fbpx

“الكلنكر” القاتل: الإرث الثقيل لأصهار بن علي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في حلق الوادي، المدينة السياحية التونسية الأشهر في حوض البحر الأبيض المتوسط، أطلقَ السكان منذ مدة صيحة فزع من خطر تصدير مادة الكلنكر على صحتهم وسلامة أطفالهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 على رغم أن صناعة الإسمنت تشارك في تطوير هيكل هذا العالم المتقدم والحديث، لكنها تولد الغبار وتنثره في الهواء، ما يضر بصحة الإنسان والبيئة. وحتى مع لجوء دول العالم المتقدم إلى تقنيات حديثة تضمنُ إنتاجَ هذه المادة وتصديرها في ظروف آمنة نوعاً ما، للعاملين وللبيئة، إلا أن هذه الصناعة ما زالت في العالم النامي تشكل تهديداً حقيقياً على سلامة الناس ونظافة البيئة.

في حلق الوادي، المدينة السياحية التونسية الأشهر في حوض البحر الأبيض المتوسط، أطلقَ السكان منذ مدة صيحة فزع من خطر تصدير مادة الكلنكر على صحتهم وسلامة أطفالهم.

نرصد في هذا التحقيق الأخطار المحدقة بسكان هذه المدينة جراء استمرار تصدير هذه المادة من شركة “إسمنت قرطاج” التابعة للدولة التونسية، عبر ميناء سياحي، في مخالفة واضحة لقواعد الحفاظ على البيئة والمحيط، وفي تحد للقوانين والقواعد المنظمة لتصدير هذه المادة.

مصانع الأسمنت وغبار مادة الكلنكر في حلق الوادي

يمثّل قطاع الإسمنت في تونس جزء مهماً من الاقتصاد المحلي، إذ يحتل مرتبة متقدمة من الصادرات وتنتشر المصانع في مختلف المناطق التونسية، ويتم تصديره عبر موانئ مختلفة لكن إنتشار المصانع وعمليات التصدير أصبحت تمثل مصدراً للقلق خصوصاً من تصاعد استعمال مادة “الكلنكر”.

والكلنكر هو مكون الإسمنت الرئيسي، وقد يسببُ غباره اختلالاً في وظائف الرئة، ومرض الرئة الانسدادي المزمن، وأمراض الرئة التقييدية، والالتهاب الرئوي وسرطانات الرئتين والمعدة والقولون.

أظهرت دراسات أخرى أن غبار الإسمنت قد يدخل في الدورة الدموية الجهازية، وبالتالي يصل إلى جميع أعضاء الجسم، ويؤثر في الأنسجة المختلفة بما في ذلك القلب والكبد والطحال والعظام والعضلات والشعر، ويؤثر في نهاية المطاف في تركيب هذه الأعضاء الجزئي وأدائها الفزيولوجي.

شكوى من البلديات المحلية في حلق الواد بشأن مادة الكلنكر

الدولة التونسية… الخصم والحكم!

شركة “إسمنت قرطاج”، إحدى الشركات الرئيسية التي تصدّر الكلنكر من ميناء حلق الوادي السياحي، تملك الدولة التونسية 50.52 في المئة من رأسمالها، هذه النسبة هي تحت تصرف “شركة الكرامة القابضة” المعنية بإدارة الأملاك المصادرة، لا سيما أن هذه الأسهم كانت تعود لبلحسن الطرابلسي، شقيق ليلى الطرابلسي، زوجة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. أما الميناء السياحي التابع للقرية السياحية في مدينة حلق الوادي، حيث تُجرى عمليات تصدير الكلنكر، في مخالفة واضحة للقانون، فكانت تعود ملكيته إلى صخر الماطري صهر بن علي، وهو بدوره مصادر وتحت تصرف الشركة المذكورة سلفاً، ألا وهي “الكرامة القابضة”.

وبذلك، يمكن القول إن الدولة هي المستفيد الأول والوحيد من عملية التصدير، لا سيما أنها لا تقوم بدفع إتاوات على عملية التصدير كبقية الشركات في حال النقل من الموانئ التجارية، كما أنها تستغل الميناء السياحي المخصص لإنزال البواخر السياحة وليس التجارية.

