fbpx

هل يخسر العالم مرة أخرى فرصة الاحتفاظ بالأرض؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

وصلت درجة حرارة أقرب نقطة من القطب الشمالي في أواسط شهر تموز/ يوليو الحالي 2019 الى 21 درجة مئوية. حصل ذلك في منطقة (آليرت) شمال كندا، والتي لا تتجاوز الحرارة فيها سبع درجات حرارية في الصيف.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وصلت درجة حرارة أقرب نقطة من القطب الشمالي في أواسط شهر تموز/ يوليو الحالي 2019 الى 21 درجة مئوية. حصل ذلك في منطقة (آليرت) شمال كندا، والتي لا تتجاوز الحرارة فيها سبع درجات حرارية في الصيف. ولم تشهد هذه المنطقة التي تبعد عن القطب الشمالي 900 كيلومتر، مثل هذه الحرارة في تاريخها، باستثناء مرة واحدة وصلت فيها الحرارة الى 20 درجة مئوية. وكان ذلك عام 1956 وفقاً لوزارة البيئة الكندية.

بموازاة هذا الاحترار في شمال الكُرة الأرضية، تتصبب أوروبا عرقاً في مواجهة صيف حار وقاس، لم تشهد القارة في تاريخها سوى مرة واحدة، إذ تجاوزت درجات حرارة العاصمة الفرنسية باريس 40 درجة مئوية عام 1947. وفي السياق ذاته، حذرت الأمم المتحدة يوم 26/7/2019 من أن الهواء الساخن الذي حطم الأرقام القياسية لدرجات الحرارة في أوروبا، يبدو في طريقه إلى غرينلاند، وذلك في تطور يبعث على القلق قد يجعل الغطاء الجليدي للجزيرة يقترب من انكماش قياسي شهده عام 2012 أو يتجاوزه.

بموازاة هذا الاحترار في شمال الكُرة الأرضية، تتصبب أوروبا عرقاً في مواجهة صيف حار وقاس

يحدث هذا التغير المخيف على سطح الأرض بعد مرور أكثر من قرنين على تنبؤات علمية توصل فيها العلماء إلى حدوث التغير المناخي، إثر تركز ثاني أوكسيد الكاربون في الغلاف الجوي. لقد توصل عالم الفيزياء الإيرلندي جون تيندال (1820-1893) في بداية النصف الثاني من قرن التاسع عشر، إلى أن التغيرات الطفيفة في الغلاف الجوي يمكن أن تؤدي إلى تغير المناخ. واعتمد العالم الفيزيائي الذي مات مسمماً على يد زوجته، على تجارب علمية مبكرة كان يقيس من خلالها تركز غاز الكاربون في الغلاف الجوي وامتصاصه أشعة الشمس. وألهم اكتشاف جون تيندال، عالم الكيمياء السويدي سفانت آرهينيوس (1859-1927) في التوصل إلى أن حرق الفحم والنفط بغية الحصول على الطاقة، من شأنه أن يزيد من درجات حرارة الكون. ويعتبر آرهينيوس، الحاصل على جائزة نوبل لعلوم الكيمياء 1903، أول من قام بعمليات حسابية لكثافة غاز ثاني أكسيد الكاربون على سطح الأرض، ملاحظاً أن الامتصاص المتقدم في الأشعة تحت الحمراء يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة السطح.

وقد أصبح هذا الاحترار ملحوظاً بعد قرنين من الزمن. بعد أربعة عقود من أبحاث العالم السويدي، تنبأ المهندس الكندي-البريطاني غي ستيوارت كاليندار في سلسلة من المقالات العلمية، أن تؤدي زيادة مستوى الكاربون في الغلاف الجوي إلى ارتفاع درجات الحرارة بنحو 2.0 درجة مئوية. وبقيت تلك المقالات التي كتبت بين أعوام (1938-1964) في مدنية مونتريال حول دور الكاربون في احترار الأرض طي النسيان، ولم يتذكره أحد إلا في الوقت الذي شغّل التغير المناخي الناتج عن الاعتماد على الوقود الاحفوري العلماء في الولايات المتحدة الأميركية في سبعينات القرن المنصرم.

