fbpx

أنا التي أكلها ذئب المحكمة الجعفرية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أنا واحدة من مئات الأمهات، اللواتي جارت عليهن المحاكم الدينية باسم الله والأنبياء والكتب السماوية. ولم نجد أحداً يتابع تفاصيل حكاياتنا، وأطفالنا، لا أحد يتكرّم عليهم، ويسألهم أين يفضلون العيش؟ ومع من يحبون البقاء؟ فهم سلع مصادرة، تماماً مثل أمهاتهم

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
غدير ووالدها نواف الموسوي

أكتب عن غدير الموسوي، مدفوعة بآلام مأساتي الشخصية، ومآسي أمهات كثيرات من طائفتي الكريمة، أقول كريمة، لأننا اعتدنا في لبنان، أن نلصق هذه الصفة بالطوائف كلها، تملقاً، أما واقعاً، فلم يلحقنا منها، نحن النساء، إلا بخل عاطفي ومعنوي وحقوقي. حريصة على التعاطف مع غدير إلى أقصى درجات التعاطف، ومع كل أم تعيش رهن مزاج طليقها، الذي يتعسف في استعمال حق منحه إياه نصٌ شرعيٌ جائر، مسقطاً منه كل معاني الرحمة والإنسانية.

حادثة غدير وطفليها، قلّبت علي المواجع، وذكّرتني بطفليّ، وبكثير من الأطفال، الذين يؤخذون عنوة من أحضان أمهاتهم، لا لذنب اقترفوه هم، أو أمهاتهم، ولا لجريمة ارتكبوها، إنما تنفيذاً لمشيئة الذكر، وجعلتني أحسدها، على رغم مأساتها، لثقتها بأنها حين تستنجد بأبيها، بإمكانه أن يحرك جيشاً لإنقاذها. أحسدها، وأتذكر أبي الذي استضعفته الطائفة كلها، ووقفت ضده، حتى في عاطفته الأبوية، أبي الذي مات قبل أن يرى حفيديه. 

في حكايا الأطفال، تطلق ليلى التي عبرت الغابة وحيدة، صرخة استغاثة، حين يهمّ الذئب بأكلها، فيهرع الأب ويُرديه ببندقيته، هكذا فعل والد غدير، أنقذ ابنته، لأنه يملك بندقية، وإلا التهمه الذئب أيضاً، كما التهم أبي وآباء آخرين.

لا أدري لماذا نحن البنات، حين نفشل في حياتنا الزوجية، نؤوب إلى ظل آبائنا، فنجد أن قلوبهم قد تحولت إلى ما يشبه أرحاماً كبيرة، تتسع لثقل مواجعنا ودموعنا، وأرى والد غدير، مغدوراً في عاطفته، على رغم حصانته، وسلاحه، وحزبه، وشبيهاً بأبي العادي، الذي لم يكن يوماً من أصحاب السبّابات المرفوعة، ولا الخطب النارية والجماهير الهادرة، فأتأكد أكثر من أي وقت مضى، أن البنوّة طبيعة وأن الأبوّة سلوك.  

أحالني مشهد اعتداء طليق غدير عليها وعلى طفليها، إلى أحداث شبيهة حصلت معي، لكنني تكتمت عليها، حباً بأبي، وحرصاً على كرامته، وخوفاً عليه من الانهيار، فأنا واحدة من مئات الأمهات، اللواتي جارت عليهن المحاكم الدينية باسم الله والأنبياء والكتب السماوية. ولم نجد أحداً يتابع تفاصيل حكاياتنا، وأطفالنا، لا أحد يتكرّم عليهم، ويسألهم أين يفضلون العيش؟ ومع من يحبون البقاء؟ فهم سلع مصادرة، تماماً مثل أمهاتهم، وكلانا بضاعة يراهن عليها في المزادات الأخلاقية والمحافل الدينية، تبدأ صلاحيتها وتنتهي تبعاً لغرائز السلطة الذكورية ورغبتها في السيطرة والتحكم، سواء الأبوية منها أو الدينية.

