fbpx

دراما 2019: “كرنفال الأقنعة”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما شهدناه نحن المتفرجين في دراما 2019 استعراض وبهرجة بصرية مبالغ بها كانت نتيجتها فشل في اقناع المشاهدين بصدق المشهد أو بصدق الأداء. وكأنه كرنفال أقنعة بحيث أطلت علينا ممثلات بوجوه حادة الملامح والألوان وكأنهن تخلين عن وجوههن ووضعن أقنعة جامدة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عندما كنا ندرس المسرح في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية كنا نتعلم مادة التعبير الجسدي، المتعلقة بتحريك كل عضلة من أعضاء الجسد وتطويعها، إضافة إلى كيفية استخدام تعابير الوجه. كانت في الواقع تمارين قاسية ومكثفة.

وكان الطلاب حين يتقنون ميزة الليونة الجسدية وكيفية استخدام كل مفصل من مفاصل الجسد، والتعبير بوجوههم عن حالات درامية وتوظيفها في سياق درامي محدد، يكونون قد حصلوا على جواز عبور للدخول في محترفات تمثيلية متعددة التوجيهات والمدارس الفكرية التي كان يحضرها أساتذة المسرح لإطلاق أعمالهم ومختبراتهم التمثيلية.

كانت تدور أحاديث جانبية في كافيتريا المسرح بين الطلاب وأساتذتهم حول كيفية استخدام تعابير الوجه في حالات درامية متنوعة (غمز، رفع الحاجبين، رفع كل حاجب على حدة، شلل في جزء من الفم…). والطالب الذي يمتلك تجاعيد إضافية في وجهه، يكون قد حصل على امتياز يمكنه من تمثيل أدوار درامية مختلفة، لأن تعابير وجهه تكون مطواعة، ولا تحتاج إلى مساحيق تجميلية كثيرة، لتأدية شخصية معينة.

عندما دخلت غمار تعليم المسرح في المدارس، كان هناك درس مسرحي بعنوان: “الإشارات التي تتكلم من دون أن نتكلم”، وكنت أعطي مثالاً للطلاب، سواء باستخدام الجسد، أو تعبير الوجه، أو حتى حركة اليد أو الإصبع. وأتركهم لخيالهم وابتكاراتهم وكانت تأتي النتيجة جداً مذهلة لما يكتشفه الطلاب من أدوات تعبيرية في جسدهم، فضلاً عن تشغيل أجهزتهم الحسية والذهنية والعصبية والفكرية. وكان هذا النوع من الدروس يمتع الطلاب ويحثهم على المشاركة والابتكار.

سمعت مرة مقابلة للمخرج المصري الراحل يوسف شاهين عن كرهه للماكياج ومساحيق التجميل التي تستخدمها الممثلات، وكان يشترط على كل ممثلة يختارها أن تنسى مساحيق التجميل التي تضعها عادةً، وألا يُستخدم الماكياج إلا في حالات درامية معينة، وفقاً لحاجات الدور ولضرورات تقنية (الإضاءة والكاميرا). وذكرت الممثلة حنان الترك مرة كيف طلب منها يوسف شاهين أن تنسى كلياً الماكياج حين اختارها للتمثيل معه في فيلم “المهاجر”، ووصفت اللقاء الأول بينهما حين طلب منها أن تحضر إلى مكاتب الشركة المنتجة من دون مساحيق تجميل، وشرح لها أنه يفضل ظهور الممثل بطبيعته أمام الكاميرا.

شاهدت أيضاً مقابلة للمخرج اللبناني زياد الدويري يبرر ويتحسر لعدم إشراك الممثلة كارمن لبس معه في فيلم “قضية 23″، قال: “كارمن ممثلة جيدة جداً، موهوبة فطرياً، وأنا أحبها وأقدرها كثيراً، مثلت معي فيلمين. أنا أتفهم جيداً خضوعها لهذا الكم من عمليات التجميل، لأن عليها أن تتماشى مع هذا الزمن وما يطلبه المنتجون لكي تكون في سوق العمل التلفزيوني، ولكن للأسف في السينما هذا لا يتوافق مع عين الكاميرا ومتطلبات الأداء الدرامي للشخصية”.

سمعت مرة مقابلة للمخرج المصري الراحل يوسف شاهين عن كرهه للماكياج ومساحيق التجميل التي تستخدمها الممثلات، وكان يشترط على كل ممثلة يختارها أن تنسى مساحيق التجميل التي تضعها عادةً، وألا يُستخدم الماكياج إلا في حالات درامية معينة

في الدراما التي نشاهدها على شاشاتنا اليوم هناك استهلاك كبير لعمليات التجميل من نفخ، رفع، شد، بوتكس، فيلر، تبييض أسنان وغيرها من الاختراعات التجميلية الجديدة والذي تخضع له الممثلات بغالبيتهن والممثلين أيضاً، سواء من الجيل المخضرم أو الجديد …

حين نتابع المبالغات البصرية في مظاهر الممثلات يدهمنا السؤال:

لماذا كل هذه الأقنعة على الوجوه؟ لماذا الإكثار من وضع مساحيق تجميلية بشكل يناقض حتى السياق الدرامي والمكاني للعمل؟

عين الكاميرا حساسة وتلتقط أدق التفاصيل وهكذا إطلالات تشعر المتلقي بضعف الأداء وتذهب بمصداقية المشهد بكامله.

والسؤال هنا: أين دور المخرج الذي من المفترض أن تكون لديه رؤية بصرية لعمله؟

ما شهدناه نحن المتفرجين في دراما 2019 استعراض وبهرجة بصرية مبالغ بها كانت نتيجتها فشل في اقناع المشاهدين بصدق المشهد أو بصدق الأداء. وكأنه كرنفال أقنعة بحيث أطلت علينا ممثلات بوجوه حادة الملامح والألوان وكأنهن تخلين عن وجوههن ووضعن أقنعة جامدة.

وجوه منتفخة من كثرة البوتوكس و”الفيلير”، نفخ للشفاه وقلب للشفة العلوية، تبييض للأسنان، رفع للعيون مع شد الجفون ووضع رموش مستعارة، “تاتواج” للحواجب وتقليمها، شعر مستعار، مع تسريحة واحدة لا تهتزّ!

التمثيل ليس في حاجة لكل هذه المساحيق والبهرجة، إنه يحتاج ببساطة إلى أداء طبيعي يتماشى مع الخط الدرامي لكل شخصية.

وجوه منتفخة من كثرة البوتوكس و”الفيلير”، نفخ للشفاه وقلب للشفة العلوية، تبييض للأسنان، رفع للعيون مع شد الجفون ووضع رموش مستعارة، “تاتواج” للحواجب وتقليمها، شعر مستعار، مع تسريحة واحدة لا تهتزّ!

وأجزم بأن كل هذه التجاوزات التي نراها هي نتيجة ضعف الدراما بامتياز، حيث لا نجد قصة متماسكة أو موضوعاً أو قضية، إلى جانب ضعف السيناريوات والحوارات الركيكة. وكل حلقة تحتوي على حادثة واحدة جديدة عن الحلقة التي سبقتها، فيما المشاهد الأخرى هي تكرار وتطويل للمسلسل ليغطي ثلاثين يوماً، عدد أيام شهر رمضان. ولدي إحساس بأن المنتجين وشركات الإنتاج يدركون تماماً ما يفعلونه، وكأن هناك نية لتسطيح الذوق العام وعقل المتفرج…

ليس بهذه الأقنعة تكون الدراما ولا التمثيل.

“خمسة ونص” : الجمال والابهار كمضمون وحيد للدراما..