fbpx

حين صرخ الفرنسيون:”بوتان”.. إنها اللعنة التي أحرقت نوتردام ..

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“عندما كنت أجلس هناك كنت أنظر إلى نوتردام بتمعن كي لا أنسى المكان، إن حدثت حرب وتدمرت، وها قد أتى هذا اليوم، سوف تحتاج سنوات كثيرة للإعمار، لكنها لن تكون كما في السابق”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
فرنسية تتابع بألم احتراق الكاتدرائية

كل يوم تنظر ماتيلد إلى كاتدرائية نوتردام في باريس في طريقها إلى العمل، وهي محامية. تفضل أن تستقل الحافلة العامة الذي تعبر من جانب بيتها، لكي تنظر إلى الكاتدرائية وتلقي عليها السلام، إذ تجمعها بالمكان صداقة قديمة وأسرار وحكايات. لكن في السنوات المقبلة، سيختلف المنظر، لن يكون برج في المنتصف ولا سقف خشبي ولن يقف سائحون أجانب في صفوف طويلة لزيارة نوتردام.

ماتيلد الثلاثينية، صدمت عندما سمعت خبر الحريق الهائل الذي لا يعرف أحد كيف بدأ، وهي صدمة يتشاركها الباريسيون والعالم أجمع.

متى بدأ الحريق؟

كانت السادسة و43 دقيقة مساء في توقيت باريس، حين بدأ الدخان يتصاعد من سقف المعلم الحضاري العريق. أجراس الإنذار صدحت في المكان. وتم الاتصال برجال الإطفاء، الذين حضروا مباشرة، ولكن خراطيم المياه لم تكن طويلة لتغطي مسافة 700 متر، للوصول إلى سقف الكاتدرائية الخشبي، الذي عمره أكثر من 850 سنة. السقف مبني من 20 هكتاراً من الخشب، ويسميه علماء الأثار “الغابة”، إذ يتلاصق الخشب مع بعضه بشدة، لعدم تسريب المياه إلى داخل الكاتدرائية، لذلك يفتقر إلى أنظمة متطورة للحماية من الحرائق.

الهواء الشرقي أدى إلى ارتفاع سريع في النيران قبل أن يصل رجال الإطفاء إليه ليسيطروا على الحريق، وفق أحد رجال الإطفاء الذي كان يقف بجانب نهر السين المقابل لنوتردام.

في ذاك الوقت، تهافت الباريسيون في المترو ينظرون إلى شاشات هواتفهم مرددين “بوتان”، أي اللعنة بالفرنسية.

“هذا ليس مكاناً كاثوليكياً وحسب، إنه مكان لكل الناس المؤمنين وغير المؤمنين”، بلهجة باريسية فرنسية عبرت ماتيلد عن مشاعرها وهي تنظر إلى الجمرة المشتعلة في سقف كاتدرائية نوتردام، مضيفة: “نوتردام هي مكان لأحزاننا وأفراحنا. هذه صدمة كبيرة تشهدها فرنسا”.

ماذا تعني نوتردام للفرنسيين؟

آلاف الناس اجتمعوا بغضون نصف ساعة من اندلاع الحريق الذي فقد فرق الإنقاذ السيطرة عليه. اجتمعوا على ضفاف نهر السين والجسور المطلة على الكاتدرائية، منهم سياح أتوا ليروا باريس وأيقونتها نوتردام، من جميع البلدان في العالم.

مارك ولاورا، وهما في الـ35، أتيا إلى باريس للاحتفال بزواجهما. “هذا أمر غير متوقع”، قالت لاورا ونزلت من عينيها دمعة. أمسكت يد مارك، وأضافت: “لن ننسى هذا اليوم في حياتنا”.

وقفت الحشود مذهولة، تبحث عن أمل وسط خيبة عارمة، أو عن خبر مفرح واحد في هذه المجزرة الحضارية الموجعة. منهم من كان يبكي أو يصلي راكعاً على الأرض بعينين مغمضتين تبحثان عن الله في كل هذا. ملأت الصلوات المكان، كل شخص بحسب لهجته ودينه. عينا ماتيلد كانتا تبرقان بلون النار البرتقالي، فيما الدخان يتصاعد من السقف الخشبي المحترق، تتنشق رائحة الخشب العتيق المحترق… إنها تشبه رائحة البخور.

طريقة إخماد الحريق

أصوات السيارات الإسعاف والإطفاء والشرطة ملأت باريس. بدأت الشمس غروبها والظلام يمتد والنار الملتهبة المشتعلة تزداد جنوناً، “انظر إلى البرج في المنتصف إنه يسقط”، صاح أحد الواقفين بالقرب من نهر السين. وتبعه صراخ آخر: “نوتردام تنهار”. وبعدها سكت الحاضرون وبقيت عيونهم مفتوحةً ذهولاً وحزناً. كان ذلك عند الثامنة والأربعين دقيقة مساء، سقط البرج المرتفع 93 متراً إلى الأسفل كشهب تداعى من السماء، مخلفاً وراءه فتحة 4 أمتار في جسم الكاتدرائية.

