fbpx

50 طفلاً عراقياً يُختطفون كل شهر وميليشيات شيعية “مُرخصة” تجند أطفالاً مع آبائهم للقتال في العراق وسورية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عقب حزيران/ يونيو ٢٠١٤، تحولت شوارع المدن العراقية الى غابات من الصور واللافتات السود التي تنعي مقاتلين ينتمي غالبيتهم إلى فصائل مسلحة ضمن “الحشد الشعبي”، ما يكشف حجم كلفة الحرب البشرية ضد تنظيم “داعش”، واستنزاف الخزان المُغذي للفصائل التي يقاتل بعضها في سورية دفاعاً عن نظام الأسد. ظهرت صورٌ “تزف” مقتل أطفال عراقيين جندوا للقتال في تلك جبهات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عقب حزيران/ يونيو ٢٠١٤، تحولت شوارع المدن العراقية الى غابات من الصور واللافتات السود التي تنعي مقاتلين ينتمي غالبيتهم إلى فصائل مسلحة ضمن “الحشد الشعبي”، ما يكشف حجم كلفة الحرب البشرية  ضد تنظيم “داعش”، واستنزاف الخزان المُغذي للفصائل التي يقاتل بعضها في سورية دفاعاً عن نظام الأسد. ظهرت صورٌ “تزف” مقتل أطفال عراقيين جندوا للقتال في تلك جبهات.
في الثالث من نيسان/ إبريل الماضي، أعلن “الحشد الشعبي” عن مقتل الطفل “علي باسم الكعبي” ضمن عمليات استعادة الموصل، معتبراً اياه “أصغر طفل شهيد في الحشد الشعبي”، فيما احتفت وسائل إعلام إيرانية بـ”الاستشهاد المفرح مع والده”، وسط استنكار ناشطين عراقيين على وسائل التواصل الاجتماعي.
تنامت ظاهرة تجنيد الأطفال في العراق من قبل الجماعات المسلحة مع اشتداد المعارك والانتشار الواسع للعمليات العسكرية، فعمد تنظيم “داعش” الى استثمار “عقيدته” في أعدادٍ كبيرةٍ من الأطفال الذين باتوا في أراضي سلطته فسهل عليه تجنيدهم لجهة توريط الأهالي في تثبيت حكم التنظيم، فضلاً عن تدريب أطفال مقاتليه المهاجرين فجرى إعدادهم جميعاً كمقاتلين مستقبليين مرتبطين بـ”أرض الخلافة”.
على المقسم الآخر تبرز تعقيدات ظاهرة التجنيد مع الجماعات المسلحة الشيعية (الحشد الشعبي) والحشود السُنية العشائرية المُرتبطة بمكتب رئيس الوزراء بوصفها كيانات رسمية ضمن المنظومة الأمنية، لاسيما بعد إقرار “قانون الحشد الشعبي” وارتباطه بالقائد العام للقوات المسلحة. فمبرّرات تجنيد أطفال وإن كانت غير مقنعة لكنها تظهر قدرة فصائل “الحشود السُنية والشيعية” على تجنيد شُبّان ورجال، مع ارتفاع نسب البطالة والفقر إلى مستويات ٍقياسية وانهيار مستوى التعليم والخدمات، إضافة إلى قدرة الفصائل لاسيما المدعومة إيرانياً والتي تقاتل في سورية على دفع رواتب شهرية مرتفعة (١٠٠٠-١٥٠٠ دولار أميركي)  قياساً بالفصائل التي تقاتل داخل العراق والمعتمدة على الموازنة الحكومية. فالسلسلة المقترحة للدفع لا يتعدى سقفها (٥٠٠ دولار أميركي) في أحسن الأحوال والتي تدفع بشكل متقطع أغلب الأحيان بسبب الفساد المالي والتلاعب بأعداد المقاتلين وتفريخ فصائل جديدة.
لذا يتوافق مشروع تجنيد الأطفال بين الجماعات المسلحة بمختلف “عقائدها” سواء على المقسم الجهادي أو الإيراني الفصائلي لجهة بناء قاعدة مقاتلين بأدمغة عقائدية، ليكونوا ضمانة مستقبلية لإنعاش البقاء والتوسع والتمدد، بوصف هؤلاء الأطفال مقاتلين بـ”الفطرة” ينتمون إلى المنظومة “الجهادية” فهم تتلمذوا في المعسكرات وفي ذهنهم إقامة مجتمع “وصاية” أو “ولاية” أو “خلافة”.
