متحف اللوفر أبوظبي : “دافينشي” في الصحراء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
درج درج

يقع متحف “اللوفر”، في أبو ظبي في جزيرة سعديات، وهي عبارة عن مثلث صحراوي ضخم، يربطها طريق ممهد بعاصمة الإمارات العربية المتحدة. تضم الجزيرة كذلك عدداً آخر من المنشآت مرتفعة التكلفة مثل ملاعب “الغولف”، وفندق “بارك حياة”،

يقع متحف “اللوفر”، في أبو ظبي في جزيرة سعديات، وهي عبارة عن مثلث صحراوي ضخم، يربطها طريق ممهد بعاصمة الإمارات العربية المتحدة. تضم الجزيرة كذلك عدداً آخر من المنشآت مرتفعة التكلفة مثل ملاعب “الغولف”، وفندق “بارك حياة”، وكذلك منتجع “سانت ريجيس”، بالإضافة إلى عشرات الفيلات، وحرم جامعة نيويورك. وفي القريب العاجل، ستكون جزيرة السعديات مركزاً لإنشاء فرع لمتحف”غوغينهايم”،الذي صممه المهندس المعماري، فرانك غيري، والذي سيبلغ حجمه ١٠ أضعاف حجم مبنى “فرانك لويد رايت” في مانهاتن.
وقد صممّ كذلك المهندسان المعماريان تاداو أندو، والراحلة زها حديد، متحفاً ومركزاً للفنون في الموقع، على التوالي، ولكن لم يبدأ تنفيذهما حتى الآن، ومن المرتقب أن يدعما متحف “اللوفر” في منطقة ثقافية جديدة.
في الطرف الجنوبي من الجزيرة، تقع قرية السعديات السكنية، وهي قرية صغيرة تضم آلاف العمال المهاجرين الذين يعملون في مشاريع الجزيرة الضخمة. وطبقاً لتقرير “هيومن رايتس ووتش”، لعام ٢٠١٥، فإن العمال في جزيرة السعديات واجهوا سرقة كبيرة في الأجور، وتعرضوا للاعتقال والترحيل بسبب إضرابهم عن العمل، بالإضافة إلى استيلاء أصحاب العمل على جوازات سفرهم.
إن افتتاح متحف “اللوفر” في وقت سابق من هذا الشهر بالإضافة إلى جميع الإنجازات التي حققها المهندس المعماري الفرنسي جان نوفيل، يثبت أن الإمارة جادة في إنشاء هذا المشروع داخل المدينة، والمرتكزة على المؤسسات الغربية. ويبدو أن الإمارة تقدم دليلاً إضافياً على أن هذه المؤسسات يمكن أن تتكيف بسهولة مع الحياة في دولة بوليسية. تمثل جزيرة سعديات لمحة صغيرة عن المستقبل الحضري شديد الرقي الذي تظهر فيه المدينة، أو على الأقل الجزء الذي يراه السياح والمسافرين من رجال الأعمال وكذلك السكان المحليين الأثرياء، بالكيفية التي تريد الدولة لك أن تراه وليس أكثر من ذلك.
تميزت سنغافورة في هذا الصدد، بوجود مزيج غريب من المتعة الراقية والخوف، مما جعل ويليام جيبسون في عام ١٩٩٣ يصفها بكونها “ديزني لاند مع عقوبة الإعدام”. دائماً ما الشركات متعددة مستعدة للتفاوض والتنازل، والآن تقتفي المتاحف والجامعات نفس الخطوات على جزيرة سعديات.
متحف “اللوفر” في أبو ظبي، هو امتياز تجاري له عدة أوجه، فهو يتشارك اسمه، وبعض من الأعمال الفنية الموجود بداخله، وكذلك بعض من إدارته مع المتحف الشهير في باريس. ويتكون المبنى من كتل بيضاء تربطها ممرات مفتوحة، وتُشكل ما شبهه المصمم جان نوفيل، بالمدينة العربية القديمة، يعلو هذا المجمع قبة مصنوعة من المعدن، يقارب قطرها حوالي ملعبين لكرة القدم. وهي تمد الأجزاء الداخلية المفتوحة بالضوء نهاراً، وتضيء مثل فانوس سحري أثناء الليل. وهو ما وصفه الناقد بصحيفة “الغارديان” البريطانية، أوليفر وينرايت، “بالساحر”، مضيفاً “تشعر أنه يأخذك إلى عالم آخر”.
