fbpx

“عربٌ بلا رب”… لماذا يلحدون في الرياض ويقرأون “وهم الإله” في صنعاء؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يتداول “الملحدون العرب” على الفضاء الإلكتروني قولاً ساخراً مفاده، أن الإسلام انتشر بالسيف، لكنه سينتهي بالـ”فيس”. يقصدون بذلك موقع الفيسبوك ووسائل الإعلام الاجتماعي، التي أتاحت مساحةً واسعة من الحرية، لتناول الشأن الديني، كانت مستحيلة في عصر وسائل الإعلام التقليدية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يتداول “الملحدون العرب” على الفضاء الإلكتروني قولاً ساخراً مفاده، أن الإسلام انتشر بالسيف، لكنه سينتهي بالـ”فيس”. يقصدون بذلك موقع الفيسبوك ووسائل الإعلام الاجتماعي، التي أتاحت مساحةً واسعة من الحرية، لتناول الشأن الديني، كانت مستحيلة في عصر وسائل الإعلام التقليدية.
ورغم المبالغة الكبيرة في هذا القول، إلا أنه يشير إلى الأهمية الكبيرة، لثورة الإنترنت في ظاهرة الإلحاد العربي.
والإنترنت بالطبع لم تخلق الإلحاد، لكنها جعلت التواصل ممكناً، بين “الملحدين الصامتين”، وبيّنت لهم أنهم ليسوا وحيدين، و هناك من يفكر مثلهم، لهذا بدأوا ينشطون على الفضاء الافتراضي، ويدافعون عن أفكارهم. وبعد أن كان الإلحاد العربي سرياً، بدأ يخرج إلى العلن، وصار للملحدين مواقعهم، (شبكة الملحدين العرب)، ونجومهم التلفزيونيين، (شريف جابر، حامد عبد الصمد، الأخ رشيد)، وبرامجهم التلفزيونية الشهيرة، ( آية وتعليق، البط الاسود، سؤال جريء، صندوق الإسلام).
تقول الأرقام أن الإلحاد العربي والإسلامي في حالة صعود. هذه هي النتيجة غير المتوقعة التي كشف عنها استبيان لمعهد “وين غالوب” لاستطلاعات الرأي العام عام ٢٠١٢.  في السعودية، مهبط الوحي، قال ١٩% إنهم “لادينيون”، بينما وصف ٥% أنفسهم بأنهم “ملحدون”. هذه النسبة تكاد تتطابق مع نسبة اللادينين في الولايات المتحدة .وإذا حوّلنا نسبة ال٥% إلى أرقام، فإننا نتحدث عن مليون ملحد سعودي ، و٤ ملايين لاديني.
حسب نتائج الاستطلاع، فإن ٢% من سكان العالم العربي ملحدون، وعدد سكان العالم العربي ٣٧٠ مليوناً، فهذا يعني أن هناك ٧ ملايين ملحد عربي.
في كتابه عربٌ بلا رب”، الصادر عام ٢٠١٤، قدم الصحفي البريطاني، براين ويتكر، صورة مفصلة، لتجربة الإلحاد عند العرب في السنوات الأخيرة. وهي كما وصفها، طريق طويلة تبدأ بالشك في العقيدة (الله والعدل الإلهي واليوم الآخر)، أو صدمة في بعض مباديء الدين، التي يرونها منافية لروح العصر ،(العبودية، الردة، الجهاد، الفتوحات، دونية المرأة، اللامساواة بين المسلمين وغيرهم)، لتتحول بعد ذلك، إلى اللادينية، أو الإلحاد الكامل.
لا بد من التفريق هنا بين ثلاث حالات من “اللادينية”، يجري الخلط بينها هي، (الإلحاد، والربوبية، واللاأدرية)، لنستطيع فهم ظواهر نقد الدين، ونقضه بين عرب اليوم. الحالة الأولى اللادينية، هي”الإلحاد”، والمقصود به إنكار وجود إله خالق للكون، وإنكار الخلود، والحياة الآخرة. لكن هناك حالة أخرى، يجري الخلط بينها وبين الإلحاد، هي “الربوبية”، والمقصود بها، الإيمان بوجود الله، لكن دون الإيمان بالأديان أو الأنبياء. أما الحالة الثالثة، فهي “اللاأدريه” وتعني التذبذب في فكرة الإله والأديان، مع عدم الحسم باتجاه التصديق أو التكذيب.
