fbpx

«بوكر» العربية: عن جائزة أدبيَّة في خَطَر…  

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يغالط نفسه (وتغالط نفسها) من ينكر على جائزة بوكر ما اشتقّته لنفسها من مقام بين روائيي العربية وروائياتها ومن ثم شرعية السؤال: إلى أين تذهب هذه الجائزة التي باتت تتحكم، شئنا أم أبينا، بذائقة أدبية ما؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
الروائية هدى بركات

لا أجزمُ أنّ «النبيذة»، رواية إنعام كجه جي، كانت الأجدر والأوْلى والأحق بأن تنال «الجائزة العالمية للرواية العربية»/بوكر 2019، وإنما أجزم، مع محبّتي الشخصيَّة لهدى بركات الفائزةِ بها عن روايتها «بريد الليل»، أنَّ الملابساتِ التي أحاطت بنيلها إيّاها لن تجعلَ منها، من الجائزة، وِسامًا على صدر سيرتها الأدبية، سيرة هدى، وإنَّما سابقةً يُستشهد بها كُلَّما أُريدَ الاستشهادُ على ما يشوب «نزاهة» الجوائز الأدبيَّة في العالم العربي من شوائب، وما يُطيف بها وبمانحيها وبالفائزين بها من علامات تعجّب ومن علامات استفهام.

في الوقائع: كان الإعلانُ عن القائمة الطويلة للروايات المرشحة دخول سباق البوكر 2019 في 7 كانون الثاني (يناير) من هذا العام وقد بلغ عدد أعيانها 134، وكان الإعلان عن القائمة القصيرة في 5 شباط (فبراير) وقد بلغ عدد أعيانها ٦ روايات، أمّا الإعلان عن الرواية الفائزة فتقرر أن تُجرى مراسمه في فندق  فيرمونت باب البحر بأبو ظبي في ٢٣ نيسان (أبريل). وانتظر المنتظرون وراجت التكهّنات بشأن الرواية الأوفر حظًّا إلى أن كان 23 أبريل (نيسان) حيث استبق عبده وازن في الـ «اندبندنت العربية» إعلانَ النتائجِ الرَّسْمِيَّ، وأعْلَنَ من هذا المنبر، عازيًا معلوماته إلى «تسريبة»، ولكن بلغة الواثق من مصادره، أنَّ بوكر 2019 سوف تكون من نصيب هدى بركات وروايتها «بريد الليل»، مُعَمِّيًا على تقمصه قميصَ جوليان أسانج، وعلى ارتضائه بأن يكون «العميلَ السريَّ» الذي تُشهر «التَّسْريبة» على الملأ تحت قلمه، وتُفسد مفاجأة الإعلانِ الرَّسْمِيِّ، ومُعَمِّيًا لربما على ما كان له من يَدٍ في عدد من المحطات التي أفضت بالجائزة إلى من أفضت إليها، بالإشارة إلى  «أن الإجتماع الأخير للجنة التحكيم كان شبه عاصف، وشهد سجالًا امتد ساعات وانتهى إلى التصويت».

لا بأس لربما من أن أضيف إلى الوقائع باعتباري كنت شاهدة عليها بوصفي ناشرة «النبيذة»، رواية إنعام كجه جي، أن «تَسْريبَة» أسانج العرب استدعت تَواصلًا فوريًّا مع أوْلياءِ أمْرِ الجائزة، وعلى رأسهم الأستاذ ياسر سليمان رئيس مجلس الأمناء، وطلبًا ملحًّا بأنْ يبادروا إلى التحقيق في الأمر، وبأن يُرْفقوا التحقيقَ بما يرونه مناسبًا من تدابير تحفظ على الجائزة ما لها من صيت وسمعة، وتحفظ على الجهات الرّاعية لها، حاليًّا «دائرة الثقافة والسياحة» في أبو ظبي،  ما لها من حق اعتباري على المولجين بإدارتها.

على ما يتوقع الواحد منا والواحدة، وعد الأستاذ سليمان بإجراء التحقيق المناسب، وببيان حيثيات ما كان من تسريب للنتائج قبل إعلانها ووو… ومع شكّنا بأنْ يكون من ذلك شيء، ومع شكنا بأن يتواضع القائمون على الجائزة فيعترفوا بأنًّ خللًا ذا أوجهٍ متعددة، ليس التسريب الذي سبق الإعلان الرسميّ إلّا حبّة المسك منه، قد شاب دورة بوكر 2019، وبأن القائمين على الجائزة ورعاتها الذين يوفّرون لها منذ إطلاقها أسباب الاستمرار المالي سوف يستدركون على ما كان ــ مع شكّنا، فهذا الذي جرى مناسبة تستحق التوقف عندها للتأمّل في ما يعنيه أن يُترجم العربُ تقليدًا ثقافِيًّا راقيًا، في مقامنا هذا الجائزة الأدبيَّة المؤَسَّسَتيَّة، دون أن يمتلكوا، حقَّ الامتلاك، أدوات هذا التقليد، بل ثقافته.