لا تحدد المعلومات المتوافرة، إحصاءات ٍواضحة لحجم تجنيد “الحشد الشعبي” والأحزاب الشيعية للأطفال، لكن ثمة تأكيدات على أن التجنيد يتمّ بوتيرة متصاعدة داخل المدن عبر معسكرات تدريب مؤقتة.
ولفتت الامم المتحدة في تقرير صدر في حزيران /يونيو ٢٠١٦ أن عدد الحالات التي قام “الحشد الشعبي” بتجنيدها من الأطفال بلغت 12 حالة ، تضمّنت حالات تجنيد قامت بها تلك القوات التي أصبحت منذ نيسان/ أبريل ٢٠١٥ تخضع لسلطة رئيس الوزراء. لكن تلك الأرقام الرسمية لا تعكس كل الواقع. فنظراً لمخاوف المنظمة الأممية في العراق، فإنها غالباً ما تتجنب التفصيل ما يخص ممارسات الميليشيات، لكنها تشير بذات التقرير إلى أن “معدلات مروعة لحالات اختطاف الأطفال، بلغت ما يقارب ١٥٠٠حالة اختطاف لأطفال دون سن ال١٨ عاماً حدثت في البلاد على مدى العامين والنصف الماضيين.
هذا يعني أن 50 طفلا يُختطفون شهرياً، حيث يُرغَم العديد منهم على الانضمام إلى القتال أو يتعرضون للاعتداء الجنسي”.
من جهته، ينفي “الحشد الشعبي” اتهامه بتجنيد الأطفال. لكن لافتات النعي والفيديوهات التي يتم تداولها لأطفال دون السن القانوني، تكشف عن تورط الفصائل الحشدية بالتجنيد، وتوظيف الموت كبطولة رافعة للجرم الإنساني بزجّ صغار السن في الحروب.
أبرز الفصائل الحشدية المتورطة في تجنيد الأطفال، الجناح العسكري لمنظمة بدر، التي يقودها هادي العامري. ففي ظلّ العجز العددي للجناح مع مقاتلين من كبار السن، ومع محاولة بناء قاعدة موالية صغيرة السن اتجه الفصيل لتجنيد الصغار. في شباط/ فبراير٢٠١٤ أعلنت ميليشيا بدر عن مقتل (مرتضى قاسم الشمري) وهو من أهالي كربلاء في سورية، وحينها كان يبلغ من العمر ١٧ عاماً، فيما قتل حسين المحمداوي وكان عمره ١٥ عاماً بعد أن جندته ميليشيا “عصائب أهل الحق” للقتال في سورية ايضاً.
في أيلول/سبتمبر ٢٠١٣ دشّنت “عصائب اهل الحق” مقبرة جديدة لقتلاها في النجف، وصودف أن أول القتلى الداخلين إلى تلك المقبرة المجاورة لمقبرة “وادي السلام” كان محمد المالكي من البصرة، الذي طلّق زوجته وترك طفلته وذهب للقتال في غوطة دمشق وعاد جثة مشوهة، في حين لم يكن يتعدى عمره آنذاك ١٧ عاماً.

تفيد الأمم المتحدة أن نحو ٣ ملايين ونصف المليون طفل في العراق، أي واحدٌ من بين كل خمسة من مجموع الأطفال العراقيين ، معرضون لخطر الموت والإصابة والعنف الجنسي والتجنيد القسري في الاقتتال والاختطاف بحسب تقرير جديد لمنظمة اليونيسف.
ورغم المعطيات، فاجئت الولايات المتحدة الأوساط الدولية برفع العراق من لائحة الدول التي تشهد تجنيداً منظماً للأطفال في الحروب أو معسكرات التدريب، رغم تصريحات وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون (٢٨ حزيران/يونيو ٢٠١٧) أن “الأطفال في العراق معرَّضون للتجنيد القسري والاستغلال من قِبل مجموعات مسلحة مختلفة من ضمنها (داعش)، وقوات الحشد الشعبي، بالإضافة إلى قوات عشائرية، والمليشيات المدعومة من إيران”.
