fbpx

حق العودة للنوبيين يدخل منعطفا جديدا في مصر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مات جمال سرور( ٤٧ عاما) وهو مريض بالسكر، أوائل شهر الحالي نوفمبر/تشرين الثاني بعد أن فقد الوعي وتلكّأت الشرطة في نقله إلى مستشفى وفقا لادعاءات رفاقه في سجنهم بمعسكر الشلال لقوات الأمن المركزي لمدينة أسوان أقصى جنوب مصر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مات جمال سرور( ٤٧ عاما) وهو مريض بالسكر، أوائل شهر الحالي نوفمبر/تشرين الثاني بعد أن فقد الوعي وتلكّأت الشرطة في نقله إلى مستشفى وفقا لادعاءات رفاقه في سجنهم بمعسكر الشلال لقوات الأمن المركزي لمدينة أسوان أقصى جنوب مصر. كان سرور، المصري الأصل الذي يحمل الجنسية الفرنسية، يزور بلاده عندما شارك في وقفة إحتجاج في أسوان في أوائل شهر سبتمبر/أيلول. في تلك الوقفة دقّ المشاركون على الدفوف للفتِ الأنظار إلى حقّ النوبيين في العودة إلى أراضيهم الأصلية .
يومها ألقت الشرطة القبض على سرور و٢٣ نوبياً آخرين.
وبحسب أحد المشاركين في جهود الوساطة للإفراج عن النشطاء المسجونين بسبب وقفة الدفوف، فإن وفاة سرور كانت نتيجة “إهمال كامل من قبل وزارة الداخلية، حيث تعمدت عدم نقله للمستشفى بعد فقدانه الوعي رغم أن المستشفى لا تبعد عن معسكر الشلال لقوات الأمن المركزي المحتجز فيه النشطاء أكثر من عشر دقائق سيراً على الأقدام، ونقلته بعد أكثر من ساعة من الزمن”. وبحسب شهادات بعض المححتجزين في نفس الزنزانة فإن سرور كان قد فارق الحياة في السجن.وبعد وفاته ب ١١ يوماً قرّرت محكمة في أسوان إطلاق سراح كل رفاقه ولكنها حدّدت موعداً لتنظر محكمة أخرى في قضيتهم الشهر المقبل.
ربما حصل هؤلاء النشطاء النوبيون على حريتهم المؤقتة بسبب الثمن الباهظ الذي دفعه سرور، ولكن من غير المرجح أن تؤدي هذه المعاملة القاسية من جانب أجهزة الأمن وتحويل القضية إلى محكمة أمن دولة خاضعة لقانون الطوارىء إلى إخماد الاحتجاجات النوبية. وتصاعدت هذه الاحتجاجات منذ عامين بسبب تقاعس الحكومة عن تلبية مطالب النوبيين رغم نجاحهم التاريخي في تضمين حق العودة إلى أراضيهم في آخر دستور أقرته البلاد في يناير/كانون الثاني ٢٠١٤.
ووفقا للمادة ٢٣٦ من الدستور المصري يتعين على الدولة أن تعمل من أجل “وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلي مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات”، إلا أن السنوات الأربع التي ستنقضي قريبا بعد إقرار هذا الدستور لم تشهد أي مشروعات في هذا الإتجاه للدرجة التي جعلت  النائب ياسين عبد الصبور، عضو مجلس النواب عن دائرة كوم أمبو بمحافظة أسوان حيث يقيم عدد كبير من النوبيين، يقول أن “الحكومة تخدع المواطنين” بعد إعلان رسمي عن عرض آلاف الأفدنة للبيع والاستثمار في المنطقة التي يريد النوبيون العودة إليها.

وتتصاعد خيبة الأمل وسط النوبيين، وهي خيبةٌ امتدّت إلى بعض مؤيدي النظام الحالي بسبب قراراتٍ وسياساتٍ حكومية تُفرْغ النصّ الدستوري من أي فاعلية وتجعل عودة النوبيين شبه مستحيلة. وتريد شريحة واسعة من النوبيين أن يتوافر لهم حقّ العودة للإقامة وتملك الأراضي على ضفاف بحيرة (ناصر) وهي أقرب نقطة لأراضي وبيوت عائلاتهم النوبية الغارقة تحت البحيرة التي نشأت كنتيجة لبناء السدّ العالي في الستينيات.
