fbpx

مناهضة رهاب المثلية: ماذا عن الأحزاب المصرية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

شهد حادث حفل مشروع ليلى قبل عامين أول رد فعل أو اشتباك حقيقي للأحزاب والحركات السياسية حقوق المثليين والعابرين جنسياً في مصر، إلا ان ردود فعل الأحزاب السياسية تجاه قمع أعضاء مجتمع الميم وملاحقتهم أمنياً، ما زالت ضعيفة حتى اليوم…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في خريف عام 2017 حدثت أكبر موجة ملاحقات أمنية في تاريخ مجتمع الميم المصري. حصل ذلك بعد حفل فرقة “مشروع ليلى” اللبنانية، الذي أقيم في أحد المراكز التجارية شرق القاهرة، والتي قامت خلالها مجموعة من داعمي حقوق مجتمع الميم في مصر، برفع علم قوس القزح، الذي يرمز الى التنوع في الميول الجنسية والتطلعات. لقي هذا الحدث أصداء واسعة وخلال أسابيع، وتم القبض على 76 شخصاً، يعرفون أنفسهم بمثليي الجنس، أو من يظن أنهم كذلك، إضافة إلى عدد من النشطاء الداعمين للقضية، بحسب إحصاءات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. لم تتوقف الهجمة عند هذا الحد، بل هي مستمرة حتى اليوم ولكن بوتيرة أقل حدة.

فرقة “مشروع ليلى” اللبنانية

وعلى رغم أن موجة القمع التي تبعت حادث حفل مشروع ليلى، هي الأسوأ في تاريخ الملاحقات الأمنية لأعضاء مجتمع الميم في مصر، إلا أنها مثلت نقطة تحول خطيرة في علاقة قضايا مجتمع الميم والحريات الجنسية بالسياسة. فالملاحقات الأمنية الممنهجة للمثليين بدأت عام 2001 في واقعة كوين بوت، التي تجاهلتها تماماً القوى السياسية، ولم يتفاعل معها سوى منظمات حقوقية دولية وعدد أقل من المنظمات الحقوقية المحلية. تجددت الملاحقات الأمنية للمثليين أو من يشك بميولهم الجنسية، وبخاصة الرجال، منذ الربع الأخير لعام 2013. وشهدت السنوات السابقة حوادث قمع بحق المثليين إضافة إلى التنكيل بهم، مثل القضية المعروفة إعلامياً “بزواج “الشواذ”، وكذلك قضية حمام باب البحر. اللافت هو تجاهل الأحزاب السياسية بجميع أطيافها للأمر، بحيث انحصرت ردود الفعل في دوائر الإعلاميين والنشطاء، وكان أغلبها يتمحور حول إدانة المذيعة منى عراقي التي قامت بإبلاغ الشرطة عن الحمام الشعبي (باب البحر) ورافقت الشرطة أثناء مداهمة المكان.

بين عامي 2000 و2013 تم القبض على 185 شخصاً، و232 شخصاً بين عامي 2013 و2017، ما يشير إلى زيادة في عدد المقبوض عليهم 5 أضعاف، فبعدما كان يتم القبض على 14 شخصاً في العام الواحد، ارتفع العدد إلى حوالى 66 شخصاً كل عام. لم تتوقف تلك الهجمات عند هذا الحد، بل نجدها مستمرة حتى الآن، إذ قُبض على حوالى 140 شخصاً، في عامي 2017 و2018، بحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. استمرار تلك الحملة في بشكل ممنهج من الدولة، إضافة إلى التعديات الممارسة في حق أعضاء مجتمع الميم المصري، وعدم وجود موقف سياسي أو رد فعل واضح يطالب الحكومة بالتوقف عن تلك الممارسات، من تعقب المثليين والقبض عليهم بتهمة “اعتياد ممارسة الفجور”، المُجرَّمة وفقاً للمادة التاسعة من قانون رقم 10 لعام 1961 لمكافحة الدعارة، من طريق الإيقاع بهم عبر تطبيقات المواعدة.

بين عامي 2000 و2013 تم القبض على 185 شخصاً، و232 شخصاً بين عامي 2013 و2017، ما يشير إلى زيادة في عدد المقبوض عليهم 5 أضعاف

الميم والأحزاب

قبل الحكم على ردود فعل الأحزاب والحركات السياسية المصرية وطريقة تعاطيها مع قضايا مجتمع الميم، لا بد من تأكيد أن الحكومة المصرية نجحت في إجهاض كل ما يتعلق بالسياسة في مصر، منذ انتهاء عام 2014. فالأحزاب والحركات السياسية نفسها تواجه موجات متتالية من القبض الممنهج على أعضائها. ويبدو حضور الأحزاب في المشهد السياسي في مصر، شبه معدوم.

