fbpx

هَيَا … آخر الهاربات من قصور الخليج 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

منذ مأساة الأميرة مشاعل التي قادها الحب الى الإعدام مروراً بحكاية الشيختين لطيفة وشمسة وصولاً الى هرب الأميرة هيا، حكايات أميرات هاربات…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في مطلع الثمانينات، شاهدنا سراً أنا وصديقات لي في جدة فيلم “موت أميرة”، وفيه أدّت الممثلة المصرية سوسن بدر دور الأميرة مشاعل بنت فهد بن محمد آل سعود. ومشاعل كانت شابة صغيرة تعيش فصام موقعها بين كونها ابنة أسرة حاكمة تضبط حركة نسائها وبناتها، وبين إغواء الحياة والحب.

أحبت مشاعل شخصاً من خارج بيئتها وقررت الهرب خارج البلاد لترتبط به، لكن تمّ توقيفها وحوكمت وأُعدمت في منتصف السبعينات. 

بدت القصة أشبه بإلياذة مفعمة بالشغف والرعب، وكانت أول ملمح يصلنا ونحن نشق طريقنا لنكون شابات لما يمكن أن تكون عليه حياة الفتيات والنساء في قصور الحكام هناك.

الرواية كرّسها المخرج البريطاني أنتوني توماس بعدما أجرى سلسلة مقابلات مع مقربين وعارفين بالواقعة، وقد تبعت عرض “موت أميرة” عام 1980 تداعيات سياسية كبرى، إذ طُرد السفير البريطاني من المملكة، ووُجِّه تهديد بفرض عقوبات اقتصادية بسبب إصرار قنوات بريطانية وأميركية على عرضه. قوطع الممثلون والممثلات العرب المشاركون في العمل، حتى أن الفنانة بدر بدلت اسمها بسبب الحملة عليها.

في زمننا ذاك، كان للحكاية وقعها في خيالنا الذي كان يشتغل ويتغذى من الروايات المتناقلة والتي جعلها الفيلم أسطورة مكرسة، فالأميرات أيضاً يمكن أن يقررن التمرد على القيود ويحاولن الهرب، لكن مصائرهن قد تكون غامضة وقد يسجنّ ويقتلن تماماً كأي امرأة يمكن أن تتمرد على قيود الدين والمجتمع هناك. 

الأميرة هيا لدى خروجها من المحكمة

بعد 39 عاماً من حكاية مشاعل، ها نحن اليوم نعيش على وقع أخبار قصة الأميرة الأردنية هيا، التي هربت من إمارة دبي ورفعت دعوى حضانة لولديها وحماية في المحاكم البريطانية ضد زوجها حاكم الإمارات الملياردير محمد بن راشد آل مكتوم.

الكثير تبدل وتغير ما بين الواقعتين، وما كان حكاية تتردد همساً وسراً في الثمانينات، بات صوراً ومشاهد وأخباراً وتغريدات تقال علناً ويتداولها الجميع عبر الإعلام ومواقع الإنترنت وصفحات “السوشيل ميديا”. 

الشيء المشترك هو أن الإعلام المحلي الذي تجاهل حكاية الأميرة مشاعل آنذاك يفعل الأمر نفسه مع الأميرة هيا، التي خلا الإعلام الإماراتي والأردني من أي ذكر لقصتها التي يضج الإعلام العالمي بها.

وفيما كانت الأميرة مشاعل صغيرة وقليلة الخبرة والحيلة، تبدو الأميرة هيا أكثر حنكة وقدرة وخبرة، إذ استفادت من علاقات ديبلوماسية سمحت لها بالهرب من دبي عبر طائرة خاصة إلى ألمانيا، ثم انتقلت إلى لندن وهي تحمل الجنسية البريطانية وشرعت تخوض معركتها القضائية من هناك.