كان إنشاء بوكر العربية في عام 2007 بوصفها النسخة العربية من جائزة بوكر البريطانية. وإذ لا تحب بوكر العربية أن تعرّف نفسها بوصفها ثالثة ثلاثة بوكرات إقليمية تفرّعت عن البوكر الأم حيث سبقتها بوكر روسية وأخرى إفريقية، من المفيد التذكير بأنَّ هذه الجائزة الأدبيّة لم تؤسّس تكريمًا لذكرى شقيق مغمور شأن جائزة غونكور، ولا على يد مثر يهوى الأدب والمال مَعًا شأن جائزة العويس، (ولو أنه لا وجه شبه بين إدمون غونكور وسلطان العويس!)، ولا تفتّقت عنها عبقرية قائد مُلْهَم (من يذكر بعد «جائزة صدام حسين للعلوم والآداب والفنون»؟)، وإنما ولدت تحت نجمة تحالف ثلاثي أركانه «مؤسسة الإمارات» التي خملَ ذكرها من إذاك وورثت عنها جائزة بوكر «دائرة الثقافة والسياحة» و«مؤسسة واينفيلد» التي يركّز العديد من مشاريعها على مفهوم «الحوار الاستراتيجي» وتطبيقاته في شتى المجالات… وجائزة بوكر منها … مقولُ القول إن هذه الجائزة جزئيّة منمنمة من مشهد ثقافي واسع النطاق والطموحات تسعى دولة الإمارات إلى تكوينه في إطار سياسة عامة يعاد معها إعراب محل الإمارات من الخليج، ومن الشرق الأوسط عمومًا. بهذا المعنى، ليست بوكر العربية من شيء يُذكر متى ما نُظِرَ إليها بوصفها قطعةً من المشهد الكبير، ولكنها، بهذا المعنى نفسه، أي بوصفها قطعةً من مشهد كبير ترعاه دولةٌ قارونيَّة الثراء، مشبوبة الطموحات، شيء يُذكر ويستحق التوقف عنده وعند تفاصيله.

لكل هذه الأسباب، لملابسات الولادة (والتباسها)، كما لملاءة الجهة الراعية، أمكن لجائزة بوكر التي أطفأت عامنا هذا شمعتها الثانية عشرة لا غير، أن تُنزل نفسها من المشهد الروائي العربي منزلة من العراقة ومن المرجعية لا تنافسها فيها جائزة أخرى، وخير دليل على ذلك هدى بركات نفسها التي عادت الجائزة طيلة سنوات أشد العداء، وقالت فيها ما لم يقله مالك في الخمر إلى أن كان ما كان وكلّلتْ عامنا هذا بغارها ــ علمًا أنّ غار بوكر ليس مجد ليلة صيف عابرة، وشيكًّا دسمًا فحسب بل بوليصة تأمين للعبور على متن الترجمة إلى كثير من اللغات، وشأنية اعتبارية لا يستهان بها.

يغالط نفسه (وتغالط نفسها)، إذًا، من ينكر على جائزة بوكر ما اشتقّته لنفسها من مقام بين روائيي العربية وروائياتها ومن ثم شرعية السؤال: إلى أين تذهب هذه الجائزة التي باتت تتحكم، شئنا أم أبينا، بذائقة أدبية ما؟ وألَيْسَ الأوجب على القائمين عليها أن يحرصوا على إبقائها نموذج «ترجمة» ناجحًا، وبرسم أن يُحتذى به، لا أن يجعلوا منها شاهدًا إضافيًّا على فشلٍ تَحْذَق فيه «الثقافة العربية» من غدوات ما يُسمى بـ«عصر النهضة» إلى اليوم؟

نعم، في نيسان 2019 كنت، معيَّة إنعام كجه جي وآخرين وأخريات، في أبو ظبي لمتابعة الإعلان عن نتائج البوكر لهذه السنة ورأيت، شأني شأن سواي، «مُنْكَرًا» يتسلسل فصولًا ــ علمًا أنَّ المُنْكَرَ ذاك لا يحتاج للتحقق منه إلى المشاهدة العيانية وأنني إذ أحيلُ إلى ما رأيت بنفسي فمن باب التأكيد والتوكيد على أن الأمْرَ ليس مجرد انطباع أو استتنتاج… ما العمل بين يدي هذا المُنْكَر فلا يتكرّر ويتحول إلى عُرف وسُنّة، ويخرج نعت جائزة بوكر «العربية» من كونه مجرد وصف لها إلى كونه سُبّة لها وشتيمة وداعية إلى الإزدراء بها؟ لا أدّعي أنَّ العمل لإصلاح هذا المُنْكَرِ بالأمر السهل أو اليسير ــ ولا سيما أنَّهُ يقتضي الاعتراف من الأمناء على الجائزة، أوَّلًا، بما كان من خلل، ويقتضي منهم، ثانِيًا، البناء على ذلك الاعترافِ بالخلل والسعي إلى التَّصْويب. فهل يبادر الأمناء على بوكر، مثلًا، إلى الإعلان رسميًّا عن إجراء تحقيق داخلي لكشف مصدر «التسريبة» التي أعلنت النتيجة قبل إعلانها ــ وهذا في الحقيقة أضعف الإيمان… بل هل يبادرون إلى الإعلان بأن جائزة 2019 لم تمنح إلى هدى بركات عن روايتها «بريد الليل» التي استدخلت إلى المنافسة بقرار همايوني وإنما عن مجمل أعمالها؟ ــ وأعمال بركات جديرة، بلا أدنى شك بالتكريم وبالحمل على الراحات…  

قد يستكبر البعضُ هذا الاقتراح ويروا فيه شيئًا أدنى إلى طَلَبِ المُحال وما لا يُستطاع… ولهؤلاء نقول: ليس بكثير على جائزة أدبيَّة أُريد لها أصلًا أنْ تكونَ أكثر من جائزة أدبيَّة أنْ تقسوَ على نفسها دفاعًا عن نفسها، وإلّا… فأهلًا ببوكر في متحف الإدعاءاتِ العربية وسهلًا…

عن الحضور الأنثوي والعري في لوحات محمد الرواس