شهد حادث حفل مشروع ليلى أول رد فعل أو اشتباك حقيقي للأحزاب والحركات السياسية مع هذا النوع من القضايا، الخاص بحقوق المثليين والعابرين جنسياً في مصر، فأصدرت حركة الاشتراكيين الثوريين بياناً بعد تصاعد وتيرة الهجمة الأمنية وحملة الاعتقالات، التي أعقبت الحادث، تدعم من خلاله حقوق المثليين وتطالب الدولة بالتوقف عن تلك الهجمة الأمنية على من شاركوا في الحفل. وأعلنت حركة الاشتراكيين الثوريين تخوفها من ظروف احتجاز المقبوض عليهم، وانتقدت طريقة تعاطي الإعلام مع القضية. تعليقاً على هذا الموقف، قال مصطفى بسيوني- أحد أعضاء حركة الاشتراكيين الثوريين- “الموقف لم يكن يحتمل التأجيل داخل الحركة، فمواقفنا واضحة وصريحة تجاه هذا النوع من القضايا الخاصة بالأقليات والحريات الشخصية، ولم يكن هناك أي خلاف داخل الحركة حول البيان، ولكن واجهتنا انتقادات شديدة من الرجعيين المحافظين وبعض المنتمين للفكر الإسلامي”. وأضاف بسيوني رداً على ما إذا كان موضوع المثلية على أجندة الحركة: “بالطبع يعد الموضوع من أولوياتنا. أي قضية تخص الأقليات في مصر نعيرها اهتماماً مضاعفاً. ننشر مقالات على موقعنا تخص الحريات الشخصية منذ أوائل التسعينات. وإذا كان هناك أي تحرك أو عمل جبهوي للدفاع عن حقوقهم/ن لن نتأخر للحظة في ذلك”.

أضاف بسيوني “يجب أن تبذل الأحزاب والحركات السياسية جهداً بخصوص قضايا المثليين، بخاصة أن الموضوع يحتاج لعمل طويل لكسر الأفكار الرجعية التي تصيب مجتمعنا المحافظ. نعلم أن هناك قيوداً اجتماعية شديدة لكن علينا المقاومة والعمل على تطوير وتغيير وعي أعضاء الحركة تجاه قضايا الأقليات، وهو الأمر الذي يحتاج إلى وقت، للتخلص من رواسب تكونت في سنين طويلة داخل مجتمعنا المصري”.

موقف “حزب العيش والحرية” كان مختلفاً، فمن ناحية كانت سارة حجازي – ممن تم القبض عليهم بسبب واقعة التلويح بالعلم- عضواً في الحزب، ولكن من ناحية أخرى شهد الحزب انقساماً واضحاً حول أهمية إصدار بيان لإدانة الهجمة الأمنية ضد أعضاء مجتمع الميم من عدمه. وشهد الحزب نقاشاً داخلياً، نتج عنه رفض الخروج ببيان عن القضية والاكتفاء بإصدار بيان داعم لزميلتهم سارة حجازي. لم يرحب مكتب الطلبة في “حزب العيش والحرية” بهذا القرار، ما دفعهم للخروج ببيان يمثلهم، يدافعون فيه عن حقوق المثليين، مطالبين بإطلاق سراح المقبوض عليهم، لا سيما حجازي. وعند سؤال أحد أعضاء “حزب العيش والحرية” عن هذه الواقعة، قال “لم تعهد الأحزاب في مصر التعامل مع مثل هذه القضايا، وقد حاولنا تنظيم مناقشة مفصلة داخل الحزب للخروج بقرار جماعي، وشهدت هذه المناقشة اختلافات كبيرة في الرأي ولكن النتيجة كانت أن نصدر بياناً لدعم زميلتنا سارة المحبوسة على ذمة القضية، من دون التعرض لقضية المثليين نفسها”.

وحين سئلت إلهام عيداروس وهي مؤسسي الحزب، إذا كانت حقوق المثليين على أجندة الحزب أجابت: “حاليا ليس هناك أي حراك أو عمل جبهوي على القضية، ولكننا نشجع أي عمل والمشاركة فيه، إذ ليس في القانون المصري نص واضح ضد الممارسات المثلية. تلك الممارسات ليست مشكلتها في القانون، إنما المشكلة الحقيقية في الممارسات القمعية التي تقوم بها الدولة من قبض وفحوصات شرجية”. ثم أضافت “شهد موضوع حفلة مشروع ليلى اعتداء على حرية التعبير والحريات الشخصية، وتعامل الدولة بهذا الشكل لم يبدأ من قضية الرينبو، إنما من باب البحر، وهذا الأسلوب المتبع من الدولة المصرية منذ القديم”.

