fbpx

من هم “الجنجويد”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تشبه حال ميليشيات الجنجويد، حال “حزب الله” في لبنان والحوثيين في اليمن، فهم دولة داخل دولة، تعقد الاتفاقيات مع دول أخرى ولها ميزانية منفصلة وتقوم بحملات تجنيد للشباب والأطفال خارج نظام المؤسسة العسكرية الرسمية (الجيش).

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عاد مصطلح “الجنجويد” إلى واجهة الإعلام مرةً أخرى، بعد مذبحة القيادة العامة في 3 حزيران/ يونيو 2019 التي ارتكبتها ميليشيات الدعم السريع ومفارز من قوات الأمن والشرطة، بحق المعتصمين السلميين في السودان.

تشبه حال ميليشيات الجنجويد “قوات الدعم السريع” الآن، حال “حزب الله” في لبنان والحوثيين في اليمن، فهم دولة داخل دولة، تعقد الاتفاقيات مع دول أخرى ولها ميزانية منفصلة وتقوم بحملات تجنيد للشباب والأطفال خارج نظام المؤسسة العسكرية الرسمية (الجيش)، وترسلهم إلى الحرب من دون التنسيق مع قيادة الجيش.

وتفرض الميليشيات سيطرتها الكاملة على العاصمة السودانية الخرطوم، ويسعى قائدها ونائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي والحاكم الفعلي للسودان، منذ خلع البشير وحتى الآن، إلى فرض نفسه رئيساً للبلاد بقوة السلاح والمال، فإما هو أو الانهيار.

من رعي الإبل إلى القتال

“الجنجويد” هي الميليشيات ذاتها التي تسمى حالياً الدعم السريع، وقوامها أفراد ما يُسمى القبائل العربية في إقليم دافور، التي تنشط بشكل أساسي في رعي الإبل والماشية، فيما تعيش القبائل الأخرى (الأفريقية) حياة زراعية مستقرة قرب مصادر المياه.

وقد أسس الرئيس المخلوع عمر البشير هذه الميليشيات بإشراف مباشر من نائبه الأول حينها علي عثمان طه، على خلفية ظهور حركات مسلحة متمردة على الدولة المركزية بالخرطوم بين عامي 2002 و2003، تطالب بإعادة هيكلة الدول السودانية وبالعدالة في توزيع الثروة والسلطة بين أقاليم السودان المختلفة.

وأطلق سكان دافور اسم “جنجويد” على هذه الميليشيات التي كان مقاتلوها يمتطون الجياد ويحملون أسلحة رشاشة ويغيرون على القرى فيحرقونها وينهبونها ويغتصبون النساء من دون هوادة، فكأن الواحد منهم (جني) على ظهر (جويِّد) تصغير (جواد)، وجميعهم جن على ظهور الجياد، ومن هنا أطلق عليهم اسم “جنجويد”.

وتعود جذور الصراع في دارفور إلى ثمانينات القرن المنصرم، حين اجتاحت موجة من الجفاف دافور ودولتي تشاد وأفريقيا الوسطى المجاورتين والتي تمتد إليهما وتتداخل معهما جُل قبائل الإقليم المضطرب، بخاصة الرعوية منها. ثم سرعان ما استقرت الأوضاع وخف الاحتقان مع انحسار الجفاف وعادت القبائل العربية (الرعوية) والأفريقية (الزراعية) إلى التساكن والتعايش بسلام مرة أخرى.

