fbpx

الخليج : تجدد “حروب العائلات” في موسم الحج

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

يبدو أن اقتراب موسم الحج سيكون مناسبة لتزخيم خطاب العداء بين العائلات الحاكمة في الخليج. دعوة قطرية لتدويل الإشراف على مناسك الحج، قوبلت بسخط سعودي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أن تبث قناة “العربية”، وهي إحدى كبريات وسائل الإعلام العربية، برنامجاً مدته نحو ساعة، مخصصاً للبحث في إرباك أصاب المترجم الذي كان يتولى ترجمة مؤتمر صحافي لأمير قطر تميم بن حمد والرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأن تستضيف لتحليل هذا الإرباك و”شرح دلالاته الاستراتيجية” رئيس تحرير صحيفة مصرية كبرى، ومعلقين من الرياض ودبي، فهذا يقول الكثير عن قضية لا تحتمل هذا الكم من الكلام. في المقابل، أن تبث قناة “الجزيرة”، وهي القناة العربية الأكبر، برنامجاً كاملاً عن إلغاء المغنية الاستعراضية نيكي ميناج حفلتها في السعودية، واستعمل مقدم البرنامج عبارات بمنتهى الابتذال، ولعب بشكل واضح على المعنى العربي للاسم الأول للمغنية، فهذا بدوره يقول أيضاً الكثير عما صار ينطوي عليه الصراع بين دول الخليج من رثاثة في الخطاب، لا تمت إلى خُطب النزاعات بين الدول بصلة، إنما هي أقرب إلى حروب بين أفراد تتحكم أمزجتهم الخاصة بمصائر دول ومجتمعات وثروات.

 

النزاع بين دول الخليج لا يعبر عن تصادم بين مصالح الدول، ولا عن اختلاف في أنظمة الحكم. هو صراع بين الأشباه، وبين عائلات شديدة التماهي، وهو لا يطمح إلى تغيير في أنظمة الحكم، بقدر ما يطمح إلى تغيير في التوازنات الداخلية للعائلات الحاكمة هناك. ذاك أن تغييراً في طبيعة الحكم في دولة أو في إمارة في الخليج سيهدد النموذج كله.

 

ما يُبذل في الصراع بين السعودية والإمارات من جهة، وقطر من جهة أخرى يساوي أضعاف ما تنطوي عليه حقيقة هذه “الحرب الكونية”. وعلى مذبح هذا النزاع، تُبدد ثروات وثروات. يؤتى بمؤسسات دراسات غربية لتتولى تحديد الأهداف ورسم خطوط المواجهة، ويستدعى خبراء بأجور مرتفعة ليشرحوا “المخاطر” التي تشكلها الدوحة أو أبو ظبي على العالم كلها. وامتد الاستثمار في هذا النزاع ليشمل عملية إفساد مؤسسات أكاديمية عالمية كبرى، رأت أن الدعوة الموجهة إليها، سواء من الدوحة أو من الرياض وأبو ظبي فرصة لتعويض خسائرها في بلادها، في ظل الركود الذي يصيب اقتصادات دولها الأصلية. 

تُخصص قناة “العربية” برنامجاً عن اختراق الدوحة مؤسسات تعليمية أميركية، وتقول القناة إن هدف الدوحة من وراء اختراقها “أخونة” مناهجها التعليمية! هذا فيما تتولى “الجزيرة” في المقابل، توظيف مكتبها الهائل في واشنطن لتقصي ما تقول إنه نفوذ وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد في أوساط النخب الحاكمة في واشنطن ومراكز الدراسات التي تتولى تزويد الإدارة بالتحليلات والمعلومات، وهذا النفوذ ناجم بحسب المحطة عن المبالغ الهائلة التي يُبددها بن زايد في واشنطن.

النزاع بين دول الخليج لا يعبر عن تصادم بين مصالح الدول، ولا عن اختلاف في أنظمة الحكم. هو صراع بين الأشباه، وبين عائلات شديدة التماهي، وهو لا يطمح إلى تغيير في أنظمة الحكم، بقدر ما يطمح إلى تغيير في التوازنات الداخلية للعائلات الحاكمة هناك. ذاك أن تغييراً في طبيعة الحكم في دولة أو في إمارة في الخليج سيهدد النموذج كله.

