fbpx

“آثام ملهمة”: فن الهواجس والهوية والجنسانية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كانت هذه فكرة  Vices & Validation،المعرض الجماعي المقام في المعهد الفرنسي في بيروت، بالتعاون مع منظمة Haven for artists. مصممة ومنسّقة المعرض دينا عياش، انطلقت في العمل مع الفنانين من فكرة مبتكرة، وهي أن يجعل الفنانون والفنانات من مزاياهم الشخصية، لا سيما رذائلهم، موضوعاً لفنهم…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هل يمكن تحويل الآثام والرذائل الشخصية الى عمل فني؟

كانت هذه فكرة  Vices & Validation،المعرض الجماعي المقام في المعهد الفرنسي في بيروت، بالتعاون مع منظمة Haven for artists. مصممة ومنسّقة المعرض دينا عياش، انطلقت في العمل مع الفنانين من فكرة مبتكرة، تحث على الإنتاج والإبداع، وهي أن يجعل الفنانون والفنانات من مزاياهم الشخصية، لا سيما رذائلهم، موضوعاً لفنهم. المقصود بالآثام الذاتية هي سمات شخصية تؤثر في نفسية الفنان أو فكره، مثل القلق، الخوف، الخجل، الانطواء، إلخ. هذه الآثام أو الرذائل ستكون منطلقاً لإلهامات أعمالهم الفنية لتحقيق المعرض.

كتبت عياش في البيان الخاص بالمعرض: “من خلال مواجهة الفنان مزاياه التي تعيقه عن الإنتاج، ومن خلال العمل عليها لجعلها موضوعة عمله الفني، يخرج الفنانون من دوائر الشك بالنفس، يصبحون أكثر انفتاحاً، سيحولون بذلك الخوف والترددات الباطنية بدلاً من كونها عائقاً، ستتحول إلى أعمال فنية”. وتطلب عياش من الفنان أن يستملك آثامه، وأن يحول الانفعالات من عامل مقيد إلى عامل محفز.

“أبحث عن الوجه الذي كان لي قبل خلق العالم”، بهذه العبارة من قصيدة للشاعر و. ب. ييتس، تقدم الفنانة ساندرا قسطون عملها الفني “منبهات ومثانة”، وهو عبارة عن 4 لوحات بوتريهات ذاتية، auto – portrait، كل واحدة منها محاولة لرصد جوانب نفسية أو ذهنية في شخصيتها، الخوف، الهلع، القلق، تلاشي الأنا، وهواجس المنفى. هذه التيمات الوجودية والنفسية تشكل تنويعات البورتريهات الأربعة.

العمل لساندرا قسطون- تصوير سالي قسطون

تستعمل في اللوحة وسائط متعددة، الصور الفوتوغرافية، الحبر، الألوان الزيتية، لتشكل، مع الكتل اللونية، طبقات متعددة تتراكم فوق بعضها بعضاً، لتشكل طبقات الأنا المتعددة. ويتداخل الوجه بنسخته الثنائية والثلاثية، ما يوحي بحضور الأنا الكثيف حد الضياع. وربما يوحي التكرار بالإمحاء والتشتت. لكن الرسامة تحرص أمام هذه الموضوعات الذهنية والنفسية على أن تضيف أسلوبياً مسحة من السخرية السوداء، ومن الهزل من الذات حد الفظاظة. في البيان الخاص بعملها الفني تكتب الفنانة: “أحياناً يبدو طيف هويتنا مثل وجه لا نكاد نعرف ملامحه”، هي عبارة قادرة أيضاً على وصف شعور المتلقي أمام لوحاتها الأربع.

بين جسدها والعالم

عارية، لكن جسدها مكسو بالأغصان، تجلس فنانة الأداء ميريلا سلامة على أرضية المعرض، خيط طيني رفيع يخرج من تحت فرجها، لينتهي في وسط صالة المعرض بدائرة طينية، هي بركة فيها سائل أحمر اللون، بقربه يجد المتلقي طاولة عليها كؤوس مملوءة من هذا السائل الأحمر، إنها دعوة للشرب مما يسيل من جسد الفنانة.