فرصة لإنقاذ الأرض

عام 1979 خلص تقريران أصدرهما علماء في حكومة الولايات المتحدة، برئاسة جيمي كارتر إلى أن الاعتماد على الوقود الأحفوري من المحتمل أن يسبب في ارتفاع درجة حرارة الأرض من 2 إلى 3.5 درجات مئوية، ما يؤدي إلى ذوبان جليد القطب الشمالي، وانخفاض الحصول على مياه الشرب فضلاً عن الآثار الرئيسية على الإنتاج الزراعي. وحذر العلماء في التقريرين، الأول بعنوان (تأثير طويل الأمد لثاني أكسيد الكاربون في الغلاف الجوي على المناخ) في ربيع 1979، والثاني بعنوان (ثاني أكسيد الكاربون والمناخ) صيف 1979، من تأثير استمرار حرق الفحم والنفط، والذي يؤدي إلى تركز الكاربون في الغلاف الجوي على المناخ وارتفاع درجات حرارة الأرض. ويشير التقرير الثاني إلى مخاوف جدية بشأن تأثير ارتفاع الحرارة في المنظم الحراري للمحيطات الدفيئة للهواء في الشتاء والمُبَرِّدة له في الصيف. ولكن ما حصل تجاه تلك التقارير العلمية، هو سيطرة “السياسة الانتظارية”، على إدارة كارتر في ما خص ذلك الإنذار الذي أطلقه العلماء، قبل أربعة عقود حول المخاطر التي تحيط بالمناخ.

يحدث هذا التغير المخيف على سطح الأرض بعد مرور أكثر من قرنين على تنبؤات علمية توصل فيها العلماء إلى حدوث التغير المناخي، إثر تركز ثاني أوكسيد الكاربون في الغلاف الجوي.

كان يمكن تفادي التغيرات المناخية القاسية والتي، قد تسبب خسارة الأرض، لو استجابت الحكومة الأميركية إلى نداء العلماء، ولجمت أطماع شركات النفط العملاقة للحصول على مال أكثر وأكثر. وقد تحولت سياسة الانتظار الأميركية في عهد دونالد ترامب الى “تجاهل” كل ما يتعلق بتغير المناخ. وكان قرار الانسحاب من اتفاقية باريس 2015 أسوأ قرار تتخذه الولايات المتحدة الأميركية بشأن المناخ، بينما هي المصدر الأول والرئيسي لانبعاثات الغازات الدفيئة في العالم.

تالياً، خسر العالم تلك الفرصة الثمينة لتفادي خسارة الأرض عام 1979 وذلك بسبب نفوذ شركات النفط العملاقة في السياسة الأميركية وتأثيرها فيها، فضلاً عن أخبار علمية كانت تضلل الرأي العام وتفيد بأن العلوم والتكنولوجيا كفيلتان بإيجاد الحلول للمشكلات البيئية. وكانت الوعود العلمية التي فرضتها أموال الشركات العملاقة على الأوساط العلمية ومكاتب محرري الصحف والمجلات والقنوات، ترى أن التكنولوجيا الحديثة غير قادرة على إيجاد الحلول فقط، بل ستجعل كثيرين يتمتعون بحياة لم تحلم بها الأجيال السابقة، وكان يتم استثمار حدث إرسال أول إنسان إلى سطح القمر في سياق الوعود ذاته.