حين أُعلنت الصفقة قبل ١٠ سنوات، جادل متحف “اللوفر” بأن أبو ظبي تحاول استعادة دورها كتقاطع لطريق الحرير. إلا أن أبو ظبي ذاتها ليست أقدم من متحف “اللوفر” في باريس. وعلى الرغم من ذلك، دفعت أبو ظبي ما يقرب من ١.٤ مليار دولار أميركي، إلى فرنسا مقابل الحصول على حقوق الاسم لثلاثة عقود. بالإضافة إلى الاستشارات واقتراض الأعمال الفنية، دفع ٥٢٥ مليون دولار أميركي للاسم وحده، و٧٥٠ مليون دولار أميركي أخرى مقابل الخدمات وظهور أكثر من ٣٠٠ عمل فني، بما في ذلك لوحة جاك لوي ديفيد “نابليون عابراً جبال الألب”. وتستخدم المؤسسات الفرنسية المال لدفع تكاليف التجديدات، والتي سيحمل بعضها اسم رئيس الإمارات الراحل.
قدم إدوين هيثكوت، من صحيفة “فايننشال تايمز”، ملخصاً للتأكيدات التي رافقت الافتتاح:
“وصفه مديره الفرنسي مانويل راباتيه، بأنه أول متحف عالمي في العالم العربي، وأضاف إنه يحمل “رسالة على الانفتاح، وعلى الرابطة البشرية”. صدرت كذلك العديد من المزاعم الضخمة عبر الكلمات الافتتاحية، بما في ذلك خطاب رئيس متحف اللوفر الفرنسي،جان لوك مارتينيز، والذي وصف أبو ظبي  بأنها “المشروع الثقافي الأكثر طموحاً في القرن الحادي والعشرين”. وزعم رئيس هيئة السياحة والثقافة الإماراتية، محمد المبارك، أن “كل شخص في العالم سيجد ثقافته ممثلة هنا”.
إنه عرض للتفاخر بالقوة الناعمة لكل من فرنسا، التي تسعى إلى الحفاظ على مكانتها كحارس للثقافة العالمية، والإمارات العربية المتحدة التي نصّبت نفسها حصناً للتسامح في الشرق الأوسط. وقال وزير الدولة الإماراتي، زكي أنور نسيبة، لصحيفة “نيويورك تايمز” إن المتحف يخدم هدف الإمارات الأكبر، المتمثل في مواجهة نفوذ الجماعات المتطرفة التي “اختطفت الإسلام” على حد تعبيره. ومن الصعب عدم التفكير في المقابلة الواضحة بين المتحف الجديد، وبين التدمير المنهجي الذي قام به تنظيم الدولة، “داعش” للمواقع الأثرية في سوريا. وهو التباين الذي جعله الوزراء الفرنسيون أكثر وضوحاً.
وقد دفعت دول الخليج الكثير من الأموال مقابل الحصول على هذا النوع من الاعترافات من قبل المؤسسات الغربية، التي لم تمانع في إجراء هذه المبادلات. ويبدو أن قطر قد حصلت على حق تنظيم كأس العالم ٢٠٢٢ عبر الكثير من الرشاوي، وهو الحدث الذي يُعد إنجازاً هائلاً لدولة صغيرة غير مؤثرة بشكل ملحوظ على مشاهدة أو لعب كرة القدم، إذ أنه من المحظور في قطر شرب الكحول في الأماكن العامة، كما ترتفع درجات الحرارة في الصيف إلى أكثر من ١٠٠ درجة. إلا أنه ما من شيء يعكس هذا النوع من الشرعية المتجاوزة للدولة مثل الفن العظيم. وفي مقال لمجلة Even في عام ٢٠١٥، وضع الكاتب كانيشك ثارور، الأسس الفلسفية الكامنة وراء مطاردة الإمارات للأعمال الفنية في جميع أنحاء العالم. وخمَّن أن متحف “اللوفر” في أبو ظبي “سوف يحاول استحضار تجربة الانتماء لا لدولة قومية أو حتى لحضارة معينة، وإنما للعالم بأسره. هناك نوع من الدهشة المصاحبة للقدرة على الانتقال من بعض الآنية الفخارية التي تعود لسلالة هان، إلى تماثيل وسط أميركا ثمّ إلى النقوش الجنائزية في مدينة صيدا اللبنانية. هذه التجربة قد تنتج نوعاً من الفضاء العالمي العلماني، الذي ينشده أنصار المتاحف العالمية”. إلا أن هناك تناقض واضح، فهذا العرض ما بعد القومي ممّول من قبل إحدى الحكومات التي تستخدم الفن كأداة للقوة الوطنية، والقيم البرجوازية عن الحرية والاستقلالية لا يمكن العثور عليها في أي مكان في أبو ظبي الاستبدادية”.
