fbpx

تونس : إرهاب على وقع تدهور صحة الرئيس ..

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الأجواء ما زلت ضبابية في تونس خصوصاً بعد انتشار شائعة وفاة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي. الأحاديث الجانبية في الشارع وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، تغيرت فجأة فحواها من السؤال عن “الجماعة الإرهابية” التي تستهدف تونس إلى “ماذا سيكون مصير تونس بعد الباجي؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 بعد فاجعة تفجيرات 27 حزيران/ يونيو، يكاد يبدو المشهد طبيعياً في شارع الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة التونسية، والحركة تدبُّ من جديد في ثنايا الشوارع المتفرعة لا سيما شارع شارل ديغول، حيث استُهدفت الدورية الأمنية. هدوء حذر بعد تفجيرين انتحاريين، وانتشار أمني مكثف ومضاعف، بسبب توقع السلطات المزيد من العمليات المشابهة.

حتى الباعة الذين ينتصبون فوضوياً على قارعة الطريق عادوا إلى سالف نشاطهم، ففُرشت الألبسة الشرعية وأحذية النساء والأطفال والقبعات النسائية الملونة، لتزين جادة الشارع. تتعالى أصوات الباعة وهم يغازلون زبائنهم “تعالوا اشتروا تونس بخير تونس بخير”. يتفق الجميع هنا على ضرورة أن “نكون كلنا يداً واحدة ضد الإرهاب”، ولربما هذه من أكثر الجمل التي تعاد على مسامعنا. أحد المواطنين المتقاعدين أكد لـ”درج” أنه “منذ الخميس الأسود، يأتي كل صباح ليتجول في شارع شارل ديغول حتى تملأ الحياة المكان”، مضيفاً، “أنا متقاعد وليس لدي ما أفعله، لكنني أستطيع خدمة بلدي بمجيئي إلى مكان التفجير، حتى يعلم العالم أننا بخير وتونس بخير.”

 كان خميساً أسودَ حقاً، فبعد تعرّض برج الإرسال الإذاعي في جل عرباطة في ولاية قفصة جنوب غربي تونس، لإطلاق نار من قبل مجموعة مسلحة، انتقلت شرارة ما حصل في الجنوب التونسي إلى الشمال، وضربت قلب العاصمة التونسية بتفجيرين متزامنين، واحد في شارع شارل ديغول الذي يبعدُ بضعة أمتار من السفارة الفرنسية والثاني في مقرّ الشرطة العدلية لمكافحة الإرهاب في منطقة القرجاني.

شعرنا بأنَّ الأرض تزلزلت وأشلاء الجثة ملأت المكان

“في اللحظة التي جدَّ فيها التفجير كنا نقطع سكة المترو، تجمدت أقدامنا في أماكنها من الرعب، أحسسنا بأن الأرض اهتزت، كان التفجير قوياً جداً، صوته أضخم من أن تتحمله أذني”، هكذا وصفَ حسني، أحد الشهود، لحظة وقوع تفجير في شارع شارل ديغول بالقرب من دورية أمنية.

 تفجيران متزامنان في قلب العاصمة، كشفا التخطيط المسبق، لا سيما أن تنظيم “داعش” أعلن مسؤوليته عنهما باقتضاب. شارع شارل ديغول، شارع حيوي، يتميز بأنشطته التجارية، ومحلات الملابس والأحذية، وهو يبعد نحو دقيقة واحدة من مقر وزارة الداخلية التونسية. أما مقر الشرطة العدلية في القرجاني فهو الوحدة الوطنية لمكافحة الإرهاب، في رسالة واضحة مفادها أنهم قريبون جداً.

 رغم التفجير مواطنون لم يبارحوا مكانهم 

أقل من ساعة واحدة من تفجير شارل ديغول، امرأة مسنة ربما تتجاوز السبعين، ظلت واقفة أكثر من ساعة بجانبنا خلف السياج الأصفر الذي طوقت به وزارة الداخلية مكان التفجير، تنظر يميناً ويساراً، وكأنها تبحث عن شيء. حاول “درج” الاستفسار، فردت بكل ثقة “أبحث عن هؤلاء الإرهابيين الذين يريدون قتل حبيبتي تونس”. الحاجة زهرة لم تكن الوحيدة الواقفة خلف السياج الأصفر، مئات المواطنات والمواطنين من أعمار مختلفة، وقفوا وغنوا النشيد الرسمي التونسي..

عشرات المحلات التجارية أقفلت بسرعة بعد تفجير شارع شارل ديغول، في الشوارع المحاذية، خوفاً من تكرار العمليات، فيما بقيت أخرى مفتوحة، تضامناً مع عناصر الجيش والشرطة.

صاحب حانة تبعدُ أمتاراً من موقع التفجير، أخبرنا أن محله سيظل مفتوحاً حتى  “إذا احتاج أحد الأمنيين كأس جعة أثناء العمل يجد مكاناً للراحة، علينا أن نحارب جميعنا الإرهاب ونقف صفاً واحداً خلف جنودنا”.