الصراع في دارفور

وبعد زهاء 11 عاماً على انقلاب البشير/ الترابي الذي أطاح بالحكومة الديمقراطية التي كان يرأسها الصادق المهدي، انقلب الأول على عرابه في ما عرف بمفاصلة الإسلاميين 1999، وأقصاه عن السلطة، ما أحدث شرخاً حاداً في ما يُسمى الحركة الإسلامية السودانية، التي انقسمت إلى حزبي “المؤتمر الوطني” بقيادة البشير، و”المؤتمر الشعبي” بقيادة الترابي. وبدأت لعبة كسر العظام بينهما، وقد دعم معظم أبناء دارفور المنتسبين إلى الحركة الإسلامية جناح الترابي. وضعهم ذلك في مواجهة الأجهزة الأمنية الموالية للبشير، فنكلت بهم كثيراً، فقرروا مقاومتها، وأسسوا حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم أحد أهم الكوادر القتالية في الحركة الإسلامية وأمير ما كان يعرف بالمجاهدين، إبان الحرب التي شنها البشير والترابي على جنوب السودان تحت عنوان “الجهاد”.

أطلق سكان دافور اسم “جنجويد” على هذه الميليشيات التي كان مقاتلوها يمتطون الجياد ويحملون أسلحة رشاشة ويغيرون على القرى فيحرقونها وينهبونها ويغتصبون النساء من دون هوادة، فكأن الواحد منهم (جني) على ظهر (جويِّد) تصغير (جواد)

وبعيداً من هذا المشهد، أسست مجموعة من الدارفوريين من ذوي التوجهات العلمانية/ المدنية حركة مسلحة أخرى، “حركة تحرير دارفور” بقيادة عبد الواحد نور ومني أركو مناوي، لاحقاً غيرت اسمها إلى “حركة تحرير السودان”.

من سجين إلى زعيم ميليشيات

ثم تلاحقت الأحداث بوتيرة سريعة وعاصفة، ففي نيسان/ أبريل 2003 شنت الحركتان الحرب على الحكومة، عبر عملية عسكرية نوعية استهدفت مطار مدينة الفاشر عاصمة إقليم شمال دارفور ودمرتا عدداً من الطائرات.

وفي هذه اللحظة بالذات، أطلقت حكومة البشير سراح أحد السجناء من أبناء دارفور، واسمه موسى هلال، الذي كان معتقلاً لديها بتهمة قطع الطرق وقتل جنود نظاميين في شمال دارفور. كانت تلك هي اللحظة الأولى لتشكيل ميليشيات “الجنجويد” ذات السمعة السيئة، والتي تأسست بحسب الحكومة لمساندة القوات المسلحة السودانية في دحر التمرد وهزيمته.

لم يكن موسى هلال شخصاً عادياً، فقد كان والده زعيماً لقبيلة المحاميد العربية التي تعمل في رعي الإبل والإتجار بها، وللقبيلة امتدادات عميقة في دولتي تشاد والنيجر. ويقال إن زعيمها هلال والد موسى أتى برفقة أسرته من مكان غير معروف إلى منطقة مستريحة في شمال دارفور وبعد سنوات من وصوله حصل على أرض بطريقة ما عام 1976، وكان متعايشاً مع الجميع ولم تكن لديه نزعة توسعية إلى أراضي الآخرين، إلى أن توفي وخلفه ابنه موسى الذي أظهر نزوعاً إلى النهب والسلب وحيازة الأراضي بقوة السلاح وقطع الطريق أمام تجار الحدود بين السودان وليبيا وتشاد.

أطلقت حكومة البشير سراح أحد السجناء من أبناء دارفور، واسمه موسى هلال، الذي كان معتقلاً لديها بتهمة قطع الطرق وقتل جنود نظاميين في شمال دارفور. كانت تلك هي اللحظة الأولى لتشكيل ميليشيات “الجنجويد” ذات السمعة السيئة

وضعت الحكومة موسى هلال بعدما دعمته بالمال والسلاح والعتاد، في مواجهة الحركات الدارفورية المسلحة المناوئة لها. وطلبت منه تجنيد أبناء القبائل العربية بخاصة أبناء قبيلته، بذريعة أن الحركات المسلحة المكونة من أفارقة دارفور تخطط لإبادة العرق العربي والقضاء عليه. وتمكن موسى هلال من النجاح في تجنيد كثيرين من أبناء قبيلته والقبائل العربية الأخرى، ومن هنا بدأ الصراع المسلح ذو الطابع السياسي يأخذ منحى قبلياً وعرقياً عنيفاً. وتحولت الحرب إلى حرب إبادة شاملة وتطهير عرقي بحسب الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية، حتى أن المحكمة الجنائية الدولية وضعت زعيم الجنجويد هلال، ضمن لائحة المطلوبين للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، الأمر الذي أجبر الحكومة إلى وضع الميليشيات (شكلياً فقط) تحت قيادة حرس الحدود، لكنها ظلت تمارس عملها باستقلالية كاملة عنه.