في سبتمبر/أيلول ٢٠١٦، تنازل الرئيس الأميركي باراك أوباما عن أحكام قانون منع تجنيد الأطفال للسماح لستة بلدانٍ هي جمهورية الكونغو الديموقراطية والعراق ونيجيريا والصومال وجنوب السودان ورواندا، بالاستمرار في تلقي مساعدات عسكرية أميركية مبرمة بموجب القانون، رغم استمرار استخدام الجنود الأطفال. وفعلياً أسقطت وزارة الخارجيّة الأميركيّة في ٢٧ حزيران/يونيو من عام ٢٠١٧ في تقريرها بشأن تهريب البشر العراق من قائمة الدول التي تجنّد الأطفال في القتال، بعد أن برز اسمه في القائمة ذاتها خلال عام ٢٠١٦ وذلك رغم اعتراف تيلرسون بعد يوم واحد فقط بأن عمليات التجنيد مستمرة في العراق. فيما حثت هيومن رايتس ووتش، واشنطن على إعادة العراق مجدداً إلى لائحة الدول التي تقوم بتجنيد أطفال.
وعبر احتفال عشائري كبير أقيم في منطقة المسيّب (جنوب بغداد) أعلنت ميليشيا قيس الخزعلي عن مقتل الطفل “غيث علي لفته الخيكاني” ذي الـ١٤ ربيعاً في الحرب ضد الارهاب، ووصفته بـ”شبل من اشبال العصائب”، فيما جندت الميليشيات الإيرانية (سرايا الخراساني) والتي تقاتل في العراق وسورية طفلاً من بلدة تقع شمال البصرة (جنوب العراق) لم يتجاوز عمره ١٥ عاماً وهو (عباس جاسم الموسوي) وقتل في عمليات بيجي في العام ٢٠١٥، ولقبته وسائل إعلام عراقية بـ”المراهق البصراوي”.
غالباً ما يضع مدربو الأطفال المجندين في المناطق الشيعية في العراق، وشاحاً يماثل وشاح المرشد الإيراني علي خامنئي، فيما يرددون ذات المقولات التي يرددها الحرس الثوري. وفي النجف التي تعتبر واحدة من أكبر المعاقل الشيعية، افتتح رجل الدين المتشدد صدر الدين القبانجي، وهو أحد القيادات البارزة في المجلس الأعلى الإسلامي العراقي (التيار الإيراني) مركزاً تدريبياً في إحدى الساحات الرياضية خلال رمضان الفائت، استدعى إليه عشرات الاطفال، ليتمّ تدريبهم على السلاح وطرق القتال وبعضاً من الدروس التعبوية التي تحثهم على الموت بوصفه الطريق الأمثل إلى الجنة. ووضع القبانجي إعلاناً عن دروسه الانتحارية في شوارع المدينة، فيما بدت المشاهد التي سُربت صادمة بتدريب أطفال بدءاً من سن السادسة على حمل سلاح ثقيل لجهة بُنيتهم الصغيرة كـ”الكلاشنكوف”.
وقبل أسابيع، قامت قوات شيعية مرتبطة بمرجعية السيستاني وتعمل في إطار الحشد الشعبي، بتدريب نحو ١٨٠ طفلاً في قرية بشير التركمانية شمال غرب كركوك، من أجل القتال ضد “داعش”. فيما أظهر تسجيل فيديو مُسرب تدريباً لأطفال صغار على الاقتحام والتمشيط في أرض معركة في إحدى مقرّات الحشد الشعبي.
ولم تبتعد الحشود العشائرية السُنية كثيراً عن نظيرتها الشيعية، فقد جنّدت عدداً من أطفال القرى والمدن والمخيمات وزجّتهم مباشرة في معارك فعلية، وبحسب هيومن رايتس ووتش فإن “مليشيات قبلية ضمن ما يعرف بالحشد العشائري تجنّد أطفالا من مخيمات للمدنيين أدى الصراع إلى نزوحهم عن منازلهم، استعداداً للعملية العسكرية المنتظرة منذ فترة لاستعادة السيطرة على الموصل”، متهمة زعيمين قبليين بزج أطفال قاصرين في المعارك.
ولم تعلق الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي على ظاهرة تجنيد الأطفال من قبل الميليشيات والحشد الشعبي في المناطق التي تخضع لسيطرة بغداد، رغم أن العراق وقع على البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الاطفال في النزاعات المسلحة في العام ٢٠٠٨، مؤكدا التزامه بكل القوانين الدولية المعنية برعاية الأطفال التي وقعها طيلة عقود سابقة. رغم ذلك حلّ العراق في ذيل قائمة مؤشر حقوق الطفل في العالم العربي بالمرتبة ١٧ عربياً والمرتبة ١٤٩ عالمياً.

[video_player link=””][/video_player]