fbpx

تعالوا نفكّر معاً: كيف سنواجه صفقة القرن؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لماذا وصلنا إلى هنا؟ وما الذي ينبغي عمله للحفاظ على الحقوق الوطنية الفلسطينية، أو للتخفيف من مخاطر خطة “صفقة القرن” على شعب فلسطين وقضيته الوطنية؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تقوم خطة صفقة القرن، التي تتهيّأ الولايات المتحدة لطرحها وفرضها في المنطقة، على الفصل والتفكيك لتغيير مبنى قضية فلسطين ومعناها، بما يتناسب والمصالح الإسرائيلية، مستغلّة في ذلك الظروف العربية والدولية الراهنة. بيد أن المطلوب الآن ليس التحليل، أو الرفض، فقط، إذ إن الأهم من هذا أو ذاك التفكير في الإجابة على سؤالين: لماذا وصلنا إلى هنا؟ وما الذي ينبغي عمله للحفاظ على الحقوق الوطنية الفلسطينية، أو للتخفيف من مخاطر هذه الخطة على شعب فلسطين وقضيته الوطنية؟

بداية تجدر ملاحظة أن تلك الخطة ترتكز على ثلاثة محاور، الأول، تفكيك قضية فلسطين وشعبها، إذ يختصر الشعب بالفلسطينيين في غزة والضفة، باعتبارهم مجرد سكان، وليسوا شعباً أو جزءاً منه، سكان يعيشون في معازل، بلا حقوق اجتماعية وسياسية وتاريخية. والثاني، فك الارتباط العربي بقضية فلسطين، وفصل علاقة إسرائيل بالأنظمة عن حقوق الفلسطينيين، كما عن وجودها في الأراضي التي احتلتها (1967)، أي مجرد تطبيع مقابل تطبيع. والمحور الثالث، تكريس إسرائيل كفاعل وكشريك متميّز في قلب العالم العربي، حتى لو كانت بالنسبة إلى الفلسطينيين بمثابة دولة استعمارية – عنصرية (“أبارثايد”).

وقبل التفكير في الخطوات الممكنة لمواجهة الخطة المذكورة، من المفيد مراجعة الأخطاء التي وقعت فيها الحركة الوطنية الفلسطينية، وأوصلتها إلى هذه اللحظة، وأهمها ما يلي:

أولاً، تخلّيها، باكراً (1974)، عن الرواية الجماعية، بقبولها التعاطي وكأن الصراع بدأ في 1976 مع احتلال الضفة وغزة، وليس في 1948 مع النكبة وإقامة إسرائيل وتشريد معظم شعب فلسطين، ظنّاً أو توهّماً منها أنها تكسب الشرعية، فخسرت القضية والشرعية، عند شعبها وفي العالم، وازدادت إسرائيل غيّاً، بمصارعتها حق الفلسطينيين في الضفة والسيادة وتقرير المصير.

ثانياً، تعاطيها مع واقع تفكّك الشعب الفلسطيني، بإخراجها فلسطينيي 1948 من معادلاتها السياسية وإطاراتها التنظيمية، إذ وصل الوضع اليوم إلى حد إخراج تجمعات أخرى، أي اللاجئين في الأردن وسوريا ولبنان، وحصر مفهوم الشعب بفلسطينيي الضفة وغزة المحتلتين (1967).

ثالثاً، تركيزها على الصراع مع إسرائيل، وبخاصة حصره في مجال الكفاح المسلح، بغض النظر عن إمكاناته، وإهمالها البعد المتعلق ببناء الكيانات الجماعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتنمية الموارد البشرية، وانتهاج أشكال الكفاح الشعبية المتاحة والممكنة.

رابعاً، اعتمادها أو ارتهانها في مواردها، وفي أشكال كفاحها، على الخارج، بدلاً من الاعتماد على إمكانات شعبها الذاتية وقدراته وخبراته الكفاحية.

