fbpx

ربع سكان العالم يواجهون العطش… ما الحلول؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أصبح العطش واقعاً يقلق الجميع، تحديداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تعتبر الأفقر في المصادر المائية المتجددة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كان يوم 4 حزيران/ يونيو 2018، قاسياً على ثاني أكبر مدن جنوب أفريقيا، كب-تاون، إذ أعلنت إدارتها نكبة المدينة المائية، ووصفت ذلك التاريخ بــ”اليوم صفر“. لقد فرغت خزانات المدينة من الماء بسبب قلة الأمطار والجفاف، وتم تشييد 200 مركز داخل المدينة وتحت إشراف الجيش، لتوزيع كميات محدودة من الماء على السكان (25 ليتراً لكل فرد يومياً). بعد مرور عام على نكبة كب-تاون المائية، عادت صورة “اليوم صفر” وتقطير توزيع المياه إلى مدينة تشيناي في جنوب الهند، إذ فرغت خزاناتها المائية الأربع من الماء بينما شهدت المدينة عام 2015، فيضانات هائلة أودت بحياة مئات سكانها. هل كان بالإمكان استثمار تلك الفيضانات وتخزينها لإبعاد شبح العطش؟ إنه سؤال قد نعيد طرحه في العراق ولبنان والأردن اليوم أو غداً.

تقف اليوم بلدان كثيرة على أبواب الأزمة التي واجهتها كب-تاون وتشيناي ذاتها، وفق تقرير أعده معهد مصادر العالم ونشر بتاريخ (6 آب/ أغسطس 2019). وخلص التقرير إلى أن 17 دولة، موطن ربع سكان العالم، تعاني من ضغوطات مائية عالية للغاية، وفق قواعد بيانات اعتمدها المعهد ذاته. لقد أصبح العطش واقعاً يقلق الجميع، تحديداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تعتبر الأفقر في المصادر المائية المتجددة.

إن أسباب هذه الأزمة المائية بحسب التقرير، أعمق من الجفاف ويذهب المعهد المذكور إلى أن النماذج الهيدرولوجية الجديدة تظهر أن عمليات سحب المياه تتضاعف عالمياً، منذ ستينات القرن المنصرم وليست هناك مؤشرات تباطؤ، وذلك بسبب الطلب المتزايد على المياه. وتكشف بيانات المعهد الجديدة أن البلدان الـ17، التي تواجه ضغوطات عالية للغاية من بينها لبنان، الأردن، السعودية، الإمارات، عُمان، البحرين، إسرائيل، الكويت، إيران، قطر، تسحب 80 في المئة من مياهها لأغراض الزراعة والصناعة والبلديات سنوياً، ما يفاقم الإجهاد المائي. أما البلدان الـ44، والتي تشكل موطن ثلث سكان العالم وتواجه مستويات عالية من التوتر، فتسحب أكثر من 40 في المئة من المياه المتاحة كل عام. وتجعل هذه الفجوة الضيقة بين العرض والطلب أكثر من 60 بلداً في العالم عرضة لتقلبات الجفاف أو الزيادة في سحب المياه، ولهذا السبب تحديداً يرى الباحثون أن المزيد من المجتمعات ستواجه “اليوم صفر” وأزمات أخرى.

تالياً، يشكل الإجهاد المائي تهديدات خطيرة على حياة البشر وسبل العيش واستقرار الاقتصاد. ومن المتوقع أن يزداد الأمر سوءاً ما لم تتصرف الدول، ذلك أن النمو السكاني والتنمية الاجتماعية والاقتصادية والتوسع العمراني، عوامل تزيد الطلب على المياه، فضلاً عن تغير المناخ، إذ من الممكن أن يشهد هطول الأمطار والطلب على المياه تقلبات أكثر شدة، مقارنة مع الماضي. وتقع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في قلب هذا التقلب، إذ يزداد الطلب على المياه في ظل الافتقاد إلى مصادر مائية متجددة توازي النمو السكاني، التوسع العمراني والتنمية الاجتماعية والاقتصادية. ومن المتوقع أن تشهد هذه المنطقة خسائر اقتصادية كبيرة بسبب ندرة المياه المرتبطة بالتغير المناخي. ويقدر البنك الدولي الخسائر بنحو 6 إلى 14 من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050. وإضافة إلى ندرة هطول الأمطار، هناك أسباب اخرى تزيد الواقع المائي سوءاً في المنطقة، مثل عدم إعادة استخدام مياه الصرف الصحي بنسبة 82 في المئة. يذهب التقرير إلى أن إعادة استغلال تلك المياه فرصة لتعزيز الأمن المائي، وسيولد تسخيرها مصدراً جديدا للمياه النظيفة، مشيراً إلى ظهور سياسات جديدة في ما خص استغلال المياه العادمة في دول مجلس التعاون الخليجي، إذ تتم معالجة 84 في المئة منها، إنما تتم إعادة استخدام 44 في المئة منها فقط. وتحتل دولة عُمان المرتبة الأولى بين الدول الخليجية، وتعالج مياهها العادمة بنسبة 100 في المئة وتعيد استخدام 78 في المئة منها.

تفادياً لليوم صفر والأزمات الناتجة عنه، يقترح كتاب التقرير ثلاث آليات من شأنها تقليل حماية المصادر المائية المتاحة وهي:

أولاً: زيادة الكفاءة الزراعية من خلال تحسين تقنيات الري الحديثة، بدل إغراق الحقول، اعتماد المحاصيل الزراعية التي تتطلب كميات أقل من المياه. بإمكان المستهلك وضع حد لهدر الطعام والعادمات التي تكلف ربع إجمالي المياه الزراعية، الاستثمار في إنتاجية المياه وتوفير رأس المال لها من قبل الممولين، في حين يمكن المهندسين الزراعيين تطوير التقنيات التي من شأنها تحسين الكفاءة الزراعية. اختصاراً، يحتاج العالم إلى جعل كل قطرة ماء تذهب إلى أبعد ما يقتضيها نظامنا الغذائي.

ثانياً: الاستثمار في البنى التحية التقليدية الرمادية والخضراء. وتظهر بيانات المعهد الجديدة أن الإجهاد المائي يمكن أن يتغير بشكل كبير على مدار العام. وأظهر بحث أجراه “معهد مصادر العالم” و”البنك الدولي” في نيسان/ أبريل من هذا العام، بعنوان: تكامل الأخضر والرمادي، أن جيلاً جديداً من بنى تحتية مستمدة من الطبيعة مثل إعادة التشجير، إعادة بناء المناطق الرطبة، إدارة الفيضانات والجفاف، إدارة موثوقة لجهة مرونتها مع النظام الطبيعي، قادر على مواجهة التغير المناخي والتقليل من مخاطره على سبل العيش والنظام الطبيعي.

ثالثاً: معالجة، إعادة الاستخدام وإعادة تدوير: نحن نحتاج اليوم إلى التوقف عن التفكير في مياه الصرف الصحي كمياه عادمة أو قذرة، ذلك أن معالجتها وإعادة استخدامها يخلقان مصدراً جديداً للمياه، ناهيك بالمواد المفيدة فيها، بحيث يمكن تحويلها طاقة ومواد زراعية مفيدة. قصارى القول نحن في حاجة إلى تغيير جذري في ثقافتنا ووعينا بالمياه، منها تلك التي تسمى “المياه القذرة”.

هذا الموضوع تم انجازه بدعم من مؤسسة Rosa-Luxemburg-Stiftung’s Beirut Office 

سيرة الماء… قصص حب عراقية ولدت فوق القناطر وتحتها