أما “حزب مصر القوية” فدارت فيه جدالات كثيرة بين الأعضاء، انتهت إلى اتخاذ قرار بعدم إصدار أي رد فعل من شأنه التأثير في مستقبل عمل الحزب. وعلق أحد أعضاء الحزب على هذه العملية قائلاً: “انقسمنا إلى ثلاثة أطراف، الطرف الأول كان يرى ضرورة إصدار بيان لإدانة الشرطة والحديث عما حدث من اعتداءات واضحة، أما الطرف الثاني والذي يمثل النسبة الأكبر كان رأيه أن اﻹدانة مهمة جداً لأن ما يحدث خطأ كبير في حق المثليين وغير قانوني، ولكن لا يمكن إصدار البيان في الوقت الحالي بسبب الظرف السياسي، وكان رأي الطرف الأخير أن قضايا المثليين ليست على أجندة الحزب من الأساس، وأن بياناً كهذا من شأنه التأثير في جماهيرية الحزب، لأن هذه القضايا ليست من النوع المرحب به بين جماهير الحزب”.

إقرأ أيضاً: ترحيل ناشطين وتضييق على اللاجئين: حريات لبنان تقوضها أجهزة أمنية ومؤسسات دينية

وقال: “برنامجنا لا يتضمن شيئاً له علاقة بالمثليين على جدول أعماله، سواء بالإيجاب أو السلب، وعمرنا ما تناقشنا بخصوص إضافة الموضوع للبرنامج قبل كدا. احنا مقتنعين اننا لازم نطور من برنامج الحزب بخصوص تناوله لبعض القضايا كالدين والدولة ومواضيع أخرى، لكن للأسف تضييقات الدولة في الفترة الاخيرة حولتنا لمركز حقوقي من كتر المعتقلين بدلاً من العمل على تطوير السياسات والأعمال اللي من المفروض أن يقوم بها الأحزاب”.  واعتبر أن “الاشتراكيين الثوريين” ليس حزباً، مؤكداً أن حزبه “لا يمكن أن يخاطر بجمهوره، عبر إعلان موقف من قضية كهذه”. وسأل: “أين أحزاب اليسار من تلك القضية؟”، مردفاً: “أعضاء الحزب يؤمنون بحقوق المسيحيين وحقوق المرأة وكل تلك القضايا، لكن موضوع المثليين ليس على لائحة أولويتنا على اﻹطلاق ولا يناسب جمهورنا”.

شبان مصريون من خلف القضبان في محاكمة بتهمة ” المثلية الجنسية”

لا شك ف أن هناك أحزاباً وحركات لا تستطيع تبني هذا النوع من القضايا، لأنه سيجلب لها انتقادات كثيرة لا تتناسب مع الظرف السياسي الحالي، بعد الإجراءات التي تسعى فيها الدولة بكل الأساليب، إلى إغلاق العمل السياسي والمجال العام. على سبيل المثال، أحزاب كالدستور، المصري الديموقراطي والتحالف الشعبي، لم تعلن موقفها من القضية، وكأنّ شيئاً لم يكن.

على رغم أن ردود فعل الأحزاب السياسية تجاه قمع أعضاء مجتمع الميم وملاحقتهم أمنياً، ما زالت ضعيفة ولا تتناسب مع انتهاكات الدولة في حقهم، إلا أن مثل هذه المناقشات الداخلية والحوارات المجتمعية هي البداية الحقيقية لأي تغيير سياسي ومجتمعي حقيقي، في ما يخص القناعات والمواقف من الميول والهويات الجنسية غير النمطية، وعلى رغم أن كثراً من الناشطين والداعمين لمجتمع الميم، اضطروا للخروج من البلاد هرباً من القمع الذي طاولهم، لكن ما فعلوه هم وآخرون سيظل أثره لمدة طويلة، وسيفرض نقاشات مهمة على المجتمع. وربما نشهد بداية تكوين وجهة نظر أقل عدوانية وحدة، تجاه المغايرين أو المثليين، فيستطيع المجتمع ذات مرة تقبّل هؤلاء واحترام حرياتهم.

يُطرح في هذا السياق، سؤال مهم، متى ستصبح قضايا مجتمع الميم في أولويات الأحزاب والحركات السياسية في مصر؟

لا شك في أن هناك تغييرات حدثت، وباتت قضايا الميم مطروحة وبقوة، وباتت رائجة أو “ترند”، ومن الصعب تجاهلها.

وربما تشبه حال مجتمع الميم، بداية الحركة النسوية في مصر وقضية “الأقباط”. وهما قضيتان، لم تكونا جذابتين بالنسبة إلى الأحزاب في بادئ الأمر، لكن نضال أصحاب الحق، أجبر الأحزاب على الوقوف في صفوفهم، وأدخلت حقوق النساء والأقباط في برامج الأحزاب الدعائية والانتخابية.

ربما كل ما تحتاجه قضايا مجتمع الميم، بعض الوقت.

لماذا يدفع خالد أبو النجا ثمن دفاعه عن المثليين؟