fbpx

كيف تتذكّر كلَّ شيء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في كلّ ربيع، يشدّ الفتية اليافعون والناضجون رِحالَهم من شتّى أنحاء الولايات المتّحدة إلى “مسابقة الذاكرة الأميركيّة”. يحقّق المتنافسون الذين يُسمَّون “أبطال الذاكرة”، نجاحاتٍ إدراكيّة مذهِلة على مدار أيام المسابقة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في كلّ ربيع، يشدّ الفتية اليافعون والناضجون رِحالَهم من شتّى أنحاء الولايات المتّحدة إلى “مسابقة الذاكرة الأميركيّة”USA Memory Championship. يحقّق المتنافسون الذين يُسمَّون “أبطال الذاكرة”، نجاحاتٍ إدراكيّة مذهِلة على مدار أيام المسابقة. عام 2016، حفظَت كاترين هاي، التي كانت في ذلك الحين طالبة في المرحلة الثانويّة، قصيدةً من 50 بيتاً في 15 دقيقة فقط. أمّا أليكس مولين، الذي فازَ بالمسابقة ذلك العام، فقد حفظ ترتيب شدّة أوراق اللعب (كوتشينه) في أقلّ من 19 ثانية، ونجح في تذكّر ترتيب 483 رقماً، بعد دراستها لمدّة 5 دقائق فقط.

غير أنّ هؤلاء الأبطال، من أمثال مولين، يؤكّدون أنّهم لا يمتلكون أيّ قدرة خارقة في الحفظ. ومن أجل شحذ ذاكرتهم للوصول إلى مستوياتٍ تنافسيّة، يتدربون يوميّاً لسنوات. ويوضحون أن هذه التدريبات تمكن أيّ إنسان من تذكر أيّ شيء.

بعدما غطّى الصحافي يوشع فوير المسابقة عام 2005، قرّر اختبار تلك النظرية، من خلال تحسين أداء ذاكرته بمساعدة أحد كبار الأبطال. أثناء حديث فوير في مهرجان آسبن للأفكار، والذي يشارك في تنظيمه معهد “آسبن” و”مجلة ذي أتلانتيك”، تذكّر محاولاته تلك لشحذ ذاكرته. يقول “كنت أستيقظ كلَّ صباح، وأحاول تذكّر شيءٍ ما. كنت أحاول تذكر شخص أو أرقام هواتف. اشتريتُ كتباً حوليّة قديمة من المرحلة الثانوية، وحاولت أن أستذكر أسماء منها”. ثم عاد إلى المسابقة بعد عامٍ لاحق، وحازَ البطولة.

مثل معظم أبطال الذاكرة، علّم فوير نفسه تذكّرَ المعلومات من خلال عمليّة تُعرَف بالترميز التفصيلي elaborative encoding – من خلال ربط أرقام منفصلة أو كلمات أو حقائق بشبكاتٍ من الذكريات والمعارف المتوافرة. يوضح فوير: “على رغم سوء ذاكرتنا بخصوص أسماء الأشخاص، وسوئها في ما يتعلّق بأرقام الهواتف، وعند محاولة تذكّر تعليمات اجنا وزوجاتنا بشكل مفصّل، إلّا أنّ لدينا ذاكرة بصريّة ومكانيّة مذهِلة”. تنبع مهارات أبطال الذاكرة من قدرتهم على تحويل النوع الأول من المعلومات العصيّ على التذكر إلى النوع الثاني.

“على رغم سوء ذاكرتنا بخصوص أسماء الأشخاص، وسوئها في ما يتعلّق بأرقام الهواتف، وعند محاولة تذكّر تعليمات اجنا وزوجاتنا بشكل مفصّل، إلّا أنّ لدينا ذاكرة بصريّة ومكانيّة مذهِلة”.

على سبيل المثال، من أجل تذكّر أسماء ترتبط بوجوه الغرباء، خلَق فوير آليّاتٍ مساعِدة للذاكرة وقام بتخيّلهم بصريّاً: فالرجل ذو اللحية الكثيفة المدعو مايك قد أعطاه فوير صورةَ لحيةٍ من مكبّرات الصوت؛ أمّا الرجل ذو الأنف المعقوف والمدعو بيل فتلائمه صورة منقار بطّة. يقول فوير: “ما يساعد على هذا، أن يكون المرءُ غريبَ الأطوار، سريعاً في أحكامه حين يلتقي الآخرين، وحين يحتاج إلى تذكّر أسمائهم”.

ويضيف أنّه لكي يتذكّر سلسلة من الأرقام يقوم بتخصيص صوت ما لكلّ رقم من 1 إلى 9، ثم يَنظُم الأصوات معاً لتكوين كلمات (فيصبح رقم 52 أسداً، ورقم 92 قلماً)، وبعدها يدمج تلك الكلمات لتشكيل صورة قابلة للاستذكار (فرقم 5292 يصبح في صورة أسد يكتب). ومن أجل تذكّر قائمة التسوق، يقوم فوير بموضعة كلّ عنصر في “قصر الذاكرة”، متصوِّراً نفسه يصبّ غالونَ اللبن فوق رأسه خارج باب المنزل مباشرةً، ليدلف منه فيرى الدجاج يلعب بالبيض. يقول إنّ أبطالَ الذاكرة في بحثٍ دائم عن مواضعَ يمكنهم تحويلها إلى قصورٍ للذاكرة، “متجوّلين ومتطلّعين إلى المباني بصفتها بُنى تحمل ذكرياتِ المستقبل”.