تصح هذه النقطة كذلك على مدى أكثر اتساعاً، فالمستعمرات الآسيوية للمؤسسات الغربية، من متاحف الخليج إلى القمر الصناعي السنغافوري التابع “لييل”، وفرع جامعة “ييل” في سنغافورة، تمتلئ بالمفارقات والتناقضات التي تجعل من الصعب الدفاع عنها، بل ومن الصعب شجبها بشكل مباشر كذلك. وفي حالة متحف اللوفر، استمر التعاون إلى الآن، بسبب عدم المبادرة إلى اختبار الحدود المفروضة أو تخطيها. مثلاً، لم تظهر قطعة مثل لوحة، كريس أوفيلي للسيدة العذراء، ملطخة بروث الفيل، التي عُرضت في متحف بروكلين عام ١٩٩٩، والتي دفعت عمدة مدينة نيويورك، رودي جولياني، للتهديد بالسيطرة على المتحف.
صرح المسؤولون الفرنسيون مراراً، بعدم وجود قيود على القطع الفنية الموجودة في المجموعة، إلا أن وكالة أسوشيتد برس أشارت إلى “الغياب النسبي للقطع التي تصور العري”. وإذا نظرنا إلى قطعة أخرى، وهي نافورة الضوء، لآي ويوي، فسنجد أن التيارات الهدامة المقصودة من ورائها ليست واضحة تماماً، كما أنه من اليسير عدم الانتباه لمصدر الإلهام الأصلي وراء هذه القطعة الفنية والتي استلهمت برج تاتالين، الذي اُقتُرح للاحتفاء بالمؤتمر الاشتراكي العالمي الثالث، والنظر إلى الهيكل الكريستالي باعتباره مجرد قطعة فنية في إحدى الحانات الفندقية.   
وقالت الفنانة الأمريكية، جيني هولزر، لصحيفة التايمز عن مساهمتها الممثلة في ثلاثة جدران حجرية ذات نصوص تاريخية، “كان على محتواها أن يُراجَع، ولكن لم يرفضها أحد”. بينما انتقدت الكاتبة في صحيفة زيورخ اليومية، أنتشيه ستاهل، هولزر  بسبب تفاديها خوض هذا الجدل، وكتبت أن هناك عدد قليل من الفنانات الممثلات. بالإضافة إلى حضورٍ ضعيف لممثلات الإمارات إلى جانب سيدة فرنسا الأولى بريجيت ماكرون في الافتتاح. بدلاً من ذلك، وصل أقارب الشخصيات الإماراتية البارزة من الإناث في اليوم الرابع للتمتع بجولة خاصة في المتحف.
تمثل العديد من نقاط الاختلاف المذكورة انعكاساً لقضايا سياسية أكبر مرتبطة بحرية التعبير والمعارضة السياسية، وحقوق المرأة والعمال.  وهي القضايا التي ستتوقف على الأرجح عند أعتاب المؤسسات الغربية الملتزمة اسمياً بهذه الأفكار كما حدث في المتحف والجامعة.
الشهر الماضي،اُحتُجز صحفيان من قناة (RTS) السويسرية، لأكثر من يومين وقُطع اتصالهم بالعالم الخارجي، جراء تقرير انجزاه عن العمال المهاجرين، الذين قاموا ببناء متحف اللوفر في أبو ظبي. خضع الصحفيان، معصوبي الأعين، لتحقيقات استمرت لأكثر من ١٠ ساعات، ولم يُفرج عنهما إلا بعد التوقيع على اعترافات غامضة، وسُمح لهما بالعودة إلى سويسرا ولكن بدون كاميراتهما المصادرة وأقراص الذاكرة الخاصة بهما. وقال أحد الصحافيين، سيرج أندرلين، لقناة الجزيرة “كل ما أردنا القيام به هو وضع افتتاح متحف اللوفر في سياق أوسع”.
حتى  الآن، حافظت مؤسسات مثل جامعة نيويورك ومتحف اللوفر الجديد على إبقاء هذا السياق الأوسع خارج الإطار. ولكن حادثة (RTS) ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي تتصارع فيها قيم المؤسسات الغربية ضد الحكم الاستبدادي في موطنهما الجديد. ولا شك أن دورهما في أبوظبي أكثر تعقيداً من نظرائهما في نيويورك وباريس. لكن متحف اللوفر في باريس ولد كفكرة ثورية، فهو قصر ٌاستُولي عليه عام ١٧٩١ لجلب الفن، بكل جماله وسيئاته، إلى الجمهور.
تهدف هذه المؤسسات إلى تعزيز سمعة دولة الإمارات العربية المتحدة كمركز عالمي للتسامح. وإذا كانت حقاً مساندة للتبادل الحر للأفكار التي يمثلونها من أجل الغرباء، يجب على هذه المؤسسات أن ترفع أصواتها بذلك، فالفنّ والدراسة هما مجرد البداية.
هذا الموضوع مترجم عن موقع Slate
للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا
 [video_player link=”https://youtu.be/medmER7Luwo”][/video_player]

لتصلكم نشرة درج الى بريدكم الالكتروني