في اليمن، يدور صراع بين الإخوان المسلمين الذين تدعمهم قطر (الإصلاح) وبين السلفيين الذين تدعمهم الإمارات. وفي مصر، هو صراع بين نظام السيسي وضحاياه من الإخوان المسلمين المصريين. في دول الخليج نفسها يأخذ النزاع أشكالاً غرائبية. تارة هو نزاع بين “الجزيرة” من جهة، و”العربية” و”سكاي نيوز العربية” من جهة أخرى، وطوراً هو نزاع بين “المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة” من جهة، وبين “المناضل الكبير” صاحب مأثرة غزة محمد الدحلان من جهة أخرى. حرب أهلية فلسطينية تتفاعل في الخليج، وحروب أهلية مصرية ويمنية وربما سودانية قريباً.

لا بأس بهذا المشهد المسلي على رغم مأساويته. لكن ماذا عن الثروات التي تُبدد على مذبح هذا النزاع. ماذا عن الاستثمارات الكبرى في وسائل إعلام فقدت صدقيتها نهائياً على مذبح هذا النزاع؟ “الجزيرة” و”العربية” وما على ضفافهما من وسائل إعلام موازية، تشكل أكثر من 80 في المئة من الإعلام العربي، وتضم نسبة موازية من الكفاءات الصحافية والإعلامية، وهؤلاء تحولوا إلى جيوش متحاربة على الحدود بين الدوحة وأبو ظبي، وبين الدوحة والرياض. أخبار العالم تُفرز وفق قواعد هذا النزاع في مطبخي أخبار “الجزيرة” وأعدائها. خبر تسلم تركيا الدفعة الأولى من صواريخ “أس 400” الروسية هو بالنسبة إلى “الجزيرة” علامة تفوق استراتيجي عسكري لأنقرة، أما بالنسبة إلى “العربية” فهو من علامات انهيار علاقة أنقرة بحلف شمال الأطلسي. الخبر اللبناني بدوره دخل إلى بازار المواجهة الخليجية. “حزب الله” بدأ يستعيد مكانته في محطة “الجزيرة”، بعدما كان مناصروه يطلقون على المحطة اسم “الخنزيرة”، هذا فيما تحتفل “العربية” بالعقوبات الأميركية التي طاولت نواباً من الحزب.

والحال أننا في العالم العربي كنا أمام قصة وحقيقة متنازعة بين الرواية السنية والرواية الشيعية، لكن اليوم نعيش تشظٍياً جديداً في روايتنا ما يحدث، هو تشظي الرواية السنية. حرب اليمن مثلاً قُدمت لنا قصتها بصيغتها السعودية الإماراتية، وبصيغتها الإيرانية، وها هي تلد لنا نسخة قطرية إخوانية. لبنان أيضاً يعيش احتمال ولادة قصته القطرية، ويبدو أن السودان غير بعيد من هذا المخاض.

اليوم يبدو أن اقتراب موسم الحج سيكون مناسبة لتزخيم خطاب العداء بين العائلات الحاكمة في الخليج. دعوة قطرية لتدويل الإشراف على مناسك الحج، قوبلت بسخط سعودي. الدعوة القطرية لا تهدف إلى تحقيق مهمة التدويل، بل إلى رفع منسوب خطاب المواجهة في لحظة إخفاق خليجية في ملف استدراج واشنطن إلى مواجهة عسكرية مع طهران، وهي، أي الدوحة، قد تنجح في استدراج الرياض إلى التضييق على الحجاج القطريين وربما الإيرانيين، ما سيفتح أبواباً جديدة للنزاع.

حتى الآن لا شيء يحصده النزاع بين دول الخليج سوى الخسائر على الضفاف القريبة والبعيدة منه. الاستثمارات الهائلة المخصصة لإدارته ليست سوى تبديد لثروات الدول التي تخوضه. وسائل إعلامٍ كبرى استنزفت تجاربها في هذه الحرب التي لن تقع، واليوم بدأت أصوات غربية تصدر شاكية إفساد مؤسسات بحثية وأكاديمية وثقافية بين الدوحة والرياض وأبو ظبي.      

قطر تريد العدالة لخاشقجي لا  للسودانيين…