الفكرة أن الفلسطينيين لا يستطيعون شيئاً كبيراً في هذه الظروف، القاهرة  والمعقدة، ولا سيما في ظروف انهيار المشرق العربي، لكنهم مع ذلك يستطيعون تقليل الأكلاف

الآن، هل تمكن مواجهة “صفقة القرن”، وفق الظروف الذاتية والمحيطة؟ كيف؟ وبماذا؟ طبعاً هذان سؤالان كبيران، لكن الأمر يتطلب حث التفكير، على الأقل لتفويت استهدافات الخطة أو التقليل من مخاطرها. وهذا يتطلب ليس إنشاءات عاطفية أو شعاراتية، وإنما خطوات عملية، ربما يأتي أهمها على النحو الآتي:

أولاً، مقابل تفكيك القضية والشعب، ينبغي التمسّك بوحدة الشعب والقضية والرواية، وبناء الرؤى السياسية والإطارات بناء على هذا المفهوم، وذلك ما ينبغي تعزيز الاشتغال عليه، وضمن ذلك، إنهاء الانقسام، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كي تصبح ممثلاً لكل الفلسطينيين، في أماكن وجودهم، مع مراعاة خصوصية كل تجمع، على أسس وطنية وكفاحية وديموقراطية وعلى قاعدة الانتخابات، حيث أمكن ذلك.

ثانياً، مقابل محاولة إسرائيل مصارعة الفلسطينيين حتى على جزء من الأرض (في الضفة مثلاً) وجزء من الحقوق، يفترض بالحركة الوطنية الفلسطينية صوغ رؤى وطنية تتأسس على استعادة التطابق بين شعب فلسطين وقضية فلسطين وأرضها، والتصارع مع إسرائيل على كل الحقوق، الفردية والوطنية، واعتبار أن أي حل لأي قضية أو لأي جزء من الشعب ليس بديلاً عن حل شامل يتأسس على الحقيقة والعدالة (ولو النسبية)، وعلى قيم الحرية والمواطنة والمساواة وتقرير المصير لكل الفلسطينيين.

ثالثاً، تأكيد أن العملية الوطنية الفلسطينية لها وجهان، الأول، مقاومة سياسات إسرائيل الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية. والثاني، يتمثل بتمكين شعب فلسطين من بناء مؤسساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز إجماعاته الوطنية، وتنمية موارده البشرية، وتعزيز صموده في الداخل.

رابعاً، اعتماد الأشكال النضالية التي تساهم في تعزيز صمود الفلسطينيين في الداخل، في فلسطين التاريخية (48 – الضفة – غزة)، وفي الأساس منها المقاومة الشعبية، ومختلف الأشكال المشروعة التي يقرها المجتمع الدولي لمقاومة الاحتلال. ويجدر لفت الانتباه هنا إلى أن إسرائيل تتمتع بحماية دولية، ناهيك بتفوقها العسكري، وأنه ليس مسموحاً للفلسطينيين، بخاصة في هذه الظروف العربية والدولية غير المواتية، استثمار تضحياتهم ونضالاتهم. وتأسيساً على ذلك فإن الأجدى للفلسطينيين استثمار طاقاتهم، في هذه الظروف، في تعزيز وجودهم، لا التسهيل لإسرائيل زعزعة وجودهم، بشن الاعتداءات عليهم بين فترة وأخرى، أو اجتياح مناطقهم، كما حصل في اجتياح لبنان (1982) واجتياح الضفة في عمليتي السور الواقي والطريق الحازم (2002 – 2003)، والحروب الثلاث على غزة، مع ملاحظة عدم التسرع والمبالغة في تحميل فلسطينيي غزة أكثر مما يحتملون، إذ يجب إدراك أن إسرائيل تتوخّى خنق غزة، على المدى الطويل، ولنتخيل بقاء المعادلة التي تعيشها غزة تحت الحصار والقصف والاعتداءات، لعشرة أعوام أخرى.

الفكرة أن الفلسطينيين لا يستطيعون شيئاً كبيراً في هذه الظروف العربية والدولية، القاهرة والمختلّة والمعقدة، ولا سيما في ظروف انهيار المشرق العربي، لكنهم مع ذلك يستطيعون تقليل الأكلاف والمخاطر التي يمكن أن تنجم عما يسمى خطة “صفقة القرن”، بيد أن ذلك يتوقف على حسن إدراكهم لهذا الواقع، وطريقة تدبرهم لإعادة بناء أوضاعهم؛ في انتظار ظروف مواتية أكثر لتطوير كفاحهم واستعادة حقوقهم.

 

إلى الذين يحبّون غزّة…