بعدما درس الباحثون أبطال الذاكرة البارعين ومجموعة مرجعيّة/ ضابطة من “السذّج” الذي خضعوا لتدريبات الذاكرة لمدّة ستة أسابيع، وجدوا عام 2017 أنّ تعلّم توظيف آليات للذاكرة قد أعاد تنظيم الروابط في أدمغة الخاضعين للتجربة. أثبتت تلك النتائج تأكيدَ أبطال الذاكرة أنّ مهاراتهم مكتسبة وليست بالأمر الغريزيّ. في 2002 كان هناك دليل قائم على “التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي” fMRI، يثبت أنّه حين كان الأبطال يخوضون إمّا عمليّة الحفظ أو تذكّر شيءٍ ما، كانت مراكز مواضع أدمغتهم مضيئة في التصوير. بحسب وصف فوير، كان أبطال الذاكرة أولئك يتجوّلون في أرجاء قصور الذاكرة خاصّتهم، ويقومون بربط معلومات غير مترابطة بفضاءاتٍ ماديّة.

من أجل تذكّر قائمة التسوق، يقوم فوير بموضعة كلّ عنصر في “قصر الذاكرة”، متصوِّراً نفسه يصبّ غالونَ اللبن فوق رأسه خارج باب المنزل مباشرةً، ليدلف منه فيرى الدجاج يلعب بالبيض.

يقول فوير إنّ رياضة الذاكرة التنافسيّة هي أشبه “بسباق تسلّح”، يقوم فيه المتنافسون بتطوير حيل واختصارات جديدة تمنحهم أفضليّة على منافسيهم، وتمنحهم فرصةَ تسجيل أرقام قياسيّة جديدة. اخترع أستاذ فوير، بطل الذاكرة إد كووك، نظاماً يربط كلَّ رقم من 0 إلى مليار بصورة معيّنة. إلّا أنّ الأساليب التي توظّف هي -في معظمِها- أساليب قديمة، وكانت يوماً ما ممارسات أكثر شيوعاً. فقَدْ عرف الشعراء والرواة في اليونان القديم قصورَ الذاكرة قبل أكثر من ألف عامٍ، وكان العلماء في العصور الوسطى يستخدمونها لحفظ كتب بكاملها. تعود الاستراتيجيّة التي شرحها فوير، بشأن تذكّر سلسلة من الأرقام، إلى القرن السابع عشر.

يقول فوير إنّ رياضة الذاكرة التنافسيّة هي أشبه “بسباق تسلّح”، يقوم فيه المتنافسون بتطوير حيل واختصارات جديدة تمنحهم أفضليّة على منافسيهم، وتمنحهم فرصةَ تسجيل أرقام قياسيّة جديدة.

على رغم صمود الآليّات المساعِدة للذاكرة في مواجهة الزمن، إلّا أنّ علاقة البشر بذاكرتهم الخاصة قد تغيّرت. فللذاكرة اليوم أهميّة مختلفة عمّا كانت عليه قبل ابتكار الكتابة أو الطباعة أو التسجيلات الصوتيّة أو وسائط التخزين السحابيّة. ومن السهل اليوم علينا الاستعانة بمصادر خارجيّة للمعرفة عِوَضاً عن استيعاب تلك المعارف. وليس من قبيل المصادفة أن تنعقد أولى “بطولات الذاكرة العالميّة” عام 1991، فيما بدأت المباراة الأميركيّة السنويّة بعد 6 سنوات. ومثل أيّ مهارة أخرى، مثل فنّ الخطّ والكتابة باليد، وإجراء عمليّات حسابيّة سريعة، أو جمع مجموعة رائعة من الأقراص المدمجة، فإنّ سجلّات الذاكرة قد تقلّصت منذ ظهور الحاسوب والهواتف الذكيّة. ومع وجود عالَمٍ واسعٍ من المعلومات، متاحٍ دوماً لأي أحد عند أطراف أصابعه، فإنّ القدرةَ على استذكار الحقائق والاقتباسات أو اللحظات الثقافيّة صارت أمراً إبداعيّاً هامشياً، وليس مهارة ضرورية في الحياة.

إلّا أنّ تدريب الذاكرة، كما يقول فوير، ليس مرتبطاً بالتذكّر فحسب؛ بل يساهم أيضاً في استعادةِ مهارة فقدت في غياهب العالَم الحديث وتحت وطأة وابل المعلومات المتواصل، وهي التركيز. يقول فوير “تكتسب تلك الحيَل فاعليتها من كونها أساسية في تأدية الإنسان وظيفته. قدرات الذاكرة المذهلة هذه هي من دون شكٍّ كامنةٌ وساكنة داخل كلٍّ منّا، وعلينا فقط أن نتحمل عناءَ تنشيطها”.

هذا المقال مترجَم عن theatlantic.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا هذا الرابط

حتى تناول كميات قليلة من الكحول يُضعف الذاكرة

 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!