fbpx

واشنطن وطهران وبينهما وليد جنبلاط

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الدعم الأميركي الذي تلقاه وليد جنبلاط قد يسعفه، أو هو سيسعفه في الوقت الراهن، إلا أنه سيضاعف من الضغينة التي أملت حصاره. هو اليوم ناج من حنق طهران، لكن غداً لناظره قريب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لو كنت مكان وليد جنبلاط لما التقطت أنفاسي بفعل بيان السفارة الأميركية في بيروت، والذي يوحي بأنه تحذير لخصوم جنبلاط، وتحديداً لرئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون من مغبة الذهاب في استثمار حادثة قبرشمون لمحاصرة جنبلاط. صحيح أن التحذير سيؤتي أُكله، ذاك أنه لم يعرف عن العونيين شجاعة تخولهم مواجهة من الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن التحذير الأميركي يبقى نظرياً وافتراضياً، في وقت يبدو فيه قرار استهداف جنبلاط عميقاً وواقعياً ويشمل خيارات الرجل التي باشرها منذ انعطافته الكبرى في العام ٢٠٠٥.

الولايات المتحدة توزع دعمها لحلفائها من برج عالٍ لا يعتمد على حضور مباشر، وهو، أي الدعم، موقت، ومرتبط إلى حدٍ كبير بمزاج الإدارة وبحساباتها التي قد لا تطول. وفي مقابل ذلك يبني خصم واشنطن في الإقليم، أي طهران، نوعاً مختلفاً تماماً من الحضور، قوامه الوجود المباشر والحضور المتواصل، والثبات والاستمرار. وبهذا المعنى ستلوح لطهران فرصة أخرى ينكشف فيها جنبلاط أمام رغبتها بإزاحته، وسيتولى ذلك ميدانياً خصوم جنبلاط وحلفاء طهران من غير الشيعة، أي من الموارنة ومن أقلية الأقلية الدرزية.

هذا درس كبير على الأرجح أن وليد جنبلاط تعلمه، وما تفكك ١٤ آذار وهزيمتها إلا وجهاً من وجوهه. 

الدعم الأميركي الذي تلقاه وليد جنبلاط قد يسعفه، أو هو سيسعفه في الوقت الراهن، إلا أنه سيضاعف من الضغينة التي أملت حصاره. هو اليوم ناج من حنق طهران، لكن غداً لناظره قريب. طهران لن تستكين، وواشنطن لن تكون جاهزة دائماً. جرى هذا مع كل حلفاء واشنطن في الإقليم، ناهيك عن أن النفوذ الافتراضي لا يسعف في الكثير من المواقف، لا سيما في مواجهة القضم الميداني الذي تمارسه طهران منذ أكثر من عقدين.

طهران حققت انتصارات هائلة في لبنان وفي سوريا، وقدرتها على الاقتصاص من خصومها كبيرة

رغبة واشنطن في العراق تتمثل في حل الحشد الشعبي الذي تتمتع طهران بنفوذ كبير فيه. هذه الرغبة ثبتت استحالة تحققها. لواشنطن نفوذ لدى النخبة السياسية العراقية، ولطهران نفوذ مزدوج سياسي وميداني. حكومة عادل عبد المهدي، وهي حكومة صديقة لكل من طهران وواشنطن، عاجزة عن حل الحشد الشعبي، لا بل هي ملزمة بدفع رواتب عناصره وضباطه مع كل ما يرافق ذلك من فساد ومن ابتزاز. والحشد الشعبي مرشح اليوم ليتولى الدفاع عن مصالح طهران في العراق وخارجه، ولا يسع واشنطن سوى أن تصدر بيانات وتمنيات على الحكومة العراقية “الصديقة”، وليس أمام الأخيرة سوى أن تعطي وعوداً لن تتمكن من إيفائها.

هذه المعادلة في العراق عبر عنها الكاتب هيوا عثمان الذي عمل لسنوات مستشاراً للرئيس العراقي الراحل جلال طالباني فغرد قائلاً: ” في العراق، لإيران حلفاء حقيقيون وصلات مباشرة ووجود شبه رسمي. أما الولايات المتحدة فلديها حلفاء افتراضيون وصلات غير مباشرة. أتساءل: من الذي سيسود عندما يحين موعد الدفع؟…”.

في الخليج الخيبة كبيرة، ذاك أن واشنطن عجزت عن وضع حدٍ لـ”القرصنة الإيرانية” في مضيق هرمز. بيانات متلاحقة تليها دعوات لطهران للعودة إلى العقل. فطهران أقدمت على نحو عشر عمليات أمنية في الخليج  بين احتجازٍ لناقلات النفط واسقاط لطائرة استطلاع، بالإضافة إلى تفجيرات حسمت واشنطن أن طهران تقف وراءها. هذا كله لم يؤد إلى تدخل ردعي مباشر من قبل واشنطن، وهذا على الأرجح ما أفضى إلى مباشرة أبو ظبي محادثات “سرية” مع طهران. ففي الخليج قناعة بأن “واشنطن لن تنجدنا”.

ربما كانت مناطق شمال سوريا هي المسرح الأمتن للحضور الأميركي المتمثل بالتمسك بالتحالف مع قوات “حماية الشعب الكردي” في مواجهة الإصرار التركي على الدخول إلى مناطق هذه القوات وإنشاء منطقة عازلة بعمق يتراوح بين ٢٠ و٣٠ كيلومتراً. اليوم نشهد ذروة الإصرار الأميركي على منع أنقرة من تحقيق هذا الهدف في مقابل ذروة الإصرار التركي. لكن قبل أشهر قليلة تعرض هذا “الإصرار” لانتكاسة كادت تودي بالأكراد، ذاك أن دونالد ترامب أعلن على حين غرة، نيته سحب قواته من شمال سوريا وترك الأكراد في العراء. ترامب لم يتراجع عن قراره كما قال، إلا أنه أجله. صحيح أننا نشهد اليوم سجالاً بين واشنطن وأنقرة حول قرار الأخيرة الدخول إلى مناطق أكراد سوريا، والأرجح أن أنقرة لن تصطدم بالقرار الأميركي، إلا أنها ستنتظر فرصة أخرى يكون قد تغير فيها مزاج واشنطن حيال الشأن السوري والكردي، وهي فرصة قادمة لا محالة.

وليد جنبلاط عليه أن يقرأ هذا المشهد، وأن يقبل ببيان الدعم الأميركي، لكن عليه أن لا يبني على أساسه قصوراً من أوهام. كما أن عليه أن يبدأ بالاستعداد لتبعات بيان السفارة الأميركية في بيروت لجهة ما سيرتبه من تزخيم للضغائن. فالبيان إجراء فعال، إلا أنه سقط على المشهد السياسي اللبناني من خارج المعادلة الميدانية. طهران حققت انتصارات هائلة في لبنان وفي سوريا، وقدرتها على الاقتصاص من خصومها كبيرة. لن تتحدى واشنطن، لكنها ستنتظر فرصة أخرى. في وقت لا أثر في لبنان لتحالف سياسي يستقبل بيان الدعم ويبني عليه خطة يتحصن بها من نوايا تحالف طهران ودمشق وحزب الله.

لبنان ملعب صغارٍ… وباسيل هو الأقوى