بين هذه الحالات الثلاث، فإن “الربوبية”، هي الحالة الأكثر انتشاراً بين اللادينيين العرب، وسأشرح أسباب ذلك لاحقا.
عبر عشرات المقابلات التي أجراها كتاب “عرب بلا رب”، مع ملحدين من السعودية ومصر واليمن والبحرين وتونس والمغرب وفلسطين، نرى اللادينيين العرب يبحثون عن ضمير أخلاقي عصري، يعترف بالحقوق العالمية للإنسان، وحرية العقيدة والتفكير والضمير وحرية المرأة والفردية والإبداع والتفاعل المثمر والندي مع العصر، فلا يجدون من المتحكمين في الخطاب الديني، إلا إعادة طلاء للمفاهيم العتيقة بألوان جديدة. وهنا، يصبح حبس المرأة في البيت تكريماً، والحرب الدينية سلاماً، واستعباد الناس باسم الكهنوت تحريراً، والدفاع عن التقاليد الإجتماعية المتخلفة فضيلة.
أما حين نأتي للتفكير العلمي، نجدهم يصطدمون كثيراً بالنصوص، التي تتحدث عن الخوارق والمعجزات، (الإسراء والمعراج، معجزات الرسول، الجن والشياطين والعين والسحر)، ويطلبون إعادة تفسيرها، بما يتناسب وآخر منجزات العلم، وأبسط مباديء العقل.الإلحاد المعاصر ظاهرة أشد تعقيداً مما نظن، لكن الملفت للنظر، أن اغلب الملحدين كانوا متدينين، أو خرجوا من أسر متدينة.  وهذا يتناقض مع الاعتقاد الشائع، أن الإلحاد واللادينية، تنتشر بسبب ضعف المعرفة الدينية، أو ضعف سلطة الدين. بل على العكس من ذلك، أغلب الملحدين درسوا الدين جيداً، واطلعوا على نصوصه الأصلية، وكل حالات الإلحاد، سبقتها حالة تدينٍ عميقة، انتهت بالخروج من الدين!
النتيجة الأخرى التي تكشفها دراسة حالات الالحاد، أن قوة السلطة الدينية، وقوة الخطاب الديني، الذي يضيق خيارات التفكير والحرية أمام المؤمن، تدفع أكثر نحو الإلحاد، (عدد الملحدين في السعودية، أكثر من عددهم في لبنان وتونس الأكثر انفتاحا). وهذا يتناقض مع فكرة شائعة أخرى، ترى أن “الحرية”، هي سبب انتشار الالحاد، بينما يبدو العكس صحيحاً.

هناك حضوركبير للمرأة في ظاهرة الإلحاد، حوالي 40% من الملحدين نساء). هذه النسبة العالية، يمكن تفسيرها بذكورية الدين والخطاب الديني، والعوائق الضخمة التي يضعها الخطاب الديني التقليدي، في وجه حرية المرأة وكرامتها ومساواتها.

 

هكذا يبدو  للنساء في الشرق الاوسط، أسباب اكثر من الرجال للتخلي عن الدين. (بعض أسئلة الملحدات هي:  كيف يحرم الإسلام  علاقة الحب، ويحلل السبي والإغتصاب وزواج الأطفال؟ ولماذا لا تخاطبني النصوص الدينية إلا بصفتي تابعا أو متاعا للرجل؟)
الإلحاد “الإسلامي” ليس ظاهرة طارئة، بل ظاهرة مشهورة في التاريخ الإسلامي.
يرى أستاذ الفلسفة المصري، عبد الرحمن بدوي، أن الإتجاه العام في الحضارة الاسلامية، كان “الربوبية” وليس “الإلحاد”، فإذا كان شعار الإلحاد الغربي، “موت الإله”، فإن شعار الإلحاد الاسلامي كان ” موت النبوة”.
و كما يبدو، لا زال الاتجاه العام للادينية العربية هو “الربوبية”، أي الإيمان بالإلهو وإنكار النبوات والشرائع. كان “زنادقة” الحضارة الإسلامية الكبار، من أبي العلاء المعري إلى الكندي والفارابي وابن المقفع وابن سينا وعمر الخيام “ربوبيين”، ينكرون الأديان والنبوات، لكنهم يؤمنون بوجود إله، تختلف صورته وماهيته من فيلسوف إلى آخر.