عند معاينتنا عملية التصدير، وجدنا أن شركة “إسمنت قرطاج” تنقل الكلنكر بطريقة بدائية، لا تلتزم المواصفات العالمية، إذ لا يتم استعمال الاكياس الضخمة Big bags، والمخصصة أساساً لتحميل الكلنكر ونقله بشكله آمن، بل يتم تحميله في شاحنات، تفرغه فوق الرصيف مباشرة، ثم يُنقَل عبر آلة بدائية (كماشة) من على الرصيف إلى فوق المركب، ما يبث كمية كبيرة من الغبار الرمادي في الهواء، الذي ينتقل إلى ماء البحر، ليصبح التلوّث مدوياً.

هذه الشركة، “إسمنت قرطاج”، هي أكبر شركة إسمنت مصادرة، وكانت مجموعة الكرامة القابضة، أعلنت في كانون الأول/ ديسمبر 2018 عن فشل بيع حصة الدولة فيها، وذلك بعد عزوف الشركات عن تقديم عروض مالية، ما دعا مسؤولاً كبيراً في مجموعة “الكرامة القابضة”، التي تدير الشركات والأملاك المصادرة، إلى الإعلان عن اعتزام المجموعة اتخاذ خطوات من شأنها إعادة هيكلة الشركة لجذب المستثمرين. 

“بيوتنا أصبحت سجناً ولم نعد نفتح حتى النوافذ”، تروي لنا منية وهي من سكان منطقة قريبة من الميناء، واصفةً أيام تصدير الكلنكر بكابوس لا يطاق.

تقول لـ”درج”: “لم نعد قادرينَ حتى على التنفس، ننظف بيوتنا يومياً، لم تسلم الستائر ولا السجاد ولا حتى أجهزتنا التنفسية من هذا الغبار الخانق. أصبحنا نعيش في سجن داخل بيوتنا، حتى النوافذ لم نعد نفتحها.أطفالي يومياً يلازمهم السعال الصباحي”.

من جهة ثانية، يؤكد محمد، هو موظف حكومي، أن “مسألة تصدير الكلنكر تقف وراءها مجموعة من السياسيين النافذين في حزب نداء تونس وهم من يدعمون تواصل ارتكاب هذه الجريمة البيئية”. ويوضح لـ”درج”: “لقد طالت هذه المسألة، ويجب فتح تحقيق عاجل في خصوصها، الربح المالي الذي تحققه هذه الشركات المصدرة بعدم احترامها قواعد السلامة يتسبب في ضرر يومي لصحة المواطنين”، سائلاً: “هل تحقيق الأرباح أهم من صحتنا علماً أن أكثر من نصف أرباح الشركة يعود إلى الدولة؟”. ويضيف: “هذا الربح يؤدي إلى خسائر وأضرار ستدفع ثمنها الدولة نفسها”.

يقع ميناء حلق الوادي السياحي وسط قرية سياحية، ومن المفترض أن يكون خاضعاً لسلطة ديوان البحرية التجارية والموانئ، كما أنه غير مخصص لتصدير الكلنكر، إذ هناك موانئ مهيأة لذلك، كميناء محافظة بنزرت شمال تونس، وآخر يقع في محافظة قابس في منطقة غانونش جنوب غربي البلاد.

إذاً، لماذا يتم تصدير الكلنكر من ميناء غير مهيأ؟ ولماذا اختيار ميناء منطقة حلق الوادي المتاخم لمناطق سكنية لعملية التصدير الملوّثة هذه؟

تواصل “درج” مع شركة “إسمنت قرطاج” المصدّر الرئيسي للكلنكر من حلق الوادي، لكننا لم نتلقَّ أي رد على أسئلتنا، وتحفظ المدير العام للشركة، عمار الشيخاوي عن التواصل معنا.