لم تلجأ هيا إلى الأردن مسقط رأسها، فهي تفادت إحراج شقيقها الملك عبدالله الثاني الذي استبق جلسات المحكمة في لندن، بزيارة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، في بادرة فهمت بمثابة محاولة احتواء لأزمة ديبلوماسية قد تكون الأكثر تعقيداً في تاريخ العلاقات بين الأنظمة والأسر الحاكمة. بطبيعة الحال، لم يكمن ممكناً أن تلجأ الأميرة هيا إلى محاكم دبي حيث الكلمة العليا ستكون للحاكم وبطانته، فضلاً عن أنها تعطي الأفضلية للزوج والأب والأخ أو لولي الأمر. والنظام القضائي هناك يميز ضد المرأة وقد سبب ذلك معاناة قاسية لا تزال مستمرة لكثيرات.

كثيراً ما نسمع عن حكايات هرب فتيات من السعودية ومن دول مجاورة، منها ما تحول إلى قصص متداولة، فيما بقيت حكايات كثيرة طي الكتمان، لكن قليلات في الخليج، يستطعن فعل ما فعلته هيا، التي هربت وفي ذهنها حكاية شابتين تربطها بهما علاقة وثيقة: لطيفة وشمسة محمد بن راشد آل مكتوم.

الشقيقتان

يبدو أن الامتياز والثراء ليسا ضمانة للسعادة، والصورة المشرقة لمدينة دبي بصفتها مدينة عصرية حديثة تخبئ مشاهد قاتمة كثيرة.

في بدايات عام 2018، ضجت الميديا العالمية بفيديو سجلته لطيفة ابنة الشيخ محمد، وفيه تحدثت عن سعيها إلى الهرب من دبي، حيث أطبقت عليها القيود ولا يمكنها عيش حياتها بحرية. روت تفاصيل هروب شقيقتها الأكبر شمسة عام 2000 في بريطانيا، وكيف خُطفت وأعيدت قسراً الى دبي. قالت لطيفة إنها حاولت الهرب وهي مراهقة لكنها لم تنجح، وأكدت أنها تعرضت للسجن والضرب والتعذيب، وأن ذلك كان نصيب شقيقتها شمسة قبلها، في سجون أمر بإنشائها والدها شخصياً الذي وصفته بالحرف بأنه شخص “لا يهمه سوى نفسه وصورته”.

سجلت لطيفة فيديو الهروب وانتقلت بعده بمساعدة سيدة اسمها تينا إلى عمان، وسافرت إلى الهند وكان يفترض أن تسافر إلى الولايات المتحدة طلباً للجوء، لكن فرقة “كوماندوس” كانت لها بالمرصاد، فخطفتها وأعادتها إلى دبي وشهد لذلك من رافق لطيفة في رحلة الهرب الفاشلة.

الشيخة لطيفة مع المبعوثة الدولية ماري روبنسون

انقطعت أخبار لطيفة، على رغم متابعات إعلامية غربية وديبلوماسية فكان لها ظهور محدود، حين زارت مفوضة الأمم المتحدة السابقة ماري روبنسون دبي في نهاية عام 2018، والتقت لطيفة في موعد تم التحضير له لإثبات أن لطيفة بخير… 

ويبدو أن ذلك اللقاء تمّ بضغط من الأميرة هيا، التي قالت في مقابلة إذاعية مطلع العام الحالي، إنها سعت إلى ترتيب زيارة روبنسون إلى دبي. حاولت الأميرة في مقابلتها أن تكون حريصة قدر المستطاع في مقاربة قضية لطيفة من خلال تأكيد أنها بخير، وأنه لا يمكن أن تقبل بغير ذلك، لكن مع ذلك لم تكن المقابلة مقنعة…