ميريلا سلامة- تصوير سالي قسطون

توظف سلامة جسدها في أعمالها الفنية، وتحضر على الدوام في موضوعاتها، العلاقة بين الخاص والعام، بين الذاتي والجمعي. عام 2017، قدمت عملاً من التجهيز (installation) والأداء أيضاً، وهو عبارة عن قبر خشبي تمددت فيه طيلة فترة العرض، وأهالت على جسدها التراب، مغمضة العينين، فحالما يسقي الزائر التراب بالماء تفتح عينيها وتوحي بأن الجسد والتراب والقبر، مساحة شعورية واحدة في فراغ صالة المعرض. هكذا هناك تواصل بين المتلقي وبين أداء سلامة الفني، يتجاوز اللمس إلى التجربة الشعورية – الإدراكية، فمرةً يسقي المتلقي جسدها بالماء ليزهر، وأخرى يشرب الزائر من سائل أحمر يخرج من جسدها. تشرح سلامة: “لم أقرر أن أصبح فنانة، هذه طبيعتي، لغتي الأساسية للتعبير التي لولاها أتلعثم، رابطي بالمجتمع الخارجي هو عملي الفني، إنه حبل يربط الخاص بالعلني”.

احتضان الهشاشة

تقدم سيرين دبس عملاً نحتياً “احتضان هشاشتي”، عبارة عن وجه من مادة صمغية ينفصل عن جمجمته الخلفية ليتحول إلى قناع، إنه وجه في حال تمزق، في حال انفصال من دون إمكان الاكتمال باستقلالية. تصف دبس عملها النحتي: “إنه بحث باطني للنظرة إلى الهشاشة الحسية كحالة ضعف”. لقد بحثت النحاتة بدقة عن المواد التي تمكنها من تحقيق المنحوتة، ولكن أيضاً عن المواد التي تمكنها من التعبير عن الفكرة، تقول: “استعملت المعدن لأنه يبدأ كسائل هش ويتعرض لعوامل ضاغطة في مرحلة وصوله إلى شكله النهائي”، هي إذاً تنجح في تحقيق التوازن بين المادة المختارة لتنفيذ العمل النحتي، وبين الموضوعة التي ترغب بالتعبير عنها.

العمل لسيرين دبس- تصوير سالي قسطون

اهتزاز اليقين

أما الفنانة شيرين طويل، فتدمج بين التقنية الفنية وبين الفكرة المراد التعبير عنها، عبر عمل من النحاس، بعنوان “ما دون الطرق”، عبارة عن شريطين نحاسيين يمتدان من وسط الصالة، ليصعدا بشكل متواز على الجدار حتى السقف. خلال تنفيذها العمل اكتشفت النحاتة أن عملية النقش أو الطرق، هي التقنية التي ستمكنها من التعبير عن فكرتها. كتبت: “خلال عملية النقش، تشوه كل ضربة ضمانات اليقين الذاتي وتبقى كندوب ثابتة عبر التاريخ”، كأنها ترغب عبر التقنية في التعبير عن اهتزاز اليقين، وتخلخل جذور النفس.

العمل لشيرين طويل- تصوير سالي قسطون

المفاهيم التي تثقل عليّ

9 مربعات مصنوعة من باطون وصمغ وبلاستر مصفوفة على أرضية الصالة، كتبت عليها 9 مفردات. هو العمل الفني لإميلي برنارد، بعنوان “التوقع”. الكلمات المختارة، المنقوشة على هذه المربعات، هي محورية وأساسية في فكر الفنانة وحياتها، منها: النجاح، الازدهار، الحرية، المغامرة، التوازن. هذه المفردات تشكل عبئاً على شخصية الفنانة: “التوقع هو عمل فني يكشف آمالي وطموحاتي، وأثرها عليّ إن فشلت”. تعرض الفنانة الكلمات المكتوبة فوق مربعات البلاستر للحرق، قامت بحرقها مراراً، تكتب إميلي برنارد: “تراكمات عملية الاحتراق المتكررة تصور أثر هذا الحمل العاطفي والشخصي علي”، ليست معاني الكلمات هي ما تريد الفنانة إيصاله إلى المشاهد، بل الشعور الذي توحي به بعد حرقها، تكتب: “عبر علامات الحرق ومعنى الكلمة أستطيع أن أعبر للمشاهد عن معانيها وأهميتها بالنسبة إليّ”.

العمل لإميلي بيرنارد- تصوير سالي قسطون

هواجس النسوية

الصور الفوتوغرافية الـ6، التي تقدمها الفنانة ملاك مروة، تظهر تفاصيل من جسد المرأة، خيالات من التلصص، وشفافية إيروتيكية وحميمة، تكتب المصورة الفوتوغرافية عن عملها: “هذا العمل يتعلق برغبتي في النظر إلى جسد الآخر، إلى الثقب، إلى حميمية أحد ما، لتوثيق الجنسانية”.

