fbpx

تونس : النقابات الأمنية “تقايض” الحرية بالأمن..

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

جدّدت النقابات الأمنية التونسية طلبها بتمرير مشروع قانون “زجر الإعتداءات على الأمنيين.” وهدّدت النقابات برفع الحماية الأمنية عن كلّ سياسيّ يعارض تمرير هذا النصّ. جاء هذا التّصعيد على خلفيّة العملية الإرهابية التي نفّذها متشدّد ديني الشهر الماضي وأدّت إلى مقتل رجل أمن وإصابة آخر بجروح خطيرة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

جدّدت النقابات الأمنية التونسية طلبها بتمرير مشروع قانون “زجر الإعتداءات على الأمنيين.” وهدّدت النقابات برفع الحماية الأمنية عن كلّ سياسيّ يعارض تمرير هذا النصّ. جاء هذا التّصعيد على خلفيّة العملية الإرهابية التي نفّذها متشدّد ديني  الشهر الماضي وأدّت إلى مقتل رجل أمن وإصابة آخر بجروح خطيرة.
عرّفت منظّمة العفو الدّوليّة قانون “زجر الإعتداءات على الأمنيين ” الذي اقترحته الحكومة سنة 2013 بالقانون “الذي يجيز القوّة القاتلة.” ويهدف هذا القانون حسب الفصل الأول منه إلى “حماية أعوان القوات المسلّحة من الإعتداءات التي تهدّد سلامتهم وحياتهم.” هذا المشروع الذي يعتبره رجال الأمن في تونس رافدا تشريعيا يضمن سلامتهم الجسدية ويوفّر لهم مناخا آمنا للقيام بمهامهم،هو بالنسبة لشريحة هامة من التونسيين أداة جديدة للحد من حرية التعبير ولإعادة دولة البوليس التي أسقتطها ثورة 2011.
النقابات الأمنية “تقايض” السياسيين بأمنهم
منذ سنة 2013 حاولت النقابات الأمنيّة خلق منظومة قانونية تضاعف الحماية للأمنيين وتحدّ من الإعتداءات التي يواجهونها خصوصا بعد سقوط عشرات الضحايا في صفوف رجال الأمن والجيش على يد متشددين دينيين يستهدفون هذه الفئة التي يعلنون عداوتهم لها ويطلقون عليها تسمية “الطّاغوت”. ورغم تغيير محتوى النص سنة 2015 إلاّ أن رفض المجتمع المدني له كان قاطعا لما اعتبره البعض “خروجا عن الهدف الرئيسي ومحاولة لتركيع المواطن التونسي وإرساء دولة بوليس جديدة.”
وارتبط الحديث عن مشروع هذا القانون بحدوث عمليات إرهابية ضد رجال الأمن حيث أصبحت المطالبة بالمصادقة على هذا النص بمثابة ردّ فعل من طرف النقابات الأمنية، في محاولة منها لربط أمن وسلامة عناصرها بمدى تطبيق ما جاء في فصوله. غير أنّه وعلى إثر اصطدام مشروع هذا القانون برفض المجتمع المدني وإسقاطه برلمانيا في مناسبتين اعتمدت النقابات الأمنية مؤخرا صيغة التهديد واستهدفت أساسا السياسيين أصحاب القرار حيث جاء في البيان أنها ستقوم ب”رفع المرافقة الأمنية لكلّ من عارض ويعارض تمرير قانون حماية الأمنيين” و”التّصعيد في صورة مواصلة سياسة التلكّؤ بخصوص عدم المصادقة على هذا القانون.” وحول مدى شرعيّة اعتماد صيغة التهديد في الخطابات الأمنية الرسمية قال كاتب عام نقابة الإقليم الأمني بتونس طارق الرّياحي في تصريح ل”درج” ، “إن صبر الأمنيين نفذ وأصبح من المؤلم بالنسبة لنا أن نشاهد بشكل يومي اغتيال زملائنا وبتر أرجلهم وأيديهم وحرمان عائلاتهم، السلطة الأمنية أصبحت غير قادرة على حماية نفسها بسبب غياب النصوص القانونية الضرورية  وتجاهل السياسيين لهذه الأولوية. رجل الأمن يوفّر الحماية اللصيقة للسياسي والسياسي يرفض توفير الحماية للأمني، وهذه معادلة خاطئة ويجب تصحيح الأمور خصوصا وأن رئيس الجمهورية أعلن عن مساندته للأمنيين في كل مطالبهم المشروعة.” من جهة أخرى أقرّ الرياحي بأنّ بعض بنود نص هذا القانون مخالفة للدستور وستتم مراجعتها قبل عرضه من جديد على مجلس نواب الشعب للمصادقة عليه. وكان ناشطون وحقوقيون قد عبروا عن رفضهم تنقيح هذا القانون وطالبوا بالتخلّي نهائيّا عن فكرة مناقشته.
وثيقة “تجاوز أمني” مخالفة للدستور
تحمل النسخة الاخيرة من مشروع قانون “زجر الإعتداءات على الأمنيين” فصولا تتعارض بوضوح مع ما جاء في دستور تونس الجديد من بنود تضمن الحقوق والحريات الجماعية والفردية والمساواة بين جميع المواطنين. ويخالف مشروع القانون برمّته والذي يميّز رجال الأمن و”أزواجهم وأصولهم وأبنائهم ومن هم في كفالتهم” بتشريعات خاصة، ما جاء في الفصل 21 من الدستور والذي يقول “المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز.”