ولأجل ذلك، أعلن أنني بتّ أكره انتمائي إلى ديانة تقدس النكاح وتعدد الزوجات وزواج القاصرات، وفي الوقت ذاته، تنكل بالمطلقات والأرامل، وتقف على حيادٍ سافر أمام عذابات الأطفال، ولا تستعجل إلا بفتاوى هدر الدماء، وتعتبر كل اعتراض ارتداداً وخروجاً على الدين. وبتّ أكره طائفتي أيضاً، لأنها تفاخر ببدعة المتعة، وتستمتع بتعذيب النساء، وتبرر للذكور استباحة المحرمات وتجاوز المحظورات، وأتمنى لو أنني أستطيع الفرار بابنتيّ وحفيدتيّ وبنات أحبتي إلى أي بقعة في العالم، ليس فيها دين ولا رجال دين تتضخم عمائمهم وحساباتهم المصرفية، على حساب آلامنا وآمالنا.

وأرى أن ما يحصل في المحاكم الجعفرية في لبنان، أو برضا منها، أو تحت نظرها أصبح أمراً معيباً في مجتمعنا الشيعي، الذي يدّعي التمدّن والتحضّر ويفاخر بتكريمه المرأة، أفلا تشبه حال الأم المحرومة من رؤية أطفالها، حال المرأة العربية التي كانت تدفن حيّة في الجاهلية؟ ألا تشبه شرعية انتزاع الطفل من حضن أمه، إلا في حال تخلي الأب عن هذا الحق، شرعية القتل عمداً؟ وبالتالي، ألا يمكننا تفسير الآية الكريمة إذا ما أعتقنا النص من زمانه ومكانه “إذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت”على أساس ما سلف؟ لكنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعضه، ويتغنون بالحديث المتناقل لتبرير أفعالهم، بأن النساء ناقصات عقول وحظوظ وإيمان، وينظرون إليهن نظرة استعلاء، ويتعاملون معهن على أنهن كائنات دونية، قاصرات، غير مؤهلات، وشهادة رجل أمي من بينهم، تساوي شهادتين من أكثرهن علماً ومعرفة.

وبغض النظر عن النصوص الشرعية، التي قيدت المرأة بسلاسل الظلم، وسلبتها أبسط حقوقها الإنسانية، وحصرت دورها في إمتاع الرجل ومؤانسته، تبرز الإشكالية الأكبر، التي لا يلتفت إليها رجال الدين، ولا يبدو أنها تهمهم في شيء، فالأطفال الملتحقون قسراً بحضانة آبائهم، هم مشاريع مرضى نفسيين ومجرمين مستقبليين.

تقول الدراسات العلمية إن المشاكل الأسرية والاجتماعية، التي يعيشها الأطفال دون الخامسة من العمر، تؤثر إلى حد بعيد، في تكوين نواة ذاكرتهم الأولى، وما تبنى عليه شخصياتهم لاحقا، وتنعكس سلباً على نفسياتهم، وتمنعهم من تكوين ذواتهم المستقرة، وتجعل منهم إما أشخاصاً مضطربين نفسيا مدى الحياة، أو فاشلين اجتماعياً وأخلاقياً.

فهنيئاً لمحاكمنا وقضاتنا بما تقترفه أيديهم يومياً من جرائم وانتهاكات بحق الأطفال، وهنيئاً لهم استباحة المقدس باسم المقدس، وحذار من التجديد أو التطوير في النصوص الشرعية المستترة بقناع الألوهية، لأن في ذلك تهديداً لسلطتهم القائمة على أساس استغباء العامة، ومصادرة عقولهم وعواطفهم، بمنطق الحلال والحرام والثواب والعقاب والجنة والنار، وحضورهم المستمد من كثافة الأوهام وثقافة التضليل وتضييق الآفاق.

وسلام على أبي، الذي تفرغ طوال سنوات حرماني من ولديّ، لرتق ثقوب قلبي، يزرع فيه الأمل برؤيتهما عائدين، وألف وردة للأب والجد نواف الموسوي، الذي تمرد على هذه الغابة، مني أنا، التي أكلها ذئب المحكمة الجعفرية.

“إلا ابنتي”: نواف الموسوي يواجه قوانين الأحوال الشخصية بـ”السلاح”

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.