fbpx

المغرب: هل يقبل بلد الأقليات القليلة بالتعايش مع الأديان؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تنامي الأصوات المعارضة والمستنكرة لخلط الأذان بالموسيقى، فتح نقاشاً حول أسباب تبني المغاربة مثل هذا الخطاب. فهل باتوا أكثر تشدداً وتعصباً لهويتهم الدينية؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على خشبة المسرح، يتقدم شاب بجلباب أبيض، يصدح بأعلى صوته بعبارات الأذان، وتتوسط المكان سيدتان، الأولى مسيحية والثانية يهودية، تؤديان أنشودة مع موسيقى الأوركسترا، أمام الملك محمد السادس والبابا فرنسيس في معهد تكوين الأئمة في الرباط خلال شهر آذار/ مارس الماضي.

أثارت الأنشودة جدلاً وسجالاً حاداً، بين رافض ومؤيد، إلا أن شريحة واسعة من المغاربة عبروا عن رفضهم خلط الأذان بالترانيم المسيحية واليهودية، مباشرة بعد عرضها على مواقع التواصل الاجتماعي.

لم تستسغ أصوات معارضة الأمر، ووصفت الأنشودة بـ”غير المقبولة”، وذهبت آراء أخرى وصفت بالمتشددة، إلى اعتبار هذا الاوبريت “تدنيساً” للمقدسات الإسلامية وضرباً من “الوثنية” و”الشرك بالله”.

في حين ترى أصوات مؤيدة أن الأوبريت يجسد التعايش والتسامح بين الأديان، و”لوحة فنية تستحق الإشادة”.

أيام قليلة بعد هذا الجدل، أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بياناً استنكر فيه ما اعتبره “التلفيق بين الأذان الذي يعد من أعظم شعائر الإسلام، وبين الترانيم والأناشيد الكنسية”، ووصف ما حصل بـ”المؤلم” و”المؤسف”.

وأضاف في بيانه أن “التسامح والتعايش والحوار، مبدأ ثابت وواسع في الإسلام، ولكنه لا يعني التنازل عن الثوابت، والتلفيق بين الشعائر الإسلامية العظيمة والترانيم الكنسية، التي تتناقض مع عقيدتنا وشعائرنا، لذلك فهذا التلفيق أمر مرفوض لا يليق بعقيدة التوحيد”.

في المقابل، رفضت الجبهة الوطنية لمناهضة التطرف بيان رابطة علماء المسلمين، ووصفت خطابه بـ”المتشدد والإرهابي”، و”البعيد كل البعد من قيم الإسلام السمحة ومنهج الحوار بين الأديان والتعايش بين الحضارات”.

وتتفق الجبهة مع الآراء التي ترى أن ما ذكر في الأوبريت ليس أذاناً للصلاة بل تعبير عن تواصل وانصهار حضاري بين الأديان الابراهيمية الثلاثة.

الجدل الذي أثارته واقعة الترانيم انعكس على المجتمع المغربي وحرك جدلاً كان كامناً يتعلق بالدين والهوية والجماعات المختلفة خصوصاً الأقليات.

قلل إدريس الكنبوري، الباحث في الجماعات الاسلامية من شأن الجدل الذي أثارته واقعة الترانيم، واعتبر أن الصوفيين يعتمدون الابتهالات في أناشديهم وبالتالي فإن ما حصل أمر مألوف.

ذهبت آراء وُصفت بالمتشددة إلى اعتبار هذا الاوبريت “تدنيساً” للمقدسات الإسلامية وضرباً من “الوثنية” و”الشرك بالله”

هل بات المغاربة أكثر تعصباً لهويتهم الدينية؟

تنامي الأصوات المعارضة والمستنكرة لخلط الأذان بالموسيقى، فتح نقاشاً حول أسباب تبني المغاربة مثل هذا الخطاب، وهل باتوا أكثر تشدداً وتعصباً لهويتهم الدينية؟

لا يرى الكنبوري أن المغاربة أصبحوا أكثر تشدداً، مؤكداً أن “ما حصل جعلنا نعرف بعض التوجهات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي”.

بالنسبة إلى عبد الوهاب رفيقي، الباحث في الشؤون الإسلامية، فهو يعزو أسباب استنكار المغاربة للأنشودة إلى ما سماه بـ”عقدة التفوق”، أي “اعتقاد بطلان كل العقائد سوى ما يؤمن به المسلمون، وجزمهم بأن من لم يكن على عقيدتهم فهو من أصحاب النار خالداً مخلداً فيها أبداً”. ولا ينكر الكنبوري “عقدة التفوق” لدى جماعات مسلمة، لكنه يشدد على أنها حاضرة لدى مسيحيين أيضاً، وهي “موجودة بقوة لدى يهود”.

أما رفيقي، فيؤكد عبر تدوينته أن مثل هذه النزعة تولد “العنصرية” لدى مسلمين، على رغم أن بعض النصوص الدينية قد رفضتها، فيما يعزى السبب الثاني إلى رفض أنشودة التسامح إلى ما سماه رفيقي “العداء التاريخي للفن” من طرف جماعات اسلامية، سائلاً في هذا الصدد: “كيف تريد ممن يعتبر مجرد سماع معزوفات موسيقية من دون كلمات منكَراً ولهواً من الحديث، ويستحق سامعها صب الرصاص في أذنه يوم القيامة، أن يستسيغ سماع كلمات مقدسة تؤدى بألحان موسيقية؟ كيف وهو يرى الفن رجساً ودنساً، يقبل بخلطه بالمقدس؟ كيف تريد ممن لا يعرف للفن قيمة ولا دوراً في الحياة ولا علاقته التاريخية بالأديان أن يوافق على ترنيم جزء من الأذان؟ علماً أنه لا يدري أن ما يسميه علم “تجويد القرآن” ليس سوى ترنيم للقرآن وتوظيف للمقامات الغنائية التي لم يعرفها المسلمون في قرونهم الأولى؟”.

هل يقبل المغرب بالأقليات الدينية؟

أكثر من 97 في المئة من المغاربة، يعتنقون ديانة الإسلام السني على المذهب المالكي، ولا تتجاوز نسبة الأقليات الـ2 في المئة من المغاربة. وهنا يطرح السؤال: هل يقبل المغرب (باعتباره بلداً تعيش فيه أغلبية مسلمة متجانسة) بالأقليات الدينية المتعددة؟

يقول الكنبوري إن المغرب “بلد للتعايش بين الأديان”، مؤكداً أنها “حقيقة تاريخية وسوسيولوجية ضاربة في القدم، إذ تعايش هنا المسلمون واليهود طوال قرون منذ أن فر اليهود من اسبانيا في القرن الخامس عشر هاربين من محاكم التفتيش”.  وأضاف لـ”درج”: “عكس ما حصل في أوروبا حيث كان اليهود يعيشون معزولين في غيتوهات، عاش يهود المغرب جيراناً للمسلمين خارج الملاح”.

بيد أن معطيات التقارير الحقوقية تنفي ذلك، فالمغرب يعتبر بلداً “إسلامياً” وفق الدستور، ويستمد بعض تشريعاته القانونية من النصوص الدينية، التي تضيق بالحريات الفردية المرتبطة بالمعتقد كالإلحاد أو اعتناق دين جديد، وتتعرض بعض الأقليات الدينية للتضييق عليها في ممارسة شعائرها من قبل السلطات.

المغرب يحتل المرتبة الخامسة في مؤشر البلدان الأكثر تديناً، إذ أكد 93  في المئة من المغاربة المستجوبين أنهم متدينون

ووفق “معهد بيو الأميركي”، ارتفع معدل التضييق على حرية التدين بالمغرب من 4.9 من أصل خلال 10 خلال عام 2007 ليصل إلى 7.5 خلال عام 2015.

وأفاد تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية للحريات الدينية لعام 2017، بأن الحكومة المغربية “اعتقلت واستجوبت مواطنين مسيحيين بسبب معتقداتهم الدينية واتصالاتهم مع مسيحيين آخرين”، كما أن “بعض المسيحيين أفادوا في تقارير مختلفة بأن السلطات المغربية ضغطت عليهم من أجل التخلي عن عقيدتهم”، فيما “يمارس البهائيون في المغرب شعائرهم من دون اعتراف رسمي بهم من قبل الحكومة، كما يمنعون من إقامة احتفالات رسمية بمناسبة مرور 200 سنة على ولادة “بهاء الله”.

وتمارس السلطات ضغوطاتها على بعض المنتسبين للأقليات الدينية بدافع “زعزعة عقيدة المسلم” و”تهديد النظام العام”، خصوصاً إذا تم ذلك في إطار حملات التبشير لديانة معينة، وينص القانون الجنائي المغربي بالسجن بين ستة أشهر وثلاث سنوات، لكل شخص “استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة المسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى”.

“على رغم تحفظ المغاربة أو عدم تقبل بعضهم التعايش مع هذه الأقليات، إلا أنهم أكثر انفتاحاً مع هذه الفئات مقارنة مع الحكومة”، يقول الحاميدي، رئيس الجمعية المغربية للأقليات الدينية.

ويصف الحاميدي وضعية المغاربة المنتمين للأديان الأخرى بأنها “مثيرة للشفقة”، إذ يتعرضون “للطرد من العمل، وقوانين تمييزية، والتهميش حتى داخل جماعتهم الدينية وليسوا أحراراً حتى في اختيار زوجاته. ومن الأشياء المؤسفة، العنف. كيف لك أن تعرض شخصاً ضعيفاً للعنف بسبب دينه أو مذهبه؟”.

التدين في المغرب: ماذا تقول الأرقام؟

الالتزام الديني أمر شائع في المغرب، ويشكل الدين عنصراً محورياً في النسق الاجتماعي والثقافي، هذا ما كشفته الأرقام الصادرة عن معهد “وينغالوب” لعام 2015، إذ أفادت بأن المغرب يحتل المرتبة الخامسة في مؤشر البلدان الأكثر تديناً، إذ أكد 93  في المئة من المغاربة المستجوبين أنهم متدينون، بيد أن نسبة التدين انخفضت بشكل طفيف قياساً بعام 2009 الذي بلغت فيه النسبة إلى 98 في المئة.

وصرّح 1 في المئة من المغاربة بأنهم ملحدون، فيما لم تتجاوز نسبة غير المتدينين 4 في المئة، في حين تحفظ 2 في المئة من المستجوبين ورفضوا التصريح بميولاتهم الدينية.

ووفق دراسة أجراها المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة خلال عام 2017، فإن 77 في المئة من المغاربة المستجوبين يرون أن للدين أهميته على مستقبل البلاد، فيما رأى 51 في المئة منهم أن البرامج الدينية في القنوات التلفزيونية تعد أهم مرجع ديني يستقون منه معلوماتهم عن شؤون دينهم وعباداتهم. واعتبر معظم المستوجبين “داعش” بمثابة جماعة تمثل انحرافاً عن تعاليم الإسلام السمحة، ويرى المستجوبون الشباب أن إمام المسجد يعتبر بمثابة المصدر الرئيسي للمعرفة الدينية بنسبة 40 في المئة، تليه الأسرة بنسبة 23 في المئة.

 

8 سنوات ولا تزال “اميضر” المغربية تطالب بحقها في الماء قبل الفضة

الخمر في المغرب: منافع للحكومة وموانع للشاربين