في التاسعة والنصف، انقسم رجال الإطفاء بلباسهم البرتقالي المخطط بالأخضر وخوذهم الفضية، بين من يركض وبين من يحاول أن يتسلق ليصعد إلى البرجين في واجهة الكاتدرائية، إلى حيث امتد الحريق، مهدداً بتدمير هيكل الكاتدرائية. هناك ترقد أجراس الكاتدرائية التي بنيت حولها الرواية المشهورة “أحدب نوتردام”، لفيكتور هوغو التي نشرت عام 1831. ومنها جرس إيمانويل المشهور وهو يزن 13 طناً، وكان صنع في القرن السادس عشر، وهو لا يقرع إلا للمناسبات الرئيسية في فرنسا، مثل عيدي الميلاد والفصح، أو زيارة البابا، أو الاحتفال بنهاية النزاعات بما في ذلك الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية. إضافة إلى أنه يقرع في أوقات الحزن لتوحيد المؤمنين في كاتدرائية نوتردام، مثل جنازات رؤساء الدولة الفرنسية وبعض الأحداث مثل كارثة البرجين في 11 أيلول/ سبتمبر في الولايات المتحدة، وأحداث باريس الدامية عام 2015.

كانت القوارب في نهر السين المحاذي للكاتدرائية، تسحب المياه لتوصلها للرافعات التي تدفق المياه إلى السقف المحترق. رجال الإطفاء تسلقوا بشجاعة أبراج الكنيسة. طائرات الهيليكوبتر تحوم في السماء محملة بالمياه، التي لم تلقَ خوفاً من ثقلها الذي قد يدمر الكنيسة بالكامل.

ماكرون ونوتردام

في لحظة احتراق نوتردام، لم يعطِ أي مسوؤل تصريحاً رسمياً لإخماد النيران. وكان من المقرر قبل يوم من الحريق أن يلقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كلمته للشعب الفرنسي من نوتردام، ولكن بسبب الحريق، نقلت الكلمة من أمام الكاتدرائية بعد إخماد النار، عند الحادية عشرة والنصف مساء. شكر الرئيس بوجه حزين جداً جهود فرق إطفاء الحريق، وهم أكثر من 400 شخص، بحسب بلدية باريس. شدد ماكرون على إعمار الكاتدرائية وترميمها في 5 سنوات، علماً أن باريس ستستضيف الألعاب الأولمبية في 2024، وأضاف ماكرون: “حريق نوتردام محطة تاريخية مظلمة في تاريخ فرنسا، سوف نقبل الدعم من الأشخاص في داخل البلاد وخارجها، لإعادة إعمار الكاتدرائية. وأنهى ماكرون حديثه بنداء وطني للمساعدة بإعادة ترميم هذا البناء التاريخي. وسمع نداءه أثرياء باريس وأصحاب المصانع، وجمع مبلغ أكثر من 800 مليون يورو في غضون 24 ساعة.

بقي الحريق مشتعلاً حتى الرابعة فجراً. ماتيلد وعدد من الباريسيين بقوا هناك، في تلك الليلة الحزينة التي شهدتها المدينة، سائلين، كيف حدث هذا الحريق؟ بعض المسؤولين رجحوا أنها من أعمال الصيانة على سقف الكاتدرائية. وفتح تحقيق لمعرفة الحقيقة، بحسب عمدة باريس أنا هيدالغو.

جلست ماتيلد على الرصيف متعبة مرهقة كمعظم الحشود، واضعة يديها على رجليها “هذا كان المكان المفضل في باريس، المكان الوحيد الذي أضعت نفسي فيه وطارت أحلامي بين جدرانه، المكان الذي قرأت عنه في قصص الأطفال في صغري، وقصص الحب في مراهقتي والقصص الحزينة في أيام حزننا، أمضيت ليالي صيفية هادئة أمتّع عيني بأضواء نوتردام الدافئة الحمراء المنبثقة منها كحبة روبي تدفئ قلبي”. هكذا قالت بصوت حزين معبرة عن مشاعرها والدموع في عينيها: “عندما كنت أجلس هناك كنت أنظر إلى نوتردام بتمعن كي لا أنسى المكان، إن حدثت حرب وتدمرت، وها قد أتى هذا اليوم، سوف تحتاج سنوات كثيرة للإعمار، لكنها لن تكون كما في السابق”.

بين “أحدب نوتردام” و”وسيم” قصر المهاجرين