fbpx

دونالد ترامب حارب الحقيقة.. ويبدو أن الحقيقة على طريق الخسارة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

في المؤتمر الوطني الجمهوري الذي انعقد صيف ٢٠١٦، خطب دونالد ترامب أمام الجمهور والكاميرات، قائلاً “أنا صوتكم”. إذا كان ترامب صوت أولئك الذين يشعرون بالغضب، أولئك الذين يسيطر عليهم شعور أن بلادهم قد سُلبَت ويرغبون في استرجاعها، إذن ماذا يقول ذلك الصوت؟ لأننا إذا استطعنا إطلاق أحكام حول ما قاله ترامب على مدى العامين الماضيين،

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في المؤتمر الوطني الجمهوري الذي انعقد صيف ٢٠١٦، خطب دونالد ترامب أمام الجمهور والكاميرات، قائلاً “أنا صوتكم”.
إذا كان ترامب صوت أولئك الذين يشعرون بالغضب، أولئك الذين يسيطر عليهم شعور أن بلادهم قد سُلبَت ويرغبون في  استرجاعها، إذن ماذا يقول ذلك الصوت؟ لأننا إذا استطعنا إطلاق أحكام حول ما قاله ترامب على مدى العامين الماضيين، فنستطيع ملاحظة أنه لا شيء مما يقوله صحيح. بعض ما يقوله هو عبارة عن أكاذيب متعمدة، وبعضه فانتازيا أو رغبة، والكثير منه عبارة عن صراخ عنصري غريب الأطوار.
ربما ما كان صوت الشعب يقوله هو أن الواقع غير مقبول في شكله الحالي، وهو هنا ليصنع بدلاً منه واقعاً آخر. لقد كان هناك الكثير من الخطابات البليغة والغاضبة التي تدور حول عدم اهتمام ترامب بالحقائق وعدم اهتمام أنصاره أو المسؤولين الجمهوريين المنتخبين الذين يتبعونه بعيون مغلقة كذلك. مشروع قانون الضرائب الذي يجري الضغط عليه حالياً في الكونغرس تحت ادعاءات كاذبة تماماً يقدم مثالاً تقريبياً، وقد يصيبنا الإرهاق ونحن نسرد عشرات الأمثلة الأخرى.
ربما “الحقائق البديلة” والواقع الزائف الذي تصنعه السياسة الترامبية ليست آثاراً جانبية أو نتيجة ثانوية بل هدف مركزي. سبق أن قال جان بودريار، إنه بعد هجمات عام ٢٠١١، دخل العالم مرحلة جديدة من الصراع التاريخي، وصفه بالحرب العالمية الرابعة، حيث يكون النظام الرأسمالي العالمي  في حرب مع نفسه.
ولا تزال هذه صياغة مفيدة لفهم عودة القومية اليمينية واليسارية المتطرفة في العديد من الأماكن المختلفة، بعد فترة طويلة من “نهاية التاريخ” المفترضة. ولكن عندما يتعلق الأمر بظاهرة ترامب، فإنه قد لا يقطع شوطاً كافياً لتفسيرها. وعلى الرغم من أن ترامب ليس ذكياً ولا مطلعاً، إلا أنه يمتلك عبقرية أدائية لا يمكن إنكارها ولا ينبغي التقليل من شأنها، وهي ما ساعده على هزيمة خصومه. وهنا، ليس من المفيد الاستمرار في الاندهاش من عدم وجود إنجازات له أو معنى لسياساته، و كأن هذا اكتشاف قد يغير رأي أي شخص. هذه هي في الواقع ركائز رئاسة دونالد ترامب.
إنه يشن حرباً ضد الحقيقة، وحتى هذه اللحظة الحقيقة تخسر.
وهذه ليست ملاحظة جديدة، فالعديد من المعلقين عملوا على إصدار العديد من النسخ والمقاربات لهذه الحجة على مدار عدة أشهر. وقد تم تناولها بعناية تفصيلية أكبر من قبل الكاتب الصحفي توماس ب. إدسال، الذي أشار إلى أن ترامب “قام بمفرده بتخريب المبادئ الأساسية للديمقراطية الأمريكية أكثر مما فعل أي وكيل أجنبي أو أية حملة دعاية أجنبية”.
في كتابها “أصول الاستبداد” ، تصف حنة أرندت ما كأنه يشبه واقعنا اليوم، “يمكن للمرء ذات يوم أن يجعل الناس يصدقون البيانات الوهمية، والوثوق بأنك إذا أعطيتهم دليلاً قاطعاً على كذبها في اليوم التالي، سيلجأون للسخرية. وبدلاً من هجر القادة الذين كذبوا عليهم سيحتجون بأنهم عرفوا كذبهم منذ البداية، وسيعجبون بالقادة لذكائهم التكتيكي المتفوق.”