فلما اشتدّ ساعِده رماني…

كان نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الحالي، الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي” أحد الذين جندهم هلال ضمن ميليشيات الجنجويد عام 2003، لكن سرعان ما سطع نجمه وذاع صيته إذ أصبح من كبار قادة الميليشيات بعدما وضع تحت أمرته عشرات آلاف المقاتلين من أبناء القبائل العربية الذين لم يتلقوا تدريباً عسكرياً نظامياً، ويدينون بالولاء المُطلق له.

وفقاً لتقارير صادرة عن منظمات حقوقية ودولية على رأسها “هيومان رايتس ووتش” فإن ميليشيات الجنجويد (الدعم السريع) ارتكبت جرائم حرب كثيرة في دارفور بين عامي 2014 و2015

ومع تمدد حميدتي وتقربه من البشير الذي كان يعمل لإبعاد هلال رويداً رويداً، من دون الاحتكاك به مباشرة، جاء به من دارفور إلى الخرطوم بعدما عينه مستشاراً له، وترك الإقليم المضطرب تحت إمرة تلميذ موسى هلال (حميدتي)، وتم تغيير اسم الميليشيات إلى قوات الدعم السريع وألحقت صورياً بجهاز الأمن والمخابرات ثم لاحقاً برئاسة الجمهورية مباشرة.

شاهد أيضاً: الاستثناء السوداني…

ولكن هلال انتبه إلى ذلك بسرعة، فعاد إلى دارفور وأعلن تمرده على البشير وأسس ما عرف لاحقاً بـ”مجلس الصحوة”، فيما ضاعفت الحكومة دعمها حميدتي الذي خاضت قواته حرباً ضروساً ضد الحركات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان وحققت الكثير من الانتصارات، بينما كان هلال يضعف شيئاً فشيئاً، إلى أن قررت الحكومة القضاء عليه، فسلطت عليه الزعيم الجديد للجنجويد وتلميذه (حميدتي). وتمكّن الأخير في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، من القبض على هلال، بعدما خاض معه معركة ضارية في مسقط رأسه بلدة (مستريحة) في شمال دارفور؛ حيث استطاعت ميليشيات حميدتي، وخلال ساعات قليلة من فرض سيطرتها الكاملة على معقل هلال واعتقاله مع أبنائه الثلاثة، حبيب وفتحي وعبد الباسط، وشقيقه عمر هلال، وشقيق زوجته آدم رمضان، وقائد قواته محمد برمة يوسف، ولا يزال هؤلاء رهن الاعتقال تحت حراسة مشددة.

أنا أو الانهيار

ووفقاً لتقارير صادرة عن منظمات حقوقية ودولية على رأسها “هيومان رايتس ووتش” فإن ميليشيات الجنجويد (الدعم السريع) ارتكبت جرائم حرب كثيرة في دارفور بين عامي 2014 و2015، من نهب وقتل واغتصاب للمدنيين. ويقدر مراقبون وخبراء استراتيجيون عددها ما بين 30 إلى 40 ألف مقاتل. لكن قائدها (حميدتي) كشف في مخاطبة جماهيرية في ضاحية شرق النيل في ولاية الخرطوم عن أن 30 ألفاً من جنوده يشاركون في حرب اليمن ضمن التحالف العربي، ما يشي بأن عددها أضعاف ما كان يعتقد الجميع.

” ليلة الغدر” : تفاصيل مذبحة السودانيين على يدِ “الجنجويد” والمليشيات الإسلامية