والنوبيون جماعة عرقية ذات تاريخ ممتد منذ آلاف السنين في شمال شرق أفريقيا متركزة في جنوب مصر وشمال السودان. وحكم النوبيون مصر كلها لفترة في العصور الفرعونية. وبدأت موجات نزوح النوبيين المصريين الاضطرارية من منطقة أسوان شمالًا في أوائل القرن العشرين حيث هجّرتهم حكومات مصرية مختلفة عدة مرات، كان أولها مع بناء خزان أسوان في عام ١٩٠٢، ثم تعليته مرتين في عامي ١٩١٢ و ١٩٣٣. وأخيراً مع بناء السد العالي في ستينيات القرن الماضي وقعت أكبر موجة تهجير دفعت بنحو خمسين ألف نوبي إلى صحراء نصر في (كوم أمبو) على بعد خمسين كيلومتراً شمال أسوان وعلى بعد حوالي ٢٥ كيلومترا عن النيل.
وتقيم أعدادٌ كبيرة من النوبيين في المراكز الحضرية الكبرى في الشمال وخاصة القاهرة والإسكندرية. وعاني النوبيون طويلاً بسبب ظروف تهجيرهم القاسية بحيث تعلو الشكوى من تمييزٍ ونظرةٍ دونية بسبب لون البشرة الداكنة السمراء والتي تميّز سكّان النوبة، فضلاً عن الصورة النمطية التي كرستها أعمال مسرحية وسينمائية عديدة أظهرتهم غالباً في أعمال دنيا كخدم وحراس منازل يتحدثون بلكنة غريبة. ونشطت جماعات نوبية عديدة بعد الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك في عام ٢٠١١ للمطالبة بحق العودة من الأراضي التي جرى تهجيرهم منها قسرًا.
ووفقاً للنائب عبد الصبور فالنوبيون يطالبون “بإصدار قانون بإنشاء الهيئة العليا لإعادة التوطين وتعمير وتنمية بلاد النوبة الأصلية. ووقف طرح أى مشروعات استثمارية للمزاد أو البيع على المستثمرين ورجال الأعمال لحين تفعيل الدستور” . ومن المطالب أيضاً تعديل القرار الجمهورى ٤٤٤ الذي أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي في تشرين الثاني/نوفمبر عام ٢٠١٤ وكان شرارة اندلاع موجة الاحتجاجات النوبية المستمرة إلى الآن. القرار الذي صدّق عليه البرلمان المصري في يناير كانون الثاني ٢٠١٦، جعل معظم الأراضي التي يحلم النوبيون بالعودة إليها مناطق عسكرية مغلقة .
وتأتي المفارقة لكون هذا القرار قد حدد ضمن المناطق العسكرية التي يفرضها المساحة الواقعة من خط حدود مصر الجنوبي مع السودان وحتى عمق ٢٥ كيلومترا غرب النيل، ومسافة تمتد إلى ١٢٠ كيلومترا شرق النيل وهي التي تشمل أراضي النوبيين. في نفس الوقت أعلن وضمن القرار ذاته أن عمق المنطقة العسكرية المتاخمة للحدود الشرقية لسيناء، وهي منطقة تشهد اضطراباً وهجمات عنيفة من جماعات جهادية مسلحة منذ أربع سنوات سقط فيها مئات القتلى من المدنيين وقوات الأمن،  لا يزيد عن خمسة كيلومترات داخل الأراضي المصرية.
يمكن بسهولة لمس المرارة النوبية جراء شعور عام بأنهم جماعة نالها ظلمٌ يعد أشدّ فداحة مقارنة بما يحدث لكل الجماعات الهامشية في مصر. لذا انطلقت فاعليات احتجاجية سلمية العام الماضي، وما سمّي ب”قافلة العودة النوبية” التي انطلقت من أسوان إلى جنوب المدينة قاصدة الوصول للأراضي التي يرغب النوبيون في العودة إليها، حتى أوقفتها حواجز أمنية. ودخل المشاركون في القافلة في اعتصام مفتوح عرقل المرور على طريق مطار أسوان، وطريق (أبوسمبل) السياحي. وانتهى الاعتصام بعد وعود من رئيس الوزراء بالتواصل مع المحتجين، والاستجابة لمطالبهم، ولقائهم، وعدم ملاحقتهم أمنياً. وقام (محمد عزمي)، وهو محام حقوق انسان ورئيس الاتحاد النوبي في أسوان آنذاك وكان مشاركا في قافلة العودة، بمقابلة رئيس الوزراء لاحقاً والتأكيد على المطالب.
ستبدأ محاكمة نشطاء وقفة الدفوف الشهر المقبل، ولا يبدو أن الحكومة تنوي اللجوء لحلول وسط في هذه المشكلة المزمنة التي احتج النوبيون بسببها طويلا وظنوا أنها في طريقها للحل مع إقرار دستور ٢٠١٤ ولكن التطورات اللاحقة ومقتل سرور الذي كان ربما أول شهيد للنوبيين  من جراء المطالبة بحقوقهم، ربما يكون قد أدخل القضية النوبية في طور مختلف عما قبل، يخشى البعض أن يكون أكثر عنفا.
[video_player link=””][/video_player]