fbpx

في عيادة دكتور هنري…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في عيادة دكتور هنري تبدو النساء بحالة ترقب واطمئنان، كمن يقول: سيأتي الخلاص. دكتور هنري هو واحد من صناع “المعجزات” في وجوه النساء وأجسادهنّ (والرجال أيضاً)، واحد من الذين يسحرون أشياء فتنتفخ أو تزمّ أو يختلف شكلها عن بكرة أبيها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في عيادة دكتور هنري تبدو النساء بحالة ترقب واطمئنان، كمن يقول: سيأتي الخلاص. دكتور هنري هو واحد من صناع “المعجزات” في وجوه النساء وأجسادهنّ (والرجال أيضاً)، واحد من الذين يسحرون أشياء فتنتفخ أو تزمّ أو يختلف شكلها عن بكرة أبيها. 

زرته مع قريبتي بعدما أجرت “فيلير” لشفتيها، وكانت في حاجة إلى مراجعته. هناك بدا كل شيء مرتباً وفي مكانه. الشاشات في كل أرجاء صالة الانتظار، تشرح بالصور والفيديوات الصامتة تاريخ “المعجزات” الذي قاده دكتور هنري. وكأنها تتوجه إلى كل امرأة: هيا ماذا تنتظرين؟ افعليها!

حين دخلنا، التقينا واحداً من أجمل الشبان الذين قد تلتقيهم أي امرأة في حياتها، وربما في الحياة الثانية أيضاً. رجل كالوردة. لا ليس الوردة. إنه العسل كله. المهم، قادني فضولي لأعرف، ماذا يفعل واحدٌ كهذا في عيادة للتجميل. حين سألنا، عرفنا أن الشاب أتى من أجل “بوتوكس” تحت الإبطين، وهو اختراع جديد عليّ، يفيد لحل مشكلة التعرّق لدى الشباب والبقع التي يسببها.

قلتُ إنني سأنتظره حتى يخرج من عند الطبيب، لعلّني أتلصص على حال الإبطين العزيزين، أو أفتح حديثاً ما مع رجل بغاية الوسامة يزور عيادة للتجميل. لكن الأمر لم يكن متاحاً. فالباب الذي يدخل منه زبائن دكتور هنري، ليس ذاته الذي يخرجون منه. قالت مساعدته إنّ الأمر له علاقة بالسرية والخصوصية. حظي السيئ يضطهدني مجدداً!

على الهامش، كنتُ قرأت دراسة حديثة نشرتها مجلة “جراحة تجميل الأنف” JAMA، تشير إلى أن عمليات شد الوجه لا تجعل الرجال يبدون أكثر جاذبية فحسب، بل تزيد من فرص ظهورهم بشكل محبب وجدير بالثقة.

ووجد الباحثون أن العمليات التجميلية الأخرى في الوجه، مثل شد الحاجب أو شد الجفن العلوي، أظهرت أيضاً فوائد تتجاوز جعل الرجل يبدو أكثر جاذبية.

ومع ذلك، تبين أن معظم عمليات تجميل الوجه، لا ترتبط برؤية الذكور أنفسهم على أنهم أكثر رجولة. ويمكن القول، إن جراحات تجميل وجوه الذكور تختلف عن معظم عمليات التجميل التي تخضع لها النساء، وعادة ما يكون لهذه العمليات تأثير كبير على إحساسهن بأنوثتهن.

وكشفت الدراسة أن جراحة شد الرقبة فقط، التي تشد وترفع الجلد والعضلات فيها، نجحت في جعل مظهر الذكور أكثر رجولة.

هي زيارتي الأولى إلى عيادة للتجميل، ذلك أنني لم أفكّر حتى الآن في دخول هذا النفق، لكن من يدري ربما أفعلها ذات مرة.

وصلت سيدة تخبئ أنفها الطويل الملفوف بقطعة شاش كبيرة. يبدو أن أنفها لا يروقها ما حدث فيه من تغييرات، وكانت بالفعل بغاية التعاسة. يا إلهي ماذا قد يفعل أنف بسيدة طويلة عريضة، وسط معايير الجمال المعلّب الممشوق والأنوف التي على حجمها ألا يتعدى نقطة عاجية أو نقطتين في أقصى الحالات.

جلست سيدتان تتحدثان. واحدة تخبر الأخرى أن زوجها “يموت عليها”، ولا يحبّ ما تقوم به من عمليات، لذلك تأتي عند دكتور هنري لأن كل ما يفعله يبدو naturel (طبيعياً وغير مصطنع). قالت ذلك رداً على حديث “عميق” عن سيدة ثالثة أدت العمليات التجميلية و”البوتوكس” المفرط إلى تدمير شكلها، “يا حرام”. لكنّ من يراقب الشفاه وهي تلفظ كلمتي “يا حرام”، يشعر برعشة فرح وانتشاء تحوم في الأجواء. هي تدمّرت ونحن لا! إنه كيد بعض النساء، لكنه كيد جعل وقت الانتظار يمرّ علينا بسرعة.

