fbpx

الوراثة كشرط للزعامة في لبنان: الحريري نموذج آخر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

يمكن سوق الكثير من الحجج لتبرير المنحى الانحداري الذي أخذته زعامة رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، منذ فترة، وفاقمته الأزمة الأخيرة . صعود المحور الإيراني في المنطقة انعكس سلبا على القوى المناوئة له في لبنان، ومنها تيّار المستقبل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يمكن سوق الكثير من الحجج لتبرير المنحى الانحداري الذي أخذته زعامة رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، منذ فترة، وفاقمته الأزمة الأخيرة . صعود المحور الإيراني في المنطقة انعكس سلبا على القوى المناوئة له في لبنان، ومنها تيّار المستقبل. الامر عينه صحيح بالنسبة لاستمرار بشّار الأسد بحكم سوريا، رغم كلّ ما جرى ويجري فيها. وقد بات واضحا أن التحوّلات الداخلية في السعودية لجهة انتقال القرار من جناحٍ الى آخر في العائلة المالكة أخذ علاقتها مع الحريري إلى اتّجاه ما كان يتمنّاه. من الظلم التنكّر لكلّ هذه المعطيات عند الحكم على ما آلت اليه الامور. ومن الخطأ أيضاً حصر أسباب التراجع المستمرّ بالمعطى الخارجي وحده أو بمسألة حزب اللّه على خطورتها. نعم، موازين القوى الإقليمية والداخلية بغير مصلحة سعد الحريري. ولكنّ هذه الموازين لم تفرض عليه الإبقاء على مدير مكتبه نادر الحريري في تيّار المستقبل رغم كل ما ارتبط باسمه، بحسب ما ورد في مقال للصحافي فداء عيتاني عن نادر الحريري. كما لم تفرض التدخّلات الخارجية على الحريري أن يظلّ تيّار المستقبل بعد ١٢ عاماً على انتقال ناصيته إلى الحريري الابن مجرّد ماكينة انتخابية مهمّتها الأساس تحشيد المناصرين لا أكثر ولا أقلّ. ثمّ أن أحداً لم يجبر الحريري على التذاكي بلعبة ورقة دعم رئيس تيار المردة والوزير السابق، سليمان فرنجية للترشح للرئاسة، ما دفع بحليف الحريري زعيم القوات اللبنانية سمير جعجع إلى أحضان رئيس الجمهورية ميشال عون وإطلاق رصاصة الرحمة على تحالف قوى” ١٤ آذار”. وليست الضغوط الإقليمية وراء الصفقات وأخبار الفساد التي تملأ البلد مع كلّ حكومة تُشكّل فيه، ومنها حكومات الحريري. ومع الإقرار بأنّ أعداء الحريري في لبنان مجرمون، وبأنّ الاغتيال عندهم وسيلةً عادية من وسائل العمل السياسي، ينبغي الإقرار أيضاً بأن غياب الحريري لسنوات عن لبنان أضعف تيّاره ومعه سائر القوى المناوئة لإيران ولرجالها في بيروت.
بعد أكثر من عقد على دخول الحريري إلى مشهدنا العام لا يمكن كره هذا الرجل ولا التعويل عليه. ليس واضحاً أن مقوّمات القيادة متوافرة عنده. ليس واضحاً أن جديّة الأمين العام لحزب الله، حسن نصراللّه كسياسي تقابلها جديّة موازية عند الحريري.
لماذا وصل الحريري إلى موقعه أصلاً؟
الجواب مزدوج، هو ابن رفيق الحريري والسعودية اختارته بديلاً عن والده، فهو إذاً نتاج عاملين يعرفهما اللبنانيون جيّداً، أولاً الوراثة السياسية وثانياً التدخلات الخارجية. وإن كان فقدان مقوّمات الزعامة عند الحريري سبباً أساسياً من أسباب تراجع قوى ١٤ آذار، وتالياً تمكّن حزب اللّه من لبنان، فهذا يعني أن العاملين المذكورين أصابا من لبنان مقتلاً إذ فرضا عليه من هو غير قادرٍ على المواجهة في عزّها.
بهذا يكون سعد الحريري إعادة إنتاجٍ لتجربة الرئيس أمين الجميّل، عندما ورث الأخير الرئاسة عن أخيه بشير الجميل بعد اغتياله عام١٩٨٢. كانت حينها الظروف مؤاتية للقضيّة اللبنانية، خرج رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، ذليلاً من بيروت بعد أن خرّبها، وجيش النظام السوري هُزمَ شرّ هزيمة في الجوّ والبرّ. أنهكت الحرب حينها قسماً من الزعامات الإسلامية، ولاسيّما السنيّة، فالتفّ خلف رئاسة الجميّل. حتّى رئيس حركة أمل حينها نبيه برّي قبل أن يتولى رئاسة مجلس النواب، غازل العهد الجديد يومها. ثمّ أن أميركا في عهد الرئيس رونالد ريغان كانت مهتمّة بلبنان وكان الدعم الدولي واعداً.
ومع الإقرار مجدداً بصعوبة المرحلة، خصوصاً بعد هجمات أكتوبر/ تشرين الأول عام ١٩٨٣ الإرهابية وسحب قوات البحرية الأميركية، المارينز، من لبنان، فالاكيد أنّ الجميّل نفسه لم يظهر الكثير من الحنكة، أو حتّى القليل منها، في إدارة الوضع اللبناني. ومن سقوط منطقة الجبل والمجازر المروعة التي ارتكبت بحقّ سكّانه المسيحيين في سبتمبر/ أيلول ١٩٨٣ إلى لحظة تسليم السلطة إلى قائد الجيش آنذاك ميشال عون عام ١٩٨٨، كانت سنوات الجميّل في السلطة محطّات تراجع لبنانيّ مستمرّ لم تنته تبعاتها إلى اليوم.
لماذا تشبيه الحريري بالجميّل؟
لأن العوامل التي صنعت الحريري عام ٢٠٠٥، أي العائلة والخارج هي نفسها جعلت من الجميّل رئيساً عام ١٩٨٢، إذ لم تكن مقوّمات الزعامة عند الجميّل أفضل بكثير من مقوّماتها لاحقاً عند الحريري. اغتيلَ رئيسُ لبنان المنتخب فجاءوا بأخيه، ثمّ اغتيل رئيس مجلس الوزراء فجاؤوا بابنه. بكلّ بساطة. قلتم كفاءة؟ استحقاق؟ موهبة؟ استعداد للقيادة؟ تدرّج في صعود سلّم السلطة كتمرينٍ على ممارستها لاحقا؟ كلّ هذه ترهات على ما يبدو.
إذا كان لبنان جمهورية موز فلأنّه يدار على  كذلك. والطريقة الموصوفة أعلاه في اختيار نخبه ما كان يمكن أن توصله إلّا إلى ما وصل إليه. ينحاز اللبنانيون للكفاءة بديلاً عن الشرعية التوريثية فتتحسّن حظوظهم في المواجهة المفروضة عليهم مع حزب اللّه، أو تبقى تلك الشرعية معيار اختيار قادتهم، وهزيمتهم بها ومعها محسومة سلفاً.[video_player link=””][/video_player]