ما زالت شركات الطاقة والاتصالات العملاقة مستمرة في ترويجها لعالم أفضل وتوفر أموالاً طائلة للجامعات والمراكز العلمية من أجل الحصول على قول علمي، مفاده أن المتغيرات المناخية نتيجة تغيرات طبيعية ولا تربطها علاقة بحرق الوقود الاحفوري والنشاط البشري. ولكن على رغم السلطة المالية غير المحدودة للشركات العملاقة وتأثيرها في مسارات العلوم في ما خص تغير المناخ، بقيت للعلماء دراسات علمية تثبت حقيقة احترار الكون. فعام 1968 نشر الباحث في مجال فيزياء الأرض غوردن ماكدونالد بحثاً بعنوان “سبل تدمير البيئة”، ويقول الباحث: “تم حظر الأسلحة النووية بشكل فعال وأسلحة الدمار الشامل هي أسلحة الكارثة البيئية”. اقتبس الصحافي الاستقصائي في صحيفة “نيويورك تايمز” ناثينيال ريتش هذا الكلام وأعاد نشره في كتاب “خسارة الأرض”.

هل يمكن تفادي خسارة الأرض؟

ذكرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ والتابعة للأمم المتحدة، في تقرير علمي مفصل أصدرته عام 2018، أن الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى ما دون 1.5 درجة مئوية خلال هذا القرن، يستوجب خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 45 في المئة بحلول عام 2030. ولكن أصبح التقرير، وما فيه من التوصيات في خبر كان، ذاك أن تسارع الاحترار في أبرد مناطق العالم هذا العام يشير إلى مخاوف جدية من ذوبان المناطق الجليدية، وهي المُبرِدة الوحيدة لحرارة الكون وللحفاظ على مناخ العالم. وهي باختصار شديد تشبه “فريزر” الثلاجة، إذا خرب تخرب الثلاجة كلها.

خسر العالم تلك الفرصة الثمينة لتفادي خسارة الأرض عام 1979 وذلك بسبب نفوذ شركات النفط العملاقة في السياسة الأميركية وتأثيرها فيها

تالياً، إذا ذاب جليد غرينلاند ستجتاح موجات حرارة عنيفة القارة الأوروبية بكاملها، يرتفع مستوى مياه البحر، إضافة إلى ارتفاع درجات حرارة المحيطات والبحار وإلحاق أضرار فادحة بالزراعة. لقد دفعت هذه الموجات الساخنة العلماء ومراقبي المناخ إلى القول إن الخطوات السياسية الحاسمة للتوصل إلى خفض الكربون، يجب أن تحدث قبل نهاية 2020، أي أن الفترة الزمنية التي تقدر بما يزيد عن عقد، والتي وضعتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لوضع حد للغازات الدفيئة، اختصر عملياً إلى 18 شهراً، ذلك أن الخطر يتقدم نحونا ولا يمكن الانتظار، كما انتظرت الحكومة الأميركية عام 1979.

وحذر مؤسس ومدير معهد بوتسدام للبيئة هانز يوئاخيم شينهولبار، من أن “المناخ واضح جداً في حساباته، إذا لم يستطع العالم معالجته في السنوات المقبلة، سيصاب بجرح عميق خلال عام 2020 بسبب الإهمال”. وقد أخذ تحذير هذا العالم الألماني بعداً سياسياً، حين تحدث الأمير تشارلز عن الأمر ذاته قائلاً، “أنا على يقين من الأشهر الـ12 المقبلة، ستقرر قدرتنا على الحفاظ على تغير المناخ في مستويات قابلة للبقاء وإعادة الطبيعة الى التوازن الذي نحتاجه من أجل بقائنا”. قال تشارلز هذا الكلام في حفل استقبال وزراء خارجية دول الكومنويلث في بريطانيا كما نقلت قناة “بي بي سي” البريطانية.

إن القمة البيئة الخاصة والتي دعت الأمم المتحدة الى عقدها في 23 أيلول/ سبتمبر المقبل في نيويورك، وبعدها قمة المناخ العالمية في العاصمة التشيلية سانتياغو، ستكونان مصيريتين للقرارات السياسية المتعلقة بخفض الكاربون، والتي يتعين على المجتمع الدولي اتخاذها. كما ستكون صعبة لإقناع دونالد ترامب ومجايليه من رؤساء العالم بحقيقة حصول التغير المناخي. ولكن ما زلنا مُجبرين على الأمل بفكرة استعادة الأرض.

الأطفال والتغير المناخي… إنذار جدّي لتغيير سلوكنا ومواقفنا