fbpx

عن الحضور الأنثوي والعري في لوحات محمد الرواس

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لوحة Train 1، رسمها الرواس في معرضه الفردي الأول في بيروت 1975، لكن الحرب اضطرته إلى مغادرة البلاد، وأصبح مصير لوحاته في بيروت مجهولاً. وبعد أربعين عاماً، عام 2015، تم العثور على هذه اللوحة من طريق المصادفة. الرسام الرواس يضم هذه اللوحة إلى معرضه الحالي

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
Train 1

في معرض الفنان محمد الرواس المقام في غاليري “صالح بركات”، بيروت، وقبل الحديث عن الأعمال المعاصرة التي تشكل غالبية لوحات المعرض، والتي نفذها الفنان بين عامي 2017 و2019، يجب التوقف عند حكاية ضياع، والعثور على إحدى لوحاته، والتي رسمها في معرضه الفردي الأول عام 1975، وهي لوحته Train 1.

الجسد العاري بين لوحة السبعينات والآن

لوحة Train 1، رسمها الرواس في معرضه الفردي الأول في بيروت 1975، لكن الحرب اضطرته إلى مغادرة البلاد، وأصبح مصير لوحاته في بيروت مجهولاً. وبعد أربعين عاماً، عام 2015، تم العثور على هذه اللوحة من طريق المصادفة. الرسام الرواس يضم هذه اللوحة إلى معرضه الحالي، كما أنه أعاد رسم نسخة جديدة مستوحاة منها وهي Train 2، عام 2016، كأنه يعيد تكوين اللوحة وفق رؤيته وخبرته الفنية الراهنة، بعد تراكم تجربة أربعين عاماً من الرسم.

إذا كانت لوحة “Train 1″، وما فيها من وضعيات أجساد النساء وتمثيلات العري النسوي، قريبة من اللوحة التكعيبية الأولى (نساء أفينيون، 1907) للرسام الإسباني الشهير بابلو بيكاسو، فإن النسخة الجديدة منها Train 2، هي أيضاً تمثيلات للعري الأنثوي، ولوضعيات حضور أنثوي، لكن بتأثيرات مدارس فنية معاصرة وتقنيات بصرية تكنولوجية، جاءت قريبة من المدرسة التكعيبية التي تتبنى اللوحة الأصلية جمالياتها.

Train 2

نراقب في Train 2، حضوراً أنثوياً عارياً في منتصف أيسر اللوحة، التي رُسمت بتقنية رسومات المانغا اليابانية، يظهر خلفها أكثر عمقاً ثنائي رجل وامرأة ثابتين في وضعية راقصة يظهر فيها كامل جسديهما، وفي القسم الأيمن من اللوحة رسومات لنساء من مراحل وأنواع فنية مختلفة لفن البورتريه.

في Train 1، الكتل اللونية التي تظهر تمثيلات الحضور الأنثوي في اللوحة واهية، تتداخل الأجساد الحاضرة في اللوحة والخلفيات، الألوان مختارة لتحقيق الاندماج اللوني، فتغيب ملامح الوجوه، ولا تتحدد بدقة قياسات الأطراف للأذرع والأقدام، ويصعب التمييز بين حدود الأعضاء في الجسد الواحد. بينما لوحة Train 2، التي بدورها تميل إلى التجسيد الواقعي، على رغم أنها تعمل على إظهار مدارس فنية تاريخية متنوعة في معالجة الحضور الأنثوي في اللوحة ذاتها. فإذا كانت ألوانTrain 1  أشد حرارة وأكثر حيوية، وأكثر فوضوية، فإن لوحة Train 2، 2016، تجمع بين الأسلوب التعبيري Expressionism، وبين التمثيل عالي الواقعيةHyper Realism.

إزاحة الستار

لوحة من الماضي داخل لوحة جديدة

في لوحة “إزاحة الستار”، 2018، نرى الأنثى الأساسية التي تظهر في اللوحة بشعر أشقر وفستان أسود مكشوف الكتف، تكشف الستار لتظهر من خلفها لوحتان تتناولان موضوعة العري الأنثوي والذكوري، إحداهما هي لوحة أخرى للفنان الرواس نفسه، بعنوان “عناصر عارية في الطبيعة”، 1975، هكذا يدخل الفنان لوحة له من الماضي داخل لوحة معاصرة.

