fbpx

 رسائل متبادلة بين أوجلان وأردوغان… عن التاريخ ومعانيه

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في الفترة الماضية حصل حوار غير مباشر عن التشابك التاريخي بين الأكراد والأتراك عبر رسائل بين زعيم حزب العمال الكردستاني، من سجنه في إيمرالي، عبدالله أوجلان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
عبدالله أوجلان

يستحضر زعيم حزب العمال الكردستاني، الأسير في سجن إيمرالي، عبدالله أوجلان، التاريخ في قراءاته السياسية، سواء مع محاميه أو ضمن نتاجاته الفكرية. ولا مبالغة في القول إن القارئ الذي ليست لديه فكرة كافية عن التشابك التاريخي بين الأكراد والأتراك، لن يستوعب بسهولة الأجزاء التاريخية من مرافعاته، خصوصاً المرافعة الخامسة/ المجلد الخامس من مرافعة مانيفستو الحضارة الديموقراطية (القضية الكردية وحل الأمة الديموقراطية). فالصيغة التي