وفهم هذا  في سياقه المعاصر الكامل، قد يحمل مفتاح رئاسة ترامب. فإذا كان التزييف هو مضمون وغرض هذه الرئاسة في الواقع، وإذا كان الجميع يدرك هذا بقدر ما، فإننا على الأقل متحررون من التعذيب الذاتي اللانهائي من قبل وسائل الإعلام وعلم الانسان الهاوي فيما يتعلق بالطبقة العاملة المؤيدة لترامب.
دعونا نعطي من انتخبوا ترامب القليل من التقدير، إنهم ليسوا أغبياء للاعتقاد بأن وعوده السخيفة يمكن أن تتحقق، وأن رئاسته سوف تتوج بجدار حدودي شبيه بما في “صراع العروش”، وبطرد جميع المهاجرين المسلمين واللاتينيين، والإعدام العلني لهيلاري كلينتون. نحن نتحدث عن فئة وأمة تعلمت الاعتقاد بأن علاقات القوة لن تتغير أبداً، وأن السياسة هي كارثة لا معنى لها، وأن الحياة الأمريكية مرتبطة بوظائف مملة واستهلاك لا نهاية له.
وبالنظر إلى ذلك، فإن ما كانوا يصوتون عليه حقاً بتصويتهم لدونالد ترامب هو النسخة التي شوهدت على الشاشات حيث عرض للكراهية والخطابات المبتذلة والاستفزاز المتعمد.
ولكن، لا يبدو أن مؤيدي ترامب سوف يتخلون عنه طالما أنه يواصل أداء دوره كملك كرنفال.
فالكذب على الناخبين يناسب القرن العشرين، واستقطاب الناخبين البيض من الطبقة العاملة عن طريق سياسة ثقافة الحرب الوهمية حتى أنهم سوف يصوتون بحماس ضد “مصالحهم الاقتصادية”.
ترامب لا يقول الأكاذيب فقط، بل إنه يكدسها بعضها فوق بعض. فهو يبقيها لفترة من الوقت ثم يلقي بها بعيداً، يغير جلده مثل ثعبان. إنه يخلق كوناً كاملاً من الأكاذيب ويدعو مستمعيه للعيش فيه، كما هو الحال في حدائق والت ديزني التي تخلق دولة أمريكية مزيفة أكثر ترحيباً من الحقيقة.  ويبدو تسونامي ترامب الرهيب من الكذبات المستحيلة التي لا يمكن لأي شخص عاقل تقبلها شيء مثل غمزة تآمرية من الساحر للجمهور الذي وصفته أرندت بأنه، لجأ إلى السخرية. قال ترامب لأتباعه ما مفاده، أنتم تعلمون وأنا أعلم أن السياسة بأكملها مؤسسة قائمة على الاحتيال، إذن دعونا نثبت ذلك من خلال القيام بأكبر عملية احتيال على الإطلاق. فهو وعد أتباعه بأميركا الرائعة التي لم توجد أبداً ولا يمكن أن تكون، وطوال الوقت كانوا يعرفون أو يشكون بأن الأشرار المجهولين سيمنعون تلك الأوهام من أن تتحقق. ولكن ألا يستحق هذا أن يعانوا بعض الألم بأنفسهم، أو ربما بكمية كبيرة، لإلحاق انتقام رمزي بأولئك الذين يعتقدون أنهم متفوقون؟ ألم يكن هذا يستحق التضحية بالديمقراطية والانحدار إلى السخرية من أجل الإثبات للنخب المضحكة  بأن أمريكا لم تكن  متعددة الثقافات كما كانوا يعتقدون؟
ترامب ليس سوى بائع خبير يعتمد على أسس صحيحة جزئياً على الأقل، وهي أن الناس يحبون أن يُكذب عليهم، ويتوقعون أن يخيب أملهم من السلع الواقعية. كان تخصصه، قبل كل شيء، هو “فن عقد الصفقة”. وقد بنى رئاسته المبهرة على مبدأ مماثل، كبرج ترامب الظاهري اللامع، تمثل في أكاذيبه التي تحير خصومه وتسمح لعشاقه بالاستمتاع  بالسخرية، معتقدين أنهم حصلوا أخيراً على نظرة خاطفة لما يجري وراء الستار، وكيفية سير الأمور. وهو ما يعد نجاحاً باهراً حسب شروطه الخاصة.
قالت حنة أرندت،”إن الجمهور الذي لم يعد يؤمن بأي شيء، محروم ليس فقط من قدرته على التصرف بل أيضاً من قدرته على التفكير والحكم. ومع شعب كهذا يمكنك حينها أن تفعل ما تريد”.
هذه المادة مترجمة عن salon   للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا
 [video_player link=””][/video_player]