fbpx

تاريخ فرنسا الشعبي من أبواب أخرى

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قدّم المؤرخ الفرنسي جيرار نواريل في كتابه “تاريخ فرنسا الشعبي منذ حرب المئة عام حتى يومنا هذا” رؤية مغايرة للتاريخ، جعل فيه من النضالات الشعبية للتكتلات الاجتماعية معياراً أساسياً لفهم الماضي من خلال الزمن الراهن، في ظلّ أزمة اجتماعية تعيشها البلاد على وقع حراك “السترات الصفر” الذي دخل شهره السابع كتعبير عن أطول حركة احتجاجية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على نسق العمل الموسوعي الضخم الذي قدّمه المؤرخ والناقد الاجتماعي الأميركي هوارد زين “تاريخ شعبي للولايات المتحدة الأميركية” – الذي بيعت منه مئات آلاف النسخ وأصبح مرجعاً تربوياً يُدرّس في مناهج الثانويات في الولايات الأميركية- يقدّم المؤرخ الفرنسي جيرار نواريل في كتابه “تاريخ فرنسا الشعبي منذ حرب المئة عام حتى يومنا هذا”، الصادر عن دار أغون (Agone) العام الماضي، رؤية مغايرة لهذا التاريخ، يجعل من النضالات الشعبية للتكتلات الاجتماعية معياراً أساسياً لفهم الماضي من خلال الزمن الراهن.

وتأتي أهمية هذا العمل اليوم في ظلّ أزمة اجتماعية تعيشها البلاد على وقع حراك “السترات الصفر” الذي دخل شهره السابع كتعبير عن أطول حركة احتجاجية في الجمهورية الخامسة.

في كتابها الصادر قبل ثلاثة أعوام “نضالات وأحلام، حكاية شعبية لفرنسا”، عمدت المؤرخة الفرنسية ميشيل زانكاريني- فورنيل إلى إعادة كتابة التاريخ الفرنسي بلسان من سمّتهم “المهمّشين”، وهي الفئة التي شملتها بجميع الخارجين من إطار السرد الرسمي للدولة والنخبة من فقراء ونساء ومهاجرين وعمّال. هؤلاء يحضرون في عمل جيرار نواريل ويعرّف عنهم بضحايا الهيمنة، لذلك نراه يفضّل تحليل مفهوم الهيمنة وعلاقات السيطرة التي تربط الأفراد والجماعات، من دون أن يتبنّى وجهات النظر فئات المسحوقة التي “خسرت فكرة المواجهة الاجتماعية بعد أيار/ مايو لحساب الصراعات الهوياتية”.

تأتي أهمية هذا العمل اليوم في ظلّ أزمة اجتماعية تعيشها البلاد على وقع حراك “السترات الصفر” الذي دخل شهره السابع كتعبير عن أطول حركة احتجاجية في الجمهورية الخامسة.

ينطلق صاحب كتاب “الاختبار الفرنسي: حكاية الهجرة في القرنين التاسع عشر والعشرين”، من فكرة أساسية تستدعي التمييز بين التاريخ والذاكرة لأنّ وظيفة المؤرخ تقتضي تفسير الماضي ومحاولة ربطه بالحاضر والمستقبل من دون توزيع الأحكام على الأفراد والجماعات في المحتوى التاريخي الذي يعرضه. وقد اختار نواريل القرن الخامس عشر لتأطير تلك الحكاية الشعبية لأنّه يرى أنّ حقبة جان دارك – في تقاطعها مع نهاية العصور الوسطى وإرساء الحكم الملكي- التي يصفها بـ”بطلة اليمين المتطرف واليسار المتطرف والشيوعيين مع آراغون والنسويات”، كانت فترة مؤسسة في تاريخ فرنسا وتشكّل هوية فرنسية لها بعدان: طبقي وقومي. ويسأل في مقدّمة الكتاب المؤلف من 800 صفحة: ما هو الفارق بين السكّان population)) والشعب (peuple)؟ لينتهي بخلاصة عن الروابط الاجتماعية التي تحكم العلاقة بين الحاكم والمحكوم ويبدو تأثره واضحاً بتجارب ماركسية واشتراكية في عرضه لعلاقات القوة الاقتصادية والاجتماعية.

