fbpx

تسييس الموت والإعدامات وشرعنتها في مصر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

بتنا في مصر اليوم مدفوعين أكثر للحديث عن الموت حتى بات السؤال الأبرز، من يستحق الموت ومن لا يستحقه؟ موضوع الإعدامات أصبح  قضية مطروحة، انقسم حولها الرأي العام والشارع المصري…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تركّزت شعارات ثورة 25 يناير المصرية على مطالب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، شعارات تصب كلها في مصلحة تعزيز الحياة الكريمة للمصريين جميعاً، وتغذية شريان الحياة الذي كاد يصاب بالانسداد كلياً، بسبب فساد نظام مبارك وأعوانه. اليوم بتنا أبعد بأميال من المطالب المشروعة للثورة، التي هي في حقيقتها مطالب مشروعة للحياة ذاتها، وبتنا مدفوعين أكثر للحديث عن الموت حتى بات السؤال الأبرز، من يستحق الموت ومن لا يستحقه؟

موضوع الإعدامات في مصر أصبح  قضية مطروحة، انقسم حولها الرأي العام والشارع المصري. غالبية الشريحة من المصريين التي لم تنشغل بدعوات مثل “أوقفوا تنفيذ الإعدامات في مصر” لا تعلم في الأغلب الكواليس التي دفعت شريحة أخرى من الحقوقيين والمعارضين إلى رفض تنفيذ أحكام الإعدام في مصر كما طالبت بإلغائها”.

هذه الكواليس من المؤكد أنها سترغم أي فرد على الوقوف أمام ضميره يرفض تنفيذ عقوبة الإعدام، سواء في القضايا السياسية أو تلك الجنائية وباطنها سياسي، من هذه الكواليس، هي أن السجناء وبخاصة السجناء السياسيين يتعرضون للضرب والتنكيل أثناء سير عمليات التحقيقات، وهي الأساليب التي تدفع أي شخص متمسك بحياته للتصديق على مجموعة من الاعترافات للنجاة من التعذيب حتى لو كانت هذه الاعترافات تهدد حياته.

مثلاً قضية الشباب التسعة الذين تم إعدامهم في شهر شباط/ فبراير الماضي، كشفت تقارير من محامين حقوقيين تابعوا عملية سير التحقيقات أن هؤلاء لم يتعرضوا للاختفاء القسري المخالف للقانون وحسب، بل تعرّضوا أيضاً للتعذيب. ولن نذهب بعيداً، فأحد المتهمين التسعة وهو محمود الأحمدي نفسه، قال لقاضي التحقيقات إنهم تعرضوا للتعذيب وانتزعت الاعترافات منهم، وطالب بتحوليه مع زملائه إلى الطب الشرعي على ذمة القضية ذاتها. لكن القاضي على رغم ذلك لم يأخذ أي أجراء قانوني ولو صوري للتأكد من ادعاءات المتهمين.

كما أن المحامين الموكلين الدفاع عن المتهمين تم منعهم من حضور التحقيقات والتواصل مع المتهمين أثناء المحاكمة، ما يشكك في نزاهة عملية التقاضي برمتها وبالتالي قانونية اعدامهم.

كأننا نسينا ببساطة أن ثورة يناير من ضمن شراراتها، تعذيب اثنين من الشباب حتى الموت وهما خالد سعيد وسيد بلال

“الجبهة المصرية لحقوق الإنسان”، أصدرت إحصاء بعدد الاشخاص الذين تم إصدار حكم إعدام بحقهم عام 2018. الرقم بحسب المنظمة وصل إلى 737 شخصاً، منهم 185 شخصاً في قضايا سياسية و552 في قضايا جنائية، وتم تنفيذ الحكم في 46 شخصاً في تهم متنوعة عام 2018.

قضايا الإعدامات في مصر كشفت أيضاً مستويات كثيرة حول الصراع بين الأطراف السياسية، فكما هو معروف وشائع أن الخصم السياسي المنتصر يحاول طوال الوقت، لضمان بقائه وقوته، أن ينهك خصمه السياسي بأن يقلل مساحات وجوده سياسياً أو يسجنه أو يشوه صورته إعلامياً، على رغم أن هذه الأساليب مرفوضة، إلا أنها تحدث على أرض الواقع. إنما حين تتحول لعبة السياسة إلى أداء انتقامي ودموي يقصي الخصم بالموت من خلال أحكام الإعدام، هنا لا يمكن وصف المسار بأنه سياسي بل هذه من حوادث التصفية السياسية وأشياء أخرى!

قضايا الإعدامات كشفت أيضاً مستوى آخر من العداء للإسلاميين المتوقع من جانب الشارع المصري، لكن الغريب أن بعض الأصوات المؤيدة تنفيذ عقوبة الإعدام للشباب التسعة على سبيل المثال، بدت مرتدة بشكل فج لأفكار مثل التشكيك في حدوث تعذيب في السجون المصرية، وأن المتهمين ولأنهم ينتمون إلى جماعة الاخوان المسلمين، فهم بالضرورة يدّعون التعذيب للتأثير في الرأي العام. وكأننا نسينا ببساطة أن ثورة يناير من ضمن شراراتها، تعذيب اثنين من الشباب حتى الموت وهما خالد سعيد وسيد بلال.

فالتشكيك في الادعاء لمجرد أن الخصم يحمل ايديولوجية مختلفة، يبرر بشكل ضمني قتله وهو ما يعد بشكل أو بآخر اشتراكاً في الجريمة،  والازدواجية كبيرة في الطرح.

من المؤكد بالطبع أن شرعنة الانتقام من الخصوم بالقتل لا بد أن تكون مرفوضة من كل الأطراف، لأن العنف لا يساعد سوى على المزيد من العنف.

من الممكن أن ننظر من زاوية أخرى إلى قضايا الإعدام في القضايا الجنائية غير السياسية.

جبهة الدفاع عن المظلومين سردت على لسان الباحث نور خليل عدداً من الوقائع الجنائية في مصر، تم الحكم على أصحابها بالإعدام وبعد سنوات ظهرت براءتهم؛ أشهر هذه القضايا كانت عام 1996 في قضية في الإسكندرية لأب تم اتهامه بقتل ابنته بعد اختفائها من المنزل بشكل مفاجئ. ذهب الأب محمد بدر الدين جمعة إسماعيل إلى قسم شرطة المنتزه وبلغ عن اختفاء ابنته، بعدها عثرت الشرطة على جثة فتاة مجهولة الهوية والملامح، فقام أحد ضباط الشرطة بالقبض على الأب وتم اتهامه في القضية 43806/1997 – جنايات المنتزه، بقتل ابنته وتم عرضه على النيابة واعترف بقتلها وتمت إحالة القضية للمحاكمة.

في الواقع الابنة لم تُقتل، بل كانت هاربة من المنزل وذهبت للعيش مع والدتها المطلقة، وفي 1998 أي بعد عامين من حبس الأب انتشر خبر القضية في الصحف، وعندما علمت الأم بالحكم الصادر بالإعدام على الأب ذهبت بصحبة ابنتها إلى ضابط الشرطة لإخباره أن الابنة على قيد الحياة وأن الأب بريء من تهمة قتلها، لكن الصادم أن  الضابط قام بحبس الأم والابنة.

مصادفةً مرت دورية تفتيش على قسم الشرطة وتم اكتشاف أمر الأم والابنة المحبوستين من دون قضية أو اتهام، فتم القبض على مجموعة من الضباط اشتركوا في الواقعة وتم تحويلهم إلى المحاكمة.

في جلسة المحاكمة بعدها، سأل القاضي محمد “إنت اعترفت ليه مع انك عارف أن العقوبة هي الإعدام”، فكان رده “ولو مكنتش اعترفت كنت هموت من التعذيب، فالاعتراف هيأجل الموت شوية وهيخليه أرحم”، وتم الإفراج عنه.

هذه بعض الشواهد التي تجعلنا نتوقف عندها كثيراً وننصت إلى دعوات وقف عقوبة الإعدام في مصر، والعمل على أن تأخذ المسار الجاد والقانوني، لأن الحياة حق لكل مواطن، وليس من حق أي أحد سلبه إياها، كما أن توجيه العقوبات لا بد أن يتم على نحو يسلب المرء جانباً من حريته… لا حياته.

 

المنتحرون في مصر: هزيمة فرد أم مسؤولية عامة؟