ويشدّد قانون حماية الأمنيين في أحد فصوله العقوبات على الإعلاميين الذين يملكون معلومات أمنية ويرغبون في استعمالها لإنارة الرأي العام عبر التنصيص في الفصل الخامس على أنّه “يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام وبغرامة قدرها خمسون ألف دينار كل شخص له الصفة في استعمال أو مسك أو تداول أو حفظ سرّ من أسرار الأمن الوطني وإتلافه أو إفشائه أو تغييره بأي وجه كان ومهما كانت الوسيلة.” أما الفصل السابع من نفس النصّ فيبدو أكثر وضوحا في التضييق على الإعلام حيث ينص على ضرورة أن “يخضع لترخيص مسبق كل استعمال لآلات التصوير السينمائي والأجهزة الهاتفيّة وآلات التسجيل وأجهزة الاستقبال الإذاعي أو التلفزي داخل المنشآت الأمنية والعسكرية كما يخضع لترخيص مسبق من السلطة المختصة كل نشر للأفلام أو الصور أو التسجيلات التي تتم داخل المنشآت الأمنية أو العسكرية..”
ولم يراع المشرع أثناء كتابة هذه الفصول ما جاء في الفصل 31 من دستور تونس الجديد والذي ينص على أن “حريّة الرّأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة ولا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات.”
من جهة أخرى ورغم أن “الحق في الحياة مقدّس ولايجوز المساس به إلا في حالات قصوى يضبطها القانون” حسب الفصل 22 من الدستور فإن مشروع حماية الأمنيين يعفي رجل الأمن الذي تسبّب أثناء عمله في إصابة أو قتل أحد المواطنين من أية مسؤولية قانونية وذلك حسب الفصل 18 من هذا القانون الذي يؤكد أنه “لا تترتب أية مسؤولية جزائية على عون القوات المسلّحة الذي تسبب عند دفعه لأحد الإعتداءات في إصابة المعتدي أو موته، إذا كان الفعل ضروريا لبلوغ الهدف المشروع…”
هذا ويتضمن القانون المذكور فصولا اتّسمت بالمبالغة في ما يتعلق بالعقوبات المقترحة مقارنة بالتهم المذكورة ومن بينها نذكر مثلا التنصيص على أنّه “يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام وبغرامة قدرها خمسون ألف دينار كل شخص ليست له صفة في مسك أو استعمال أو تداول سرّ من أسرار الأمن الوطني” كما أنّه “يعاقب بالسجن بقّية العمر كلّ من تعمّد حرق أو هدم مقرّ أسلحة أو حرق أو تحطيم عربة أو آلية تابعة للقوات المسلحة.”
المجتمع المدني يتّهم الأمنيين بالتّحايّل
تهديدات نقابة الأمنيين للسياسيين لم تكن دون جدوى فسرعان ما أعلن النائب بالبرلمان حسونة الناصفي أن مكتب نواب الشعب قد أحال طلبا على لجنة التشريع العام لاستئناف النظر في مشروع قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين. هذا الإجراء إضافة إلى مساندة رئاسة الجمهورية المعلنة للنقابات الأمنية أثار موجة من الغضب واليأس في صفوف الحقوقيين والناشطين الشباب الذين عبّروا عن خشيتهم من أن يلقى هذا القانون نفس مصير قانون المصالحة مع الفاسدين الذي تمّ تمريره مؤخرا رغم كل الجهود التي بذلت لمنع المصادقة عليه.
في تصريح ل”درج” أكّدت الحقوقية وعضوة حملة مانيش مسامح “مريم بريبري” أن “تمرير هذا القانون سيكون بمثابة كارثة قانونية في ظل تعطيل إنشاء المحكمة الدستورية بدون موجب. نتّفق جميعا على حق الأمنيين في الحماية في ظل الحملات الإرهابية التي تستهدفهم ولكنّ القانون الجائر الذي هم بصدد محاولة تمريره لا علاقة له بالإرهاب فهو يستهدف المواطن العادي والإعلاميين والناشطين وهو ما اعتبره تحايّلا من أجل إعادة إرساء دولة البوليس التي أسسها بن علي وأطاح بها شباب الثورة.” وأضافت البريبري “اعتماد الضغط والمقايضة من أجل تمرير هذا القانون هو طريقة غير أخلاقية الهدف منها استقطاب السياسيين في الأحزاب الحاكمة والذين لم يتورّعوا سابقا عن تغليب مصالحهم الضيقة على مصلحة البلاد.”
هذا وقد أثار الحديث عن إعادة طرح مشروع هذا القانون للنّقاش جدلا واسعا على مواقع التواصل الإجتماعي حيث تداول ناشطون دعوات لإسقاط هذا النص بحجة أنه يستهدف المواطن لا الإرهابي وأن الإرهاب لا يخضع لأي نصوص كانت. وشارك في هذه الحملات إعلاميون وحقوقيون طالبوا بتنظيم وقفات احتجاجية ومسيرات سلميّة من أجل حماية الحقوق والحريات التي ضمّنت في الدستور والحد من نفوذ السلطة الأمنية وقد أطلقوا هاشتاغ تحت عنوان “المواطن من يحميه”. وعلى صفحته على فايسبوك كتب مدون الثورة عزيز عمامي “لا يمكن فهم عبارة “حماية الأمنيين” إلا عبر السخرية. حمايتهم من ماذا وما الذي يمكن أن يكون أكثر تهديدا من السلاح الذي يحملونه؟ أمنيو تونس أثبتوا لنا مرات عديدة أن “ضمان الإفلات من العقاب وضمان حصولهم على وضع أرقى مما لديهم” هو التعبير الصحيح عن مطالبهم. “[video_player link=””][/video_player]