المؤرخ الفرنسي جيرار نواريل

في مختلف القضايا التي يعالجها، يلجأ نواريل إلى استخدام أدوات بيار بورديو التي اعتمد عليها نوربرت الياس في نظرته إلى التاريخ الاجتماعي، على أنّه “عملية متعددة الأجيال يقيم خلالها الأفراد علاقات في ما بينهم تتّسم بالتوسّع والتبادل، والتي هي بشكل أو بآخر علاقات قوّة”. ويعيد نواريل تعريف كلمة قوة التي بإمكانها أن تتمظهر في إطار عرضها الأهلي للدلالة على علاقة تربط الآباء والأمهات والأطفال، كما في العلاقة التراتبية بين ربّ العمل والموظّف حتى لو كانت الآثار الاجتماعية مختلفة في الحالتين. أي علاقة قوة، بحسب نواريل، بإمكانها أن تولّد أشكالاً من الهيمنة والتضامن بين الناس. هذه النظرة النسبية لمفهوم علاقات القوة، جعلته يميّز بين “الشعبي” و”الطبقات الشعبية”، ما دفعه لاعتبار الهوية الجماعية للطبقات الشعبية مشوّهة ونتاج صناعة عضوية للطبقات المهيمنة. وعلى العكس فإنّه يرى أنّ أشكال المقاومة المستمرّة لمن هم “تحت”، لعبت دوراً حاسماً في كتابة تاريخ مشترك للانتفاضات الشعبية.

يقسّم نواريل كتابه إلى فترات زمنية، يبدأها بالعودة إلى منتصف القرن الخامس عشر، الحقبة التي انطبعت باسم جان دارك وصورتها، حيث علاقات القوة مرتبطة بنظام الإقطاع وبالطاقة الإلهية الملكية التي تبّرر امتيازات طبقة النبلاء. في هذه الحقبة، لم يكن الشعب مكوّناً من مكوّنات الدولة، وهذا ما أجّج لحلقة من العنف الذي اتخذ شكل الصراع الداخلي والانتفاضات المحلية التي لم تثمر ثورةً حتى عام 1789. يخلص نواريل في هذا القسم إلى رسم ضدّين متنافرين طبقياً، ومتكاملين اجتماعياً في تأطير علاقات القوة وفي تأجيج المواجهة: الشعب كعنصر خارجي مهمّش     (extérieur exclu) وطبقة النبلاء التي هي أساس الدولة وعمادها ومكوّنها الذي يتوجّس دائماً تصاعد العنف لما له من تبعات على مركزها ووجودها.

في القسم الذي أطلق عليه اسم “رموز سود” (codes noirs) يحاول الأستاذ المحاضر في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية، أن يجيب على سؤال نظام العبودية الكولونيالي والدور الذي لعبته في اكتشاف “العالم الجديد”، ويستحضر دينامية كولبير وزير مالية لويس الرابع عشر وحركيته في تأسيس مدرسة “الإتجارية” (mercantilisme)، التي نظّرت لفكرة الأسواق الثابتة وتنمية قطاعي الصناعة والتجارة على حساب قطاع الزراعة. شجّع كولبير على السياسة الاحتكارية ما وراء البحار ودعم الصناعات النموذجية، ووضع خطة اعتمدت على الميزان التجاري الموجب (الذي يصب في مصلحة الدولة) عبر زيادة الصادرات وخفض الاستيرادات.

غلاف كتاب “تاريخ فرنسا الشعبي منذ حرب المئة عام حتى يومنا هذا”

ينتقل نواريل في سرده إلى الفترة التي سبقت اندلاع الثورة ويربطها بالنتاج المعرفي للفلاسفة كفولتير وروسو وديدرو الذين عملوا على خلق مساحة عامة جعلت إمكان المواجهة مع السلطة الملكية أكثر حضوراً. يرى نواريل أنّ السؤال الأساسي الذي رافق حقبة الثورة تمحور حول كلمة “مواطنة” التي اتخذت مفهومين نقيضين. الأوّل، ربط المواطنة بـ”البرجوازية” وعبّرت عنه النخبة التي اعتبرت نفسها تمتلك القدرات التي لا يمتلكها الشعب، ما يخوّلها لممارسة بالحكم ومصادرة رأي الشعب أو إقصائه. أما الثاني، فعبّرت عنه فئة ثورية راديكالية بين عامي 1792 و1794، عرفت باسم Les sans-culottes وقد أطلق عليهم هذا الاسم لتمايز زيّهم ولباسهم عن المجموعات الثورية الأخرى.