صحيح أن هيا التزمت الصمت منذ هروبها، لكن مسار حركتها ومشهدها تدخل المحكمة، بل وتفاصيل الدعوى المقدمة تتضمن عبارات واضحة لا لبس فيها لجهة “الحماية من الزواج القسري”. وهذا يطاول مباشرة ابنتها جليلة التي لا تتجاوز الخامسة عشرة، كما تقدمت بطلب “عدم التعرض” الذي يحمي من المضايقة أو التحرش أو التهديد. وهذه عبارات بقيت عامة لجهة من تقصد مباشرة، لكنها فتحت الباب واسعاً أمام تكهنات حول حجم سوء المعاملة الذي تتعرض له نساء العائلة الحاكمة الخارجات عن السيطرة… 

وإن كان الصمت سيد الموقف في دبي وعمّان، لكن يمكن بسهولة استشعار الكلام الكثير الذي يتم تداوله هناك والذي يجد طريقه بسهولة نحو الإعلام العالمي. 

برنامج “60 دقيقة” الشهير قدم حلقة فيها مقابلة حصرية مع Markus Assabri، وهو شخص عابر جنسياً، وكان سبق أن عاش بصفته امرأة اسمها فاطمة في قصور الأمير محمد بن راشد آل مكتوم، وعرض صوراً حصرية عن تلك المرحلة وتحدث عن علاقة مباشرة ربطته بلطيفة وشمسة. أكد ماركوس الروايات المقلقة المتداولة عن تعرض الشابتين للسجن والتعذيب وعن القيود الهائلة التي يعشنها.

يختم ماركوس بتأثر أن حديثه العلني اليوم ليس شجاعة بل “ضرورة”.

عقد قران الأميرة هيا والشيخ محمد عام 2004

خطيئة قاتلة

تخوض الأميرة هيا معركة شرسة لن تكون سهلة، ولن تنتهي سريعاً وستترك تداعيات سياسية واجتماعية كبيرة بالتأكيد. وهنا فيما يشعر المرء بالتعاطف معها ويتفهم قلقها على مصيرها ومصير ولديها، لا بد أن نلاحظ أن ازدواجية شابت خيارات الأميرة التي قبلت أن تكون الزوجة السادسة لحاكم ثري يكاد يكون في عمر أبيها ولديه أبناء يفوق عددهم العشرين ويكاد بعضهم يكون في عمرها وأكبر. سبق أن قدمت الأميرة نفسها بصورة الفتاة العصرية المستقلة الطموحة في الرياضة والحياة، لنراها تعود وتقبل بمنظومة تقليدية تكرّس تعدد الزوجات وتبعيتهن…

على رغم ذلك لا يمكن سوى التعامل بكثير من الجدية مع المخاوف التي دفعت بهيا نحو الهرب وطلب الحماية القضائية، وهنا يمكن اعتبار الدعم الغربي والقانوني الذي تحتمي به، رادعاً من مصير مشابه لما عانته لطيفة وشمسة. 

الأكيد أن هذه القضية وما تحويه من أسرار وغموض تعيد النقاش حول وضع النساء في الخليج عموماً نحو المربع الأول لجهة حرية العيش والتنقل. 

لا يكفي أن يكرر حاكم دبي دعمه المرأة وأن يعلن تعيين نساء في مراكز القرار ليكرس صورة مشرقة عن وضع النساء، تماماً كما لا يكفي أن تقول السعودية إنها سمحت للنساء بقيادة السيارات وأنها ألغت شرط إذن ولي الأمر لسفر النساء وعملهن (وهو أمر مهم)، لتتمكن النساء من العيش بحرية.

الحرية الاجتماعية التي تُمنح بانتقائية وبشكل سطحي مادي من دون أن تترافق مع عدالة اجتماعية وسياسية ومن دون الحق في الاختيار والتعبير، هي حريات مرتهنة وقيد المصادرة في أي لحظة، ودرس شمسة ولطيفة ولاحقاً هيا، دليل صارخ على ذلك.

“إلا ابنتي”: نواف الموسوي يواجه قوانين الأحوال الشخصية بـ”السلاح”