وكما ظهر الالحاد الكلاسيكي في القرن الثاني الهجري، بسبب فشل الحياة الدينية في مواكبة التطور الاجتماعي والعقلي، فان الالحاد المعاصر، ظهر نتيجة استنفاذ الخطاب الديني، لقيمته التداولية، ولعجزه عن التصالح مع العصر.
لكن، هناك فارق جوهري بين إلحاد اليوم وإلحاد الأمس. كان إلحاد الماضي نخبوياً، ينتشر بين صفوف الطبقة العليا من المثقفين، لكن الالحاد اليوم، إلحاد شعبي ينتشر بين المسلمين بمختلف انتماءاتهم الطبقية ومستوياتهم التعليمية.
كان كتاب “وهم الإله” لأشهر ملحدي اليوم “ريتشارد دوكنز”، من أكثر الكتب التي بحث عنها العرب على الإنترنت عام ٢٠١٥. في نفس الفترة، كان الكتاب يباع سراً في بعض مكتبات صنعاء، وينفذ في سرعة قياسية. خلال زيارتي للأردن، لاحظت أيضاً أن نسخته الانجليزية، لا زالت من أكثر الكتب اقتناءاً من قبل الزوار.
وخلال نقاشاتي مع شباب من اليمن والأردن وسوريا ومصر والمغرب وتونس والعراق، كانت “هموم الإلحاد”، أحد المواضيع الرئيسية التي يناقشونني فيها. وصرت معتاداً على رسالةٍ نصف أسبوعية تصلني على “الخاص” في حسابي الفيسبوكي بعد منتصف الليل. في كل مرةٍ تصلني من شابٍ أو شابةٍ جديدة عبارات مرتعبة: “لقد فقدت إيماني بالدين فماذا أفعل؟”
من بين الخرافات الشائعة، أن القراءات العلمية والفلسفية، هي سبب الإلحاد، وهذا غير صحيح.
كان الإلحاد تياراً فرعياً جدا بين الفلاسفة، وأغلب كبار الفلاسفة لم يكونوا ملحدين. كما كان الإلحاد اتجاها فرعيا بين العلماء، فأغلب العلماء ليسوا ملحدين. الذي يدفع شباب اليوم إلى الإلحاد ليست أفكار كارل ماركس،و لا أفكار سيغموند فرويد ولا نظريات داروين، ولكنها أفكار ابن تيمية والخميني وابن عثيمين وسيد قطب والسيستاني وغيرهم.
أما طريق الإلحاد، فلا يبدأ بقراءة “أصل الأنواع” أو “رأس المال”، ولكنه يبدأ بالصدمات الفكرية والأخلاقية، التي يتلقاها الشباب وهم يقرؤون البخاري والكليني والخميني والصارم المسلول ومعالم في الطريق وتوحيد الخالق.
ما يدفع شباب اليوم إلى الإلحاد هو الخطاب الديني المتطرف، الذي يحرم أو يتشكك في كل شيء إيجابي في الحياة، من العلم إلى الحرية إلى الفن والديمقراطية والعلمانية والمساواة، بحيث يجد الشاب نفسه بين خيارين مرين: إما التدين والكراهية والعزلة، وإما الإلحاد والانفتاح على الحياة.
نعم … صارت ظاهرة الإلحاد بين الشباب مقلقة للبعض، لكني لا أراها كذلك.
فالإلحاد موقف شخصي، قد يكون دائماً أو مؤقتاً. ولأنه موقف شخصي، فليس له تبعات عامة، ولا يؤثر على الآخرين، ولا يدعو إلى القلق، أو كما تفترض بعض الدعوات أنه “للعلاج”.
على العكس من ذلك، أرى أن للالحاد، وظيفة إيجابية عندما يتوحش الخطاب الديني، الذي صار معادياً للعقل والسلام والحرية والمساواة والتقدم. في هذا الوضع الخاص، يشكل الإلحاد ضغطاً قوياً نحو إصلاح الخطاب الديني وأنسنته.
وصرخة الشباب العرب اليوم، ليست “موت النبوة” كما قال أجدادهم، ولا “موت الإله” كما قال الفلاسفة الأوربييون، ولكنها صرخة من أجل إيمان جديد، لا يعادي قيم العصر واخلاقياته، ولا يتناقض مع العقل والعلم، ولا يقدس العنف والقتال والمذابح.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.