اللوحتان عن العري الباديتان داخل لوحة “إزاحة الستار”، 2018، إحداهما تذكر بلوحة “نساء أفينيون”، لبابلو بيكاسو، والأخرى تذكر بأسلوب الفنان الفرنسي هنري ماتيس في التعامل مع البورتريه الأنثوي العاري، أو في طبيعة الألوان والأشكال الهندسية النباتية داخل اللوحة عنده.

تنويعات تشكيلية على الحضور الأنثوي

لوحة “إزاحة الستار”، 2018 نموذجية للحديث عن بعض الخصائص الأسلوبية للرسام محمد الرواس، لا سيما تقنية دمج أساليب من فن الرسم والتصوير بتجاور في اللوحة الواحدة. إنه وعي محمد الرواس الفني الذي توسع وأوضح للمتلقي قدرته على رسم الموضوعة الواحدة نفسها، أي الحضور الأنثوي والعري في اللوحة، بأساليب تصوير مختلفة، وبمفاهيم جمالية متنوعة، مستمدة من تاريخ الفن التشكيلي ومدارسه.

في لوحة “القرينة أو آفاتار”، 2017، أيضاً تكون المهمة التي يضعها رسام اللوحة هدفاً للوحته، هو تقديم الحضور الأنثوي، بأشكال متعددة، السؤال عن كيفية تقديم الحضور الأنثوي المتجسد في اللوحة، هو مقدمة لمعرفة كيفية تقديم العالم المحيط بها، وبالتالي تبدو داخل اللوحة مستويات متعددة للواقع الواحد. وتضم لوحة “القرينة أو آفاتار” 2017، في داخلها لوحة أخرى هي لرسام آخر من التاريخ حاول وصف الأشياء وتمثيل العالم من حوله، نجد لوحته منسوخة بدقة داخل لوحة الرواس، وهي لوحة “الجغرافي”، 1668، للرسام الألماني فيرمير (1623 – 1675).

لوحة أفاتار

الحضور الأنثوي المكسو والعاري

لوحة “القرينة أو آفاتار” 2017، نموذج مناسب للحديث عن أحد الأساليب التي يتبعها الفنان الرواس في تقديم الحضور الأنثوي والعري. نجد أن الفتاة المرسومة بتقنية الواقعية العالية حاضرة بملابسها الكاملة، تجلس قبالة عين الناظر، بينما نرى داخل اللوحة، لوحة أخرى يقدم فيها النموذج الأنثوي السابق ذاته، بتقنية أكثر تجريدية، وهي تظهر عارية. هكذا يُظهِر الفنان وكأن اللوحة داخل اللوحة، تفسر اللوحة الأم. اللوحة الكبرى تقدم بوتريه أنثوياً بملابس الحياة اليومية، بينما في اللوحة الصغرى والتي في داخل اللوحة الكبرى، يكون الحضور الأنثوي ذاته حاضراً من خلال العري. هكذا يخلق الفنان مستويين من التلقي عند الناظر إلى اللوحة، الحضور الأنثوي المكسو، والحضور الأنثوي العاري، للمرأة ذاتها.

في لوحة “الزائر الجديد”، 2018، تعود المرأة الأساسية التي تحتل مركز اللوحة إلى العري، تتخذ وضعية من وضعيات الموديل المعروفة، الجلوس مواربة، تحمل بين يديها لوحة أخرى تجسد عرياً مرسوماً بطريقة مغايرة، خلفها نسخة من بورتريه أنثوي من المرحلة الكلاسيكية، فيما على منتصف أيمن اللوحة، هناك لوحة عري أخرى وهي مرسومة بأسلوب يحيل بوضوح إلى هنري ماتيس، الذي تميز باقتراحاته الجمالية في تقديم المرأة والعري داخل اللوحة.

