشهد حدوث انتقال حقيقي للسلطة، أم ستواصل عصابة الحكم السابق تسلطها، أم ستعزز الفصائل السياسية الإسلامية سلطتها في ذلك البلد الذي تتمتع فيه العلمانية بقوة كبيرة.

في حوار مع الروائي والصحافي الجزائري كمال داود، سألته حول ما آلت إليه الأمور في الآونة الأخيرة. يشتهر داود بروايته “تحقيق ميرسو”The Meursault Investigation، وهي إعادة سرد لرواية “الغريب”The Stranger، للكاتب والروائي الفرنسي الجزائري ألبير كامو، يرويها من منظور شقيق القتيل العربي المجهول، الذي قُتل على يد بطل رواية كامو التي نُشرت للمرة الأولى في فرنسا عام 1942.

يتمتع داود بشخصية جريئة تتسم بروح متحررة، وهو كاتب عمود في صحيفة “لو كوتيديان دوران- يومية وهران”، وهي صحيفة يومية جزائرية تصدر باللغة الفرنسية، كتب منذ أمد بعيد، أن بلاده تستحق ما هو أفضل من الاختيار بين الديكتاتورية العسكرية والإسلاميين. وعلى رغم أن داود (48 سنة)، كان يؤمن سابقاً بالفكر الإسلامي، فقد انتقد بشدة كيف حاولت القوى الدينية المحافظة في الجزائر قمع الحريات الفردية وحقوق المرأة – وفي حين تُعتبر هذه الآراء وجهات نظر تقدمية في وطنه، فقد أكسبته أيضاً الكثير من المعجبين من الأحزاب اليمينية في أوروبا.

يعيش داود في مدينة وهران الجزائرية، ولكنه كان في باريس عندما تحدثنا معه عبر الهاتف خلال هذه المقابلة. ترجمت حديثنا من الفرنسية وقمت تنقيحه للاختصار والتوضيح.

راشيل دوناديو: ماذا تتوقع أن يحدث في الجزائر تالياً؟

كمال داود: من الصعب معرفة ما سيحدث، لأن النظام في الوقت الراهن لم يبذل جهوداً كبيرة، وجل ما يفعله هو محاولة المماطلة لكسب المزيد من الوقت. لكن من ناحية أخرى، يواصل الجزائريون الضغط. ولا تزال هناك تظاهرات أكبر وأكبر. وثمة الآن وضع راهن يتعين التعامل معه. ولذا سيحاول النظام استباق الأحداث بالقول إنهم سيغيرون الحكومة ويجرون إصلاحات ويبدؤون حواراً وطنياً.

ولكن أعتقد أن هذه هي الاستراتيجية المعتادة التي تلجأ إليها الأنظمة الديكتاتورية عندما يجبرون على ذلك. إذ يحاولون بدء حوار وإجراء إصلاحات، وهذا ما أُطلِق عليه المرحلة الأولى. هذا ما يحدث الآن في الجزائر. أعتقد أن النظام تمادى في إهانة الجزائريين وإذلالهم أكثر مما ينبغي. حتى وصلنا إلى مرحلة انتخاب صورة لا شخص، وهو ما لا يستطيع الجزائريون تحمله.

بل إن هناك قوة لها تأثير أعمق: وهي التركيبة السكانية. ففي حين لا تتعدى أعمار نصف الشعب الجزائري، الثلاثين عاماً، فإن النظام الحاكم بأكمله طاعن في السن. إذ تتجاوز أعمار أولئك القائمين على الحكم الثمانين عاماً، وعاجلاً أم أجلاً، سيتسبب هذا الصدع بين الأجيال في إحداث أزمة حتمية.

دوناديو: إذاً، هل تُمثل هذه اللحظة الانتقالية أهمية خاصة أيضاً بوصفها علامة على أن مناهضة الاستعمار أصبحت أقل قوة باعتبارها إحدى القوى المؤثرة في الجزائر؟

داود: بالطبع، حاولت منذ سنوات، أن أكتب عن كيفية التحرر من عقلية ما بعد الاستعمار. ووجه إليّ اللوم بسبب ذلك – كثيرون في فرنسا والولايات المتحدة وفي أماكن أخرى- لأن مرحلة ما بعد الاستعمار أصبحت ملاذاً آمناً. ولسنوات عهدت إلي الكتابة حول ضرورة التوقف عن استخدام مرحلة ما بعد الاستعمار باعتبارها تفسيراً كاملاً وشاملاً للواقع. أعتقد الآن أننا وصلنا إلى أحد أشكال التعبير السياسي الذي صار واضحاً للغاية: وهو أن الناس يريدون التحرر من حقبة ما بعد الاستعمار. ويريدون الانتهاء منها مع هذا الجيل.

دوناديو: كيف يختلف ما يحدث في الجزائر عمّا حدث في الربيع العربي عام 2011؟

داود: لأن ما حدث خلال الربيع العربي عام 2011 حدث بالفعل من قبل في الجزائر في حقبة التسعينات. فعام 1988، خرج آلاف الشباب الجزائريين إلى الشوارع. وأطلق الجيش النار على الحشود وقتل المئات، وبعدها حدث انفتاح ديموقراطي استغله الإسلاميون. وبعد ذلك، جاء الجيش وسيطر على كل شيء. ولذا، ما يعيشه العالم العربي منذ عام 2011، شاهدناه في الجزائر منذ عام 1988 وخلال تسعينات القرن الماضي. ولهذا السبب لم تتبع الجزائر الموجة، لأننا عانينا بعد عام 1990 من ويلات حرب أهلية مؤلمة للغاية وتُركنا بمفردنا، في عزلة.

قبل هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر في أميركا، كان هناك عدد قليل من الناس في العالم يدركون مفهوم الجهاد، ومن هو الشخص ذو التوجه الإسلامي. الآن الفرق بين ما يحدث في بقية العالم والجزائر أن هناك فهماً واضحاً للغاية لمخاطر اللحظة التي يتم فيها الاختيار بين الإسلاميين والجيش.

الأمر الثاني هو أنه لسنوات، قدم لنا النظام خياراً واضحاً للغاية، وهو الابتزاز: الأمن أو الديموقراطية؟ إذا كنت تريد الديموقراطية، سيحدث لك مثلما حدث في ليبيا وفي سوريا. وأعتقد أن هذا يفسر لماذا كانت المسيرات والتظاهرات التي نشبت في الجزائر سلمية للغاية. أراد المتظاهرون أن يثبتوا للعالم والنظام الحاكم أنهم يستطيعون الاحتجاج من دون تدمير البلاد. فقد شكلت الأهوال التي حدثت في بلاد مثل سوريا أو اليمن عبئاً ثقيلاً على ضمير الجزائريين. إنهم يريدون التغيير، لكنهم يريدون التغيير من دون تدمير البلاد.

دوناديو: ما هي أنواع الشخصيات التي تطمح أن تراها في المجلس الوطني الذي تطالب به؟

داود: كل من يمثل التيارات الحالية في الجزائر. إذا أراد الإسلاميون المشاركة لإنقاذ الجمهورية، فمُرحب بهم، ولكن إذا كانوا يريدون تأسيس دولة الخلافة، فهم ليسوا موضع ترحيب. يمكن أن يضم المجلس أشخاصاً من الاتجاهات كافة – من علمانيين وتقدميين ومحافظين وإسلاميين وحداثيين- هذه ليست مشكلة. تتسم الجزائر بالتنوع، وأعتقد أننا سنكسب الكثير إذا تقبلنا اختلافاتنا وحاولنا إيجاد توافق في الآراء.

دوناديو: ما هي أصعب القضايا المطروحة للمناقشة؟ هل هي الحريات الفردية؟ أم حقوق المرأة؟ أو الدين؟

داود: أعتقد أن هناك عاملين رئيسيين. أولهما، إعلان نهاية جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وهو الحزب القديم الذي يرأسه بوتفليقة، الذي فاز بحرب التحرير. لا بد من حل هذا الحزب لأنه لا ينبغي أن يستمر في العمل كالمعتاد. وثانيهما، هو وضع الدين. إذ يتعين أن يحترم الدين الاتجاهات العلمانية في البلاد. نحن بحاجة إلى الفصل بين السياسة والدين. أعتقد أن هذين هما أهم أمرين يجب طرحهما. القضية الثالثة هي إصلاح الهوية الجزائرية. مما لا شك فيه أن الثقافة العربية ثقافة جميلة، لكنها ليست هوية، إنها مجرد ثقافة. نحن بحاجة إلى العودة إلى هويتنا الحقيقية.

دوناديو: ماذا عن الاقتصاد؟ فقد ارتفعت معدلات البطالة. هل السخط الذي ينتاب الناس الذين خرجوا إلى الشوارع ذو دوافع اقتصادية أيضاً؟ وهل ما يحفزهم هو الدوافع الاقتصادية أم الإيديولوجية؟

داود: كلاهما. لأن الجزء الأكبر من ثروة البلاد تستحوذ عليه الطبقة السياسية، وموظفو الحكومة الذين يستولون على أموال البلاد، وهناك فساد هائل. لذا صحيح أن هناك مخاوف اقتصادية، لكن الجزائر ليست دولة فقيرة؛ بل دولة غنية. المشكلة تكمن في سوء توزيع الأموال.

دوناديو: ما هي تداعيات هذا الوضع الراهن الذي يتسم بالتعقيد في الجزائر على المغرب العربي وأوروبا والعالم؟

داود: ربما يمكننا أن نجد عالماً يمكننا فيه أن نتظاهر من دون إحداث دمار. ستكون هذه خطوة عملاقة. فقد خرج ملايين الجزائريين إلى الشوارع ولم يحدث أي عنف. هذه رسالة مهمة ينبغي أن تصل إلى العالم. ولكن أيضاً ينبغي توضيح أن الصدام بين الجيش والإسلاميين ربما يجب ألا يكون أمراً حتمياً.

دوناديو: ما هي آمالك ومخاوفك بالنسبة إلى الجزائر في الوقت الراهن؟

داود: لدي الكثير من الآمال بصفتي مواطناً جزائرياً. إلا أنني أشعر بقلق بالغ من أن الإسلاميين قد يسرقون ثورتنا، ولكن أعتقد أننا ما زلنا بحاجة إلى المحاولة.

دوناديو: إذاً، هل تعتقد أن هناك خطورة من أن يغتنم الإسلاميون الفرصة لتعزيز قوتهم؟

داود: إذا كنت تخشى أن تصطدم بسيارة عندما تخرج من باب منزلك، فلن تغادر المنزل مطلقاً. لذ أعتقد أننا بحاجة إلى المخاطرة.

 

هذا المقال مترجم عن theatlantic.com ولقراءة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي.