fbpx

“هذا هو لبنان”: عن نظام الكفالة الذي يستعبد العاملات شرعاً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ترصد مبادرة “هذا هو لبنان” كل أشكال الإساءة والتمييز الحقوقي ضد عاملات المنازل من خلال توثيقها في موقعٍ خاص وصفحةٍ على “فيسبوك”. لكن اللافت أن القضاء اللبناني حاول حجب الموقع من خلال إجبار مزوّدي الإنترنت في لبنان على حظره…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“جئتُ إلى لبنان عام 2011، قالوا لي ستعملين على إدخال معلومات إلى جهاز كومبيوتر. ولما وصلت، فوجئت بأنني سأعمل في التنظيف المنزلي. لكن كفيلتي منعتني من العودة إلى بلدي، واحتجزت جواز سفري. اضطررت حينها للبقاء في منزلها سنة كاملة، كنت أبكي كل يومٍ. حتى أنني حاولت قتل نفسي ثلاث مرات في هذه الفترة. بيتهم كان سجني”.

ماري هي عاملة أثيوبية في لبنان. عانت، كما آلاف عاملات المنازل المهاجرات، من ازدراء صادم وقسوة بالغة في المعاملة من قبل أصحاب العمل. إلا إن حياتها لم تنتهِ كأخريات: خبر وفاةٍ في جريدة.

تتشارك آلاف عاملات المنازل في لبنان هذه المعاناة، في ظل ظروف أقل ما يُقال عنها إنها غير إنسانية وفيها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. ويعزز هذه المعاناة ويشرّعها نظام الكفالة، الذي لا يتوافق مع القوانين الوطنية التي تكفل الحريات والكرامة الإنسانية وتوفّر الحماية لحقوق العمّال، وتجرّم العمل الجبري والاتجار بالبشر. كما أنه يتناقض، بشكلٍ مباشر، مع التزامات لبنان الدولية.

“This is Lebanon”: مبادرة من رحم نظام استعباد

نظام الكفالة في لبنان هو وجه عصري للعبودية، إذ تخضع عبره العاملة إلى مشيئة صاحب العمل بغض النظر عن كيفية معاملته لها، ويمنعها في معظم الأحيان من الاستقالة أو العودة إلى بلدها أو تغيير عملها، إلا بموافقته، ووفقاً لمزاجه ورغبته. بمعنى أوضح، إذا أخطأت العاملة بحق كفيلها فهو يمتلك كل الوسائل للدفاع عن نفسه، لا سيما فسخ العقد وإعادتها إلى بلدها. في المقابل، تغيّب إرادة العاملة كلياً. إذ لا حلول متوفّرة أمامها سوى مغادرة المنزل، وهو ما يعتبر حالياً جرماً جزائياً يستدعي التوقيف والترحيل غالباً من دون أي محاكمة.

وبناءً عليه، ارتأى الناشط النيبالي ديبندرا أوبريتي إطلاق موقع إلكتروني مختص بقضايا العاملات الأجنبيات في لبنان، تحت اسم “This Is Lebanon”، بالتعاون مع زوجته، بعدما عملا في لبنان لمدة 14 سنة.

ترصد هذه المبادرة كل أشكال الإساءة والتمييز الحقوقي الصارخ ضد عاملات المنازل اللواتي يأتين في الغالب من بلدان أفريقية وآسيوية، من خلال توثيقها في موقعٍ خاص وصفحةٍ على “فيسبوك”. لكن اللافت أن القضاء اللبناني حاول حجب الموقع من خلال إجبار بعض مزودي الانترنت في لبنان على حظره.

يعرّف اوبريتي الموقع بأنه “مساحة تمكّن عاملات المنازل من مشاركة تجاربهنّ مع الانتهاكات”. كما يعتبر أن “كشف المعتدين هي الأداة الوحيدة المتاحة”، فيعمد الموقع إلى تسمية المعتدين وكشف صورهم وهوياتهم، على عكس غيره من وسائل الإعلام التي تمنح نوعاً من “الحصانة” للمعتدي.

أوبريتي يقيم في كندا اليوم، وينشط وزوجته في تقديم الدعم للمجتمع النيبالي المقيم في لبنان، عبر رعاية عاملات المنازل المعنّفات في المستشفيات والسجون، بالتنسيق مع فريق من المتطوّعين من حول العالم، المهتمين بالعمل على مكافحة العبودية العصرية، إذ يساعده هذا الفريق في التحرير والترجمة. ويعتمد الموقع على نشر نصوص ترسلها عاملات المنازل، بعد أن يتحقق فريق مقيم في لبنان من حيثيات الوقائع.