العمل لملاك مروة- تصوير سالي قسطون

أما الرسوم التي تقدمها الفنانة كريستينا عتيق، بعنوان “فنانة نسوية عربية”، فتحمّلها الأسئلة التي تقلقها حول ثقافتها والتزامها. تكتب: “هل أنا عربية بما فيه الكفاية؟ هل أنا نسوية بما فيه الكفاية؟ لا بل هل أنا فنانة حتى؟”.

في رسومها الثلاثة نجد ضفدعاً يحاور امرأة، ويسألها عن لغتها العربية: “أصلاً من شو بدك تحرري المرأة؟ أصلاً أصلاً هيدا بتسميه فن؟”، هما سؤالان تواجههما الفنانة، تضعهما داخل رسوماتها، في حوار مع كائن آخر يشبه الضفدع.

العمل لكرسيتينا عتيق- تصوير سالي قسطون

من الحميمي إلى العام

تجهيز كريستين صفتلي يحمل عنوان “العلاقة الحميمة والحدود”، هو عبارة عن فراش معلق على الحائط، رسم فوقه بلون بني فرج امرأة. تكتب صفتلي عن هذا العمل: “هذا التجهيز يسلط الضوء على حميمية غرفة النوم التي دائماً ما تخترق بالمضايقات، غالباً ما يتم إرغام المرأة على أداء تصرف معين داخل أماكنها الخاصة”. هي تجربة إظهار الحميم في الفضاء العام في عمل صفتلي، الذي يكشف ما هو دائماً محجوب وممنوع.

العمل لكريستين صفتلي- تصوير سالي قسطون

من فن الفيديو، يقدم آش وادي عملاً بعنوان: “سيداتي، سادتي، وكل ما بين الإثنين”، هو عبارة عن فيديو – مقال، كما يعرفه الفنان، عن شخصية عابر للجندر، أي من هو متجاوز في هويته الثنائية الجندرية، وعن الصعوبات التي يمكن أن يواجهها في بيروت. من الحوار مع سائق التاكسي إلى ضرورة التعريف عن الهوية، يقدم الفيديو لحظات من الحياة اليومية حيث تفرض الثقافة على الإنسان أن يحدد هويته الجندرية، هذه التجربة عايشها الفنان بنفسه، دفعته إلى إنتاج عمل فني للنقاش. يكتب آش وادي: “أستخدم مهاراتي في الاتصالات البصرية والرسم والتحريك، لإثارة الحوار حول الهوية الجندرية، لا بد لي عبر الفن من الوصول إلى غايتي، وقصتي لا بد لها أن تروى لكي تصل إلى الكثير من الآخرين في بيروت”.

وقدمت الفنانة عينليل عرضاً مسرحياً حركياً من 20 دقيقة، بمرافقة الموسيقى الحية، إيقاع، صوت بشري، عود، تشيللو. توصف عينليل الأسلوب المسرحي الذي تقترحه، بأنه محاولة إيجاد تجربة شرقية لعالم خيالي ما بعد قيامي، oriental Post – apocalyptic. على شاشة فوق المسرح، وعبر الإسقاط الضوئي ندرك أن زمن المسرحية، زمن ما بعد فناء الحضارة الإنسانية، حيث الكواكب خالية والكرة الأرضية بلا تضاريس، في هذا العالم كالصحراء الخالية، تولد شخصية امرأة بدوية على المسرح، كثيفة الحلى ومبهرة الملابس، وتتحرك تدريجياً على وقع الموسيقى، مستحوذة بذلك المكان ومحررة الجسد داخل مشهد ارتجالي تجريبي. مسيرة العرض، هي مسيرة استكشاف طرائق التعبير البدائية من خلال الجسد والصوت والآلات الموسيقية. كأن الفنانة عنليل ترغب في اختبار إمكان الولادة، وتفتح الجسد، ما بعد فناء الحضارة الإنسانية.

الفنانة عينليل

أهمية معرض “آثام ملهمة”، هو اكتشاف تجارب فنانين يعالجون مزاياهم النفسية والذهنية باعتبارها موضوعاً فنياً. تقول عياش: “كانت الغاية أن يواجه الفنانون الآثام عبر التفكيك والتحليل وإطلاق العنان لتخوّفاتهم. نحن جميعاً في صراع مستمر مع ذلك الإثم المسيطر والمرعب في الآن ذاته. لذلك، على الفنان القيام بالخطوة الأولى نحو التغلب على مخاوفه وتجسيم غموضه”.

تكتب المديرة الإدراية للمشروع ياسمين رفاعي: “وجهتي هي التسابق مع خوف الفنانين من أجل محاربة كآبة الثبات، وفهم جوهر التعبير والاستحقاق خلف الإبداع. لجعل آثامي ملهمتي”

 

المثلية عند الرجال… شبق وعشق وجمالية