تجمعات أهلية احتجاجية في حلق الواد

كارثة على الناس والبيئة

عندمَا يلامس الكلنكر الماء، أو عند إنتاج الخرسانة أو الملاط، على سبيل المثال، أو عندما يكون الكلنكر مبللاً، يتم إنتاج محلول قلوي قوي يضر الإنسان على مستويات عدة، حيث استنشاق كميات كبيرة من غبار الكلنكر على مدى فترة طويلة يزيدُ من خطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي.

كما أن الكلكنر إذا لامس العين، قد يتسبب بأضرار جسيمة، قد لا تُعالج. خطر غبار الكلنكر لا يقف عند حدود التأثير في التنفس والعيون، بل يمتد إلى الجلد أيضاً. فقد يكون للكلنكر تأثير مهيج على الجلد الرطب (من خلال العرق أو الرطوبة).

تعرّض الجلد لفترات طويلة للكلنكر الرطب يمكن أن يسبب حروقاً شديدة من دون ألم، على سبيل المثال، من طريق الركوع على الخرسانة الرطبة، كما قد يسبب التهاب الجلد التلامسي.

مادة مسرطنة؟

لم تدرج مادة الكلنكر في تصنيف المواد مسرطنة. ومع ذلك، قد يحتوي الكلنكر على رمل أو 0.1 في المئة من السيليكا البلورية.

تصنف السيليكا البلورية القابلة للتنفس على أنها مادة مسرطنة بشرية معروفة، من المجموعة الأولى. وتعد السيليكا البلورية القابلة للاشتعال مادة مسرطنة معروفة. تحتوي على كميات ضئيلة من الكروم سداسي التكافؤ، الذي تصنفه IARC باعتباره مادة مسرطنة بشرية معروفة من المجموعة 1 وNTP وهي مادة مسرطنة أيضاً.

 أهالي حلق الوادي يتحركون

نظم الأهالي اجتماعات وتحركات احتجاجية استمرت شهوراً، ضد ما اعتبروه خطراً كبيراً محدقاً بصحة عائلاتهم وتهديداً حقيقياً لوجودهم في المنطقة ككل. ووقعوا على عريضة تطالب بنقل تصدير مادة الكلنكر خارج ميناء حلق الوادي السياحي.

يؤكد سامي نويصر عضو جمعية المجتمع المدني للعمل البلدي في حلق الوادي لـ”درج”، أن الجمعية نظمت لقاءات عدة مع رئيسة بلدية حلق الوادي أمال الامام وطالبتها بالتدخل العاجل لوقف تصدير الكلنكر.

وانبثق عن هذه اللقاءات تأسيس تنسيقية تضم سكان المدينة وجمعيات ومنظمات كـ”الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان” وجمعية TUNISIE RECYCLAGE، و”جمعية أنا موجود” وجمعيةTounes Clean-Up، وجمعية Soli & Green، إضافة إلى نشطاء بيئيين وجمعية Green Way، للتصدي للتلوث الحاصل في المدينة.

مجرّد وعود

في 14 حزيران/ يونيو 2019، اجتمع وزير النقل هشام بن أحمد بأهالي حلق الوادي وبممثلين عن منظمات المجتمع المدني، وأكد لهم أن تصدير الكنلكر من الميناء السياحي في حلق الوادي سيتوقف نهائياً.

كما يؤكد رئيس فرع تونس الشمالية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان حبيب الخليفي لـ”درج”، أن “الرابطة عقدت اجتماعات عدة مع الأهالي، وتم التفاوض مع شركة الكرامة القابضة الحكومية المسؤولة الرئيسية عن تصدير هذه المادة من الميناء السياحي في حلق الوادي”.

أما بخصوص تصريحات وزير النقل القاضية بوقف التصدير من ميناء حلق الوادي، فيوضح الخليفي، أن “لدى الرابطة معلومات تفيد بأن الشركة ستؤجل التصدير ولن توقفه نهائياً، كما أنه لن يتم إبعاده من مدينة حلق الوادي، وأن وهذا التأجيل سببه مالي وتقني لدى الشركة، وليس للحفاظ على صحة المواطنين واستجابةً لتعليمات وزارة النقل”.

تونس: قرض بـ70 مليون دولار لا أثرَ لفوائده في قطاع التعليم العالي