عملتُ مجاناً لمدة ثلاثة أشهر، كان خلالها صاحب مكتب الاستقدام يهبني إلى آخرين كهدية: مرة إلى عائلة خطيبة ابنه، ومرة إلى عائلة ابنته وزوجها”

نظام الكفالة: استعباد ممنهج للعاملات المهاجرات

عمل الموقع لا يقتصر على ذلك، بل هو جزء من آلية متكاملة تعمل تحت مظلة أوسع، هدفها إلغاء نظام الكفالة في لبنان. هذا النظام الذي يشكل عائقاً أمام إجراء تحقيقات شفافة وعادلة تظهر حقيقة القضايا العالقة بين أصحاب العمل والعاملات الأجنبيات، طالما أن الأجهزة المشرفة على التحقيق لا تؤمّن ضمانات إضافية للعاملات، كالسكن البديل عن منزل الكفلاء خلال فترة التحقيقات، وتأمين الحق بتغيير الكفيل من دون موافقته، وحرية التنقل والتواصل واستشارة محام وممثل عن دولة العاملة وعائلتها، فضلاً عن حضور مترجم أثناء التحقيق. علماً أن وزير العمل كميل أبو سليمان كان قدّم، في 13 نيسان/ أبريل، وعوداً علنية باتخاذ تدابير ملموسة لحماية حقوق العاملات، وأكّد أن الوزارات أعدّت مشروع قانون لحمايتهن.

“كل الساعات هي ساعات عمل”، تقول تسيغا، عاملة منزلية أثيوبية. يعزّز نظام الكفالة في لبنان الممارسات العنصرية، ومنها اعتبار كثيرين أن العمل في الخدمة المنزلية ليس كسائر الأعمال، فتستثنى العاملات الأجنبيات من مضمون قانون العمل اللبناني، حيث لا يتم تنظيم ساعات عملهن أو حتى المسؤوليات التي قد تكون مطاطة وخارج قدرة العاملة النفسية والجسدي، ما يجعل هذا النظام مساحة رائجة للاتجار بالبشر. وقد وجدت “منظمة العفو الدولية” أدلة على وقوع أربع عاملات ضحايا لعمليات الاتجار بالبشر، من أصل 32 عاملة كانت المنظمة أجرت معهن مقابلات لإعداد تقريرهم الأخير.

إحدى هؤلاء العاملات كانت “بانشي”، تقول: عملتُ مجاناً لمدة ثلاثة أشهر، كان خلالها صاحب مكتب الاستقدام يهبني إلى آخرين كهدية: مرة إلى عائلة خطيبة ابنه، ومرة إلى عائلة ابنته وزوجها”.

وعليه، أطلقت منظمة العفو الدولية حملة جديدة في 24 نيسان في بيروت، تحت عنوان “ضعوا حدَاً لنظام الكفالة: العدالة لعاملات المنازل المهاجرات”. بعدما كانت أعدّت تقريراً وثقت فيه ظروف العمل التي تعيشها العاملات المهاجرات، والتي تنطوي على ممارسات استغلالية، كساعات العمل الطويلة بلا يوم إجازة، وعدم دفع الأجور واقتطاع الرواتب، ومصادرة جوازات السفر، والحرمان من الطعام والطبابة، وإساءة المعاملة اللفظية والجسدية والاعتداء الجنسي، وغيرها.

أتى ذلك بعدما وثقت “هيومن رايتس ووتش” ومنظمات حقوقية لبنانية أخرى، في تقارير عدة، انتهاكات حقوق عاملات المنازل. كما أن المنظمة وجدت في دراسة أجرتها عام 2008، أن عاملات المنازل الأجنبيات يلقين حتفهن بمعدل واحدة أسبوعياً، وأعادت الأسباب الرئيسية للوفاة في الانتحار أو السقوط من المباني. والجدير بالانتباه هنا، هو ازدياد معدل الضحايا. فبحسب “حركة مناهضة العنصرية“، اثنتان إلى ثلاث عاملات يلقين حتفهن كل أسبوع في لبنان.

وبالتالي فهذا يحتّم اتخاذ السلطات اللبنانية، على رأسها وزارة العمل، إجراءات فورية لحماية حقوق العاملات. وبذلك تكون لدى الحكومة الجديدة فرصة لتنأى بنفسها عن الماضي وتعطي أولوية لوضع حد لنظام الكفالة الذي ينطوي على المعاملة السيئة بطبيعته.

 

عاملات مهاجرات ونظام كفالة؟ إذاً ممنوع من النشر!

 

 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!