fbpx

سلاماً على قصيرات القامة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

سمعتُ مراراً مصطلح “القزمة”، يمتد إليّ، وهو تعبير غبي بصراحة، لأن الأقزام كائنات جميلة ومتعاونة. لا أعرف ما الإهانة في الأمر، لكنّ الناس يبحثون عن تسلية ما، وقد يسلّيهم أن ينعتوا القصار بالأقزام

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كنت دوماً في المقاعد الأمامية في الغرف الدراسية، وكنت أحمل الرقم 1 في ترتيب التلامذة، في وقفة الملعب الصباحية، لأنني بقيت أقصرهم طيلة 15 عاماً. وحين كنا ننتهي من الصلاة والنشيد الوطني، ونستمع إلى دروس الأخلاق اليومية، كنت أسير أولاً، وأدخل قبل الجميع إلى الصف لأجلس في الأمام. في مرات قليلة، كان أساتذة يقررون أن علي أن أجلس في الخلف. كان هذا ترفاً بالنسبة إلي. ترف الجلوس في الخلف مع التلاميذ الضخام الطوال، الذين كنت على يقين بأنهم ليسوا مثلنا، لا يبردون ولا يأكلون مثلنا. أحياناً كنت أعتقد أن الطوال، من طبقة اجتماعية أخرى، فيما نحن القصار لا نستطيع أبداً أن ندخل إلى هناك، إلى عالم الطوال الزاهي.

أتذكر جيداً أحاديث الفتيات في بداية المراهقة، كانت أقدامهنّ تكبر بسرعة، فيما حافظت قدميّ على قياس واحد وهو 36، وأحياناً 35. حتى أنني أخبرت أمي مرة أن قدميّ تصغران، وسألتها إن كانت متأكدة من مسألة أنني أكبر فعلاً. وقالت يومها قولها الأبدي: “هذا لأنك لا تأكلين جيداً”. كل شيء عند أمي مرتبط بالغذاء، لا سيما أنّ حجمي كان فعلاً صغيراً. جسد نحيل وقامة قصيرة.

بعد قدميّ، تجمّدت قامتي حقاً، وصرت أشاهد أصدقائي وهم يزدادون طولاً، فيما بقيت بالطول نفسه من دون زيادات مهمة. 150 سنتمتراً، أو أقل بقليل. وهكذا كان إحساسي الأبديّ أنني بقيت صغيرة. ذلك أن العمر في عيون الأطفال، يُقاس بالطول، لا بالسنوات. وهكذا، بقيت أصغر أصدقائي، إلى اليوم. حتى أصدقائي الجدد، أنا أصغرهم! تحوّل قصر قامتي مع الوقت إلى مديح، كثيرون يظنون أنني في العشرين مثلاً أو أنني طالبة جامعية. حتى أنني أجذب شباناً أصغر مني. وهذه وصفة سحرية، تجعلني أزداد ثقة… وغروراً (فلأعترف).

في أحد نصوص الإنجيل، يتسلّق زكا العشار شجرة ليرى المسيح، لأنه كان قصير القامة. كانت هذه الحكاية تعزيتي حين يؤرقني قصر قامتي. أفكّر أنّ زكا هو أنا، وأن القصة كُتبت لأن المسيح يحبّني.

طبعاً سمعت مراراً مصطلح “القزمة”، يمتد إليّ، وهو تعبير غبي بصراحة، لأن الأقزام كائنات جميلة ومتعاونة. لا أعرف ما الإهانة في الأمر، لكنّ الناس يبحثون عن تسلية ما، وقد يسلّيهم أن ينعتوا القصار بالأقزام.

كانت الأفكار السائدة تؤكد أن الشبان يفضلون الفتاة الطويلة (والشقراء)، تماماً كما يظن الجميع أن أجساد عارضات الأزياء النحيلة جداً، هي الأجساد المثالية. فهمت مع الوقت أن كل ذلك خرافات، وأن جزءاً كبيراً من الرجال يحبون النساء ذوات الأحجام “المنمنمة”.

كان إحساسي الأبدي أنني بقيت صغيرة،
ذلك أن العمر في عيون الأطفال، يُقاس بالطول، لا بالسنوات

تعرّفت إلى نساء طويلات كثيرات وصرنا صديقات، على رغم الاختلاف “الطبقي المناخي”. عرفت أن الطويلات قد يعانين من أشياء أخرى، كالأقدام الكبيرة، والأصابع الطويلة. إحدى صديقاتي قالت مرة: “أبحث عن رجل أطول مني!”. كانت المهمة صعبة بصراحة، فليس سهلاً أن تجد الواحدة رجلاً طوله أكثر من 185 سنتمتراً (هو طول صديقتي).

مرة قرأت خبراً فظيعاً، يكشف عن طول عدد من نجمات الغناء، ليتبين أنهنّ قصيرات القامة. يا للعار! لكنني شعرت بشيء من الفرح، العالم مملوء بالقصيرات، وبينهنّ نجمات.

حين كنت أذهب لتغطية مؤتمرات أو أحداث، وكنت في الرابعة والعشرين تقريباً، كنت أتعرّف إلى وجوه ناس، كنت أعرفهم عبر الهاتف، أو كانوا يقرأون ما أكتبه. بقيت أسمع جملة سوريالية واحدة، حتى صرت لا أتوقع سواها: “آه أنتِ باسكال صوما؟”. وبعضهم كان يضيف: “شو زغتورة”. وبعضهم الآخر كان يردف: “لا مش معقول!”. حتى سألت مرة أحد رجال الأعمال عما يقصده بغير المعقول. فأطلق جملة سوريالية أخرى: “ما مبين عليكِ صحافية”. هل ترتبط الصحافة بالطول والحجم يا ربي؟

أحدهم قال لي مرة، إن شكلي يوحي بأنني معلمة روضة. فأخبرته أن شكله يوحي بالغباء.

كتبت هذا النص لأقول إنني أحب قامتي الناعمة، وقدرتها على الانسلال في كل الأماكن برشاقة ورقة. تُرهقني أحياناً في مهمة تقصير السراويل والفساتين، حتى أصبحت رحلات التسوق تنتهي دائماً بآلة الخياطة القديمة التي تملكها أمي منذ 40 سنة. لكن لا مشكلة، قصار القامة صبورون.

آه، أمرٌ أخير، لا أتمنى أبداً أن أكون طويلة!

 

عن هورموناتنا نحن النساء

سكن العازبات… الحرب الناعمة

 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.