رأى هؤلاء أنّ مفهوم المواطنة يجب أن يقترن بـ”الديموقراطية المباشرة” démocratie directe))، إذ لم يسمح النظام الانتخابي- الذي ينصّ على حق المواطنين الذين يدفعون مجموعاً محدداً من الضرائب، في الاقتراع والتعبير عن مطالبهم وتوجّهاتهم. فأسّسوا ما عرف بـ”المجتمعات الشعبية”  (sociétés populaires) وانتظموا في نوادي الفرنسيسكان واليعاقبة وتابعوا التشريعات والقوانين التي يتم التصويت عليها في الجمعية الوطنية. يأتي نواريل على دعم تلك المجموعة للجنة السلامة العامة في “عهد الإرهاب” للتدليل على ارتباط التكتلات الراديكالية في مرحلتها الأولى ما بعد الثورة بالدعوة إلى العنف. لذلك انتهى وجود تلك المجموعات واختفى دورها بشكل شبه كلّي بعد إعدام روبسبيير عام 1794.

يركّز نواريل في كل حقبة زمنية يتطرّق إليها على فكرة الانتفاضة الشعبية وقمعها من النخبة، ويمرّ في القسمين السابع والثامن على انقلاب 18 برومير، الذي قام به نابوليون بونابرت للإطاحة حكومة المديرين لتحلّ مكانها حكومة القناصل، ثم يتناول أحداثاً ومفاهيم كالقانون المدني، شيوع لفظة “بروليتاريا”، دور المرأة، الجرائد، 1848 وربيع العمّال، المجلس المركزي لعمّال السين، الحدود بين الديموقراطية المباشرة وتفويض السلطة délégation de pouvoir))، وصولا إلى كومونة باريس التي يتناولها بشكل مفّصل.

إقرأ أيضاً: فرنسا تحاكم رفعت الأسد… من يعيد ثورته للسوريين؟

تحت الجمهورية الثالثة، حيث الديموقراطية البرلمانية، سيعود مصطلح “المواطنة” للواجهة كرد فعل في صفوف الحركة العمالية التي اتّسمت بالعمل النقابي المباشر، أي الأناركية – النقابية، التي أصبحت أنضح تعبير عن استياء المناضلين من البيروقراطية التنظيمية.

يرى جيرار نواريل أنّ السؤال الأساسي الذي بدأ يطرح نفسه تحت الجمهورية الثالثة يتعلّق بـ”توطين المجتمع الفرنسي”، وتحوّل الدولة إلى مجتمع مواطنة. وقد نجحت مشاريع غامبيتا وفيري في وضع حدّ للثورات، لكنّها فشلت في دمج الفلاح والعامل في “المجتمع الوطني” المراد. ومردّ ذلك إلى الانقسام الطبقي الذي تمظهر بين “نحن” و”هم” أي الفرنسيين والغرباء. وقد ترافقت تلك الصورة النمطية عن الغرباء (اليهودي الألماني، سكان المستعمرات الأصليين…) نهاية القرن التاسع عشر مع انزلاق الجمهورية إلى المغامرة الاستعمارية.

سيستمرّ الانقسام الحاصل وسيتبلور قبل الحرب العالمية الثانية مع تجذّر الحركة العمالية والاجتماعية وقيام “الجبهة الشعبية” عام 1934، على شكل صراع بين يمين شوفيني ويسار اجتماعي إنساني، وبقي الأمر على حاله حتى نهاية الستينات من القرن الماضي.

يقفل جيرار نواريل الحقبات الزمنية مع قسم يتناول فيه الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها فرنسا في القرن العشرين، حيث يولي أهمية خاصة للحراك النقابي والعمالي وصولاً إلى أسئلة مفتوحة حول العبر التي قد يستقيها الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون في قراءته تاريخ فرنسا الاجتماعي.

قصة أربعة مصوريين سوريين غطوا مظاهرات فرنسا

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.