سألتني إحدى الجالسات عن شفتيّ، وحين أخبرتها أنهما “خلقة الله” وأنني لا أحشوهما بأي شيء، ذُهلت. أظنها لم تصدّقني. في مجتمع سيدات “البوتوكس” صعب أن تمرّ حكاية كهذه وتصَدَّق. 

لكنني لا أقول سيدات “البوتوكس” بلهجة تخوينية. أستطيع أن أستوعب ما قد تعانيه سيدة ما في مجتمع شديد التحيز إلى الأجساد الممشوقة والأرداف المحشوة والصدور المثالية. هناك تشجيع دائم على “مثالية” غريبة عجيبة، تشبه لعبة الباربي خاصّتي والتي اسمها “نانا” والتي لم يتغيّر شكلها منذ عشرين عاماً، أي مذ سرقتها من ابنة عمي وأبقيتها في سريري إلى اليوم. “نانا” تلك التي انتظرتها لتنطق كلمة واحدة أو تقرأ كتاباً أو تحب رجلاً واحداً أو تستحمّ أو تغيّر تسريحة شعرها، هي نموذج نساء عيادة دكتور هنري. وهو نموذج مدفوع من أشياء كثيرة، لا تتحمل النساء مسؤوليتها لوحدها.

 

بدا كل شيء مرتباً وفي مكانه. الشاشات في كل أرجاء صالة الانتظار، تشرح بالصور والفيديوات الصامتة تاريخ “المعجزات” الذي قاده دكتور هنري. وكأنها تتوجه إلى كل امرأة: هيا ماذا تنتظرين؟ افعليها!

 

نشرت مجلة dazed digital البريطانية تقريراً أعدّته المصوّرة البريطانية والناشطة في الدفاع عن الحقوق الاجتماعية، ماري مورغان، قالت فيه إنّ هناك شيئاً واحداً فقط يحدد الثقافة اللبنانية الحديثة، وهي هاجس الجراحة التجميلية والموقف اللامبالي تجاه النفايات البلاستيكية والطبية.

قبل أيام، كنا عائدين من سهرة مع الأصدقاء، قالت صديقتي جوجو ونحن في طريقنا إلى البيت إننا كلنا (نحن الفتيات) نلفت الأنظار إلا هي… ثم أضافت: “لأنني ناصحة”. 

وقالت مرة واحدة من صديقات المدرسة بعدما أجرت عملية لتكميم المعدة وكادت تموت خلالها: “لكنني بقيت بشعة”. لم تستطع أن تزيل من رأسها المفاهيم التي تربط الوزن بجمال المرأة وقبحها وقيمتها ومكانتها. وظلّت تسأل عن وسائل لشفط الترهلات التي سببتها خسارة وزنها بعد العملية.

وإذ راجت في أوائل الـ2000 موضة عارضات “فيكتوريا سيكرت” ذوات الصدور الكبيرة والأجساد النحيل جداً، ازدهرت عمليات تكبير الصدور، مقابل أمراض كالأنوريكسيا والأمراض الأخرى المرتبطة بعدم الأكل، إضافةً إلى الحميات الغذائية القاسية والتي قد تهدد الصحة والحياة. 

يبدو الوضع الآن أكثر امتداداً، فالعمليات التجميلية باتت تشمل كل شيء تقريباً من تكبير المؤخرة إلى الشفاه ونحت الأجسام وغيرها.

وفي دراسة أجرتها Saudi Med Journal، تبين أن عمليات شفط الدهون هي الأولى في السعودية، إضافة الى عمليات تكميم المعدة أو تصغيرها، والتي ترتبط بارتفاع نسبة “البدانة” عربياً، ورغبة الرجال والنساء بأجسام لا غبار عليها. واحتلت الدول العربية المراكز الأولى عالمياً بحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية، إذ وصلت نسبة البدانة في الكويت الى 38 في المئة من عدد السكان، تليها الأردن 35.5 في المئة، والسعودية 35.4 في المئة. 

أخبرني صديق لي قبل أيام أنه يفضّل وجهي من دون “بويا” وهو تعبير مزعج يستخدمه العامة من الرجال للحديث عن ماكياج النساء. لكنني حدّثته عن الهالات السود تحت عينيّ والتي تحتاج إلى علاج وربما عملية في ما بعد. إلا أنه بقي مصراً على موقفه. انتهى حديثنا بابتسامة رضا على وجهي، ترافقني حتى كتابة هذا المقال. ربما على الرجال أن يحبوا النساء كصديقي، كما هنّ، حتى تخف زحمة العمليات التجميلية ومساحيق التجميل، التي قد تضر الوجه والصحة.

حين خرجنا من عيادة دكتور هنري، فكرت بزوجته، “كيف شكلها تعتقدين؟”، سألت قريبتي. ضحكت بشفتيها المنتفختين وقالت: “أظنه اختار كائنة فضائية!”.

ما سرّ هذا الحبّ الذي يهوى الألم؟