الأجواء ما زلت ضبابية في تونس خصوصاً بعدما انتشرت شائعة وفاة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بسرعة البرق. الأحاديث الجانبية في الشارع وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، تغيرت فجأة فحواها من السؤال عن  “الجماعة الإرهابية” التي تستهدف تونس إلى “ماذا سيكون مصير تونس بعد الباجي؟”. ينشغل الجميع بحالة الشغور، التي سيصعب البت فيها، في ظل غياب محكمة دستورية في تونس. 

حسمت الجدل تدوينة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد على صفحته في “فيسبوك”، مفادها أنه زار الرئيس وتمنى له الشفاء العاجل.

حالة استنفار متواصلة في تونس، وضاعفت السلطات إجراءات تأمين مطار تونس – قرطاج الدولي في العاصمة وكل المطارات الأخرى، ولم تسمح إلا للمسافرين بالدخول ومنعت المرافقين كإجراءات مشددة. وزير السياحة التونسي روني الطرابلسي تجولَ سويعات بعد التفجيرين في سوق المدينة العتيقة في العاصمة التونسية لطمأنة السياح، والقول إن تونس “بخير”.

الرئيس السبسي

يأتي التفجيران بعد 8 أشهر من تفجير شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة التونسية الذي نفذته امرأة (25 سنة) بحزام ناسف، في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2018.

الشاب الذي فجر نفسه في القرجاني هو أيضاً في الخامسة والعشرين، وهو من حي التضامن في العاصمة، الحي الشعبي الشهير الذي يعاني التهميش ونقص البرامج التنموية. هذا الشاب تم توقيفه سنة بتهمة تمجيد الإرهاب، لكن القضاء أخلى سبيله في ما بعد.

إنها تواريخ تتشابه، 29 تشرين الأول و29 حزيران 2019. ويتشابه أيضاً أسلوب التنفيذ، أحزمة ناسفة بدائية الصنع، لا تؤدي إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة.

تنظيم “داعش” كان دعا أنصاره في الشهور الأخيرة على شبكات التواصل الاجتماعي إلى تكثيف العمليات في كل مكان، بعد الهزائم المتتالية في سوريا والعراق. المركز الأوروبي لدراسة مكافحة الإرهاب والاستخبارات، أصدر تقريراً مفاده أن “داعش” تبنى 367 عملية في سوريا والعراق بين شهري أيار/ مايو وحزيران 2019.

 في هذا السياق، أكَّد رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب مختار بن نصر لـ”درج”، أنَّ “ارتباك داعش في سوريا والعراق في الفترة الأخيرة، هو ما جعله يأمر أتباعه بالجهاد وحرق الزرع عشوائياً في أي مكان يصلون إليه، وتونس من البلاد التي يعتبرها التنظيم أرضاً للجهاد”. واعتبر بن نصر أن “الهجوم الفاشل على محطة الإرسال الإذاعي في جل عرباطة وتفجيري العاصمة يدلان على درجة الإحباط الذي يعشيه التنظيم في هذه الفترة بعد خسائره المتتالية في العراق وسوريا”.

غموض وضع السبسي الصحي 

هناك تخبط واضح في مؤسسة رئاسة الجمهورية، إذ ظهر مستشارو الرئيس الإعلاميين والسياسيين في مشهد يؤكد عدم التنسيق، قبيل الحديث إلى الإعلام عن صحة الرئيس. تصريحات إعلامية من هنا وهناك وبلاغات تنشر وتلغى من الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية. الأخبار عن الرئيس الصحي الحرج، الذي نشرته رئاسة الجمهورية منتصف نهار الخميس الأسود، أي بعد ساعة واحدة من معاد التفجيرين، أربك الوضع أكثر وبدأ الحديث عن ضرورة سد الشغور الحاصل في منصب الرئيس في حال وفاته، وفق ما يقتضيه الدستور التونسي.

المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية فراس قفراش غرد على “تويتر” بأن حالة الرئيس الصحية حرجة وأنه يتمنى له الشفاء العاجل، في حين نفت الناطقة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية سعيدة قراج الخبر، وأكدت أن حالته مستقرة وتتحسن.

شارك سياسيون أيضاً في الفوضى الإعلامية حول صحة الرئيس، وهناك من أعلن خبر وفاته من دون التأكد من صحة المعلومة، كالنائب محمود البارودي.

لكن يبقى السؤال، هل تستطيع تونس تجاوز هذه المحنة، لا سيما أن حالة الشغور باتت واضحة بسبب عجز الرئيس عن مزاولة مهماته، في ظل غياب المحكمة الدستورية التي عليها متابعة هذا الأمر مع البرلمان؟

السؤال يبدو ملحاً خصوصاً إذا كانت هناك محاولات استهداف أمنية أخرى للبلاد..

وفاة مرسي: الجنازة في مصر و”النحيب” في تونس