لوحة الزائر الجديد

في “الزائر الجديد” 2018، أيضاً على طرفها الأيسر، نجد حضوراً ذكورياً بالطريقة التكعيبية، يوحي وكأنه نُفذ بتقنية الكولاج، وهي تجسد عازفاً على آلة التشيلو، علماً أن العازفين والآلات الموسيقية كانوا موضوعة مفضلة عند المدرسة التكعيبية، نجد ذلك في لوحات الرسام جورج براك وكذلك بابلو بيكاسو، وهنا في لوحة محمد الرواس شكل مستوحى بوضوح من تجربتي هذين الفنانين مع رسم الموسيقين والآلات الموسيقية.

يرى الناقد ريكو فرانسيس، في لوحات الرسام محمد الرواس، محاولات دائمة وسعياً محموم للإجابة عن سؤال: ما هي التنويعات في رسم موضوعة واحدة، وهي هنا الحضور الأنثوي؟ أين حدود الأخلاقي وأين حدود المنطقي في تجسيد العري؟ وعبر هذه الأسئلة، يصبح الواقع برمته موضعاً للتساؤل، عن حدوده واحتمالاته وتركيباته البصرية. اللوحة هنا هي مغامرة في مجال تمثيل الحضور الأنثوي، والتحديات البصرية المرافقة لمغامرات التمثيل البصري هذه.

في “Forging a Bond” 2017، مجدداً يدخل الرواس في لوحته “أبولو وفولكان”، 1630، للرسام الإسباني ديجو فلاسكيز 1599 – 1660. لوحة فلاسكيز هذه تروي حكاية الأسطورة التي يأتي فيها الإله أبولو إلى تابعه الإله فولكان ليروي له عن خيانة زوجته، فينوس. وهكذا يصبح على المتلقي لإدراك المعنى المراد من لوحة الفنان الرواس، الإطلاع على حكاية لوحة أخرى في تاريخ الفن التشكيلي. هذا التداخل بين التاريخ وبين اللوحة الشخصية، نلمحه في كامل التجربة الفنية التي يقدمها الفنان الرواس من خلال هذا المعرض. تاريخ الفن نفسه حاضر في اللوحة الواحدة، ما يقدم غنى بصرياً ومعرفياً لزائر المعرض، والمتأمل لوحاته.

كما رأينا، تحضر في لوحات الرواس، مقاطع من لوحات عالمية عرفت في تاريخ الفن التشكيلي، منها لوحة الإيطالي كارافاجيو بعنوان ” وحي القديس ماتيو”، 1602 ولوحة شارل لاندل “فتاة يهودية من طنجة”، 1874، ولوحة فيلاسكيز “أبولون وفولكان”، 1630، ولوحة الرسام فيرمير “الجغرافي”، 1668، إضافة إلى رسومات من فن المانغا، وهو فن القصص المصورة الياباني.

في لوحة “مشهد منزلي”، 2017، يدخل الرواس في لوحته مقطعاً من لوحة رامبرانت “بورتريه فيليب لوكاز”، 1935. نحن أمام أكثر لوحات المعرض قرباً من تقنية الواقعية العالية Hyper Réalisme، الموديل المرأة، موجودة في المطبخ وخلفها تفتح الخلفية على لوحة أخرى لامرأة مرسومة بالأسلوب الكلاسيكي عارية ومستلقية على سرير حديث، تتداخل الأزمنة في اللوحة الواحدة، تصبح امرأة من المرحلة الرومانية أو الإغريقية وهي مستلقية أو متكئة على أدوات وأشياء اكتشفت لاحقاً في التاريخ، يمكن أن نقول حديثة أو معاصرة.

لوحة مشهد منزلي

من الحياة اليومية إلى الفن العالمي

في لوحات مثل “مشهد منزلي”، 2017، “بناءات”، 2018، و”ياسمينا”، 2018، نشهد كيف يدمج الرسام مشهداً من الحياة اليومية، وضعية من الحياة اليومية باللوحات العالمية، في “مشهد منزلي”، 2017، المرأة المرسومة موجودة في المطبخ إلا أنه في عمق اللوحة وأعلاها، تحيط بها لوحات أخرى. وفي “بناءات”، 2018 تقف المرأة على الدرج، من حولها الكثير من المجسمات والمكعبات المعمارية، وتحضر أيضاً رسومات المانغا ورسومات متعددة أخرى. وفي “ياسمينا” 2018، بورتريه أنثوي من حوله ثلاث لوحات. كأن اللوحة عند الرواس تحاول أن ترفع ما هو يومي، اعتيادي، أليف للعين الواقعية إلى مصاف الفني، مستعينةً بإدماج بصريات الحياة اليومية ببصريات تاريخ الفن التشكيلي. أسلوب يتدرج في معالجة اليومي ليمنحه أهمية الفني وقيمته.

دمج العناصر البصرية المستمدة من أزمنة حضارية مختلفة، والرسومات التشكيلية العائدة إلى مدارس فنية متنوعة، يظهر بوضوح في اللوحتين المختلفتين عن لوحات المعرض الأخرى، وهما: “حفل زفاف”، 2018، و”غزل البنات”، 2018، فيهما نجد التداخل الأكثف بين رسومات من مراحل حضارية مختلفة، وتجاوراً شديد الخيال لعناصر بصرية مختلفة المشارب الثقافية، هناك رسومات المانغا اليابانية، تماثيل الآلهة القديمة الحجرية، مكعبات هندسية باللون الأبيض، تعود إلى التكعيبية، كما تعود إلى عصر النهضة المملوء برسومات العلوم، هناك أيضاً رسومات للآلهة في المرحلة الكلاسيكية، تماثيل حضارة الأنكا، أبنية وفق أساليب متنوعة من العمارة، كما أننا نجد الطبيعة، ونجد تكوينات واضحة من المرحلة التكعيبية، كل ذلك في إطار اللوحة الواحدة، يتجاور بكثافة أمام عين المتلقي.

يكتب الناقد ريكو فرانسيس عن تجربة محمد الرواس: “أعماله محاولات للإجابة على تساؤل: كيف نرسم الحضور الأنثوي بحيث يبقى حسياً، حيوياً، من دون أن ننساق بشدة في جنسانيته، التي يمكن أن تميزها عيوننا في لوحات محمد الرواس، كما يمكن أن تضيع هذه الجنسانية في كثافة اللوحة. كيف ننقل الأسلوب الأنثوي (وجهة النظر الأنثوية)، بكامل خصوصيته، وبأي عناصر من الواقع نحيطه؟ تتراوح لوحات الرواس بين التجسيد الانفعالي العاطفي للواقع وبين التمثيل الأكثر عقلانية وعلمية له”.

في البيان الخاص بالمعرض الحالي، يكتب الناقد وضاح فارس: “مشاعر معقدة تولدها فينا لوحات محمد الرواس، إنها تتراوح بين الإقبال على الفن الشرقي، والتقرب من الفن الغربي. رسوماته القوية والواضحة تسعى إلى البحث عن لغة تشكيلية جديدة، إنه يحاول التوفيق بين الموهبة والاحترافية في البحث عن لغة خاصة وواضحة تحل مكان العزلة الأخلاقية المعاصرة”.

تتفق النصوص النقدية التي كتبت عن الأعمال الراهنة لمحمد الرواس، على أن الجانب المميز فيها هي تلك المحاولة لمعالجة تمثيلات الحضور الأنثوي داخل اللوحة، تارةً يبتكر الرسام لذلك مقترحات آتية من لحظته الفنية الراهنة والمعاصرة، وطوراً يُدخل في اللوحة تقنيات ورسومات ولوحات من تاريخ الفن التشكيلي، تعالج الموضوعة التي يريد تصويرها. فن محمد الرواس في كل لوحة هو فن كثيف، مطلع على تاريخ الفن، ويمتلك الكثير من التقنيات التي تسمح له بتجسيد أفكاره الغنية.

عنف تجاه الحيوان… عنف تجاه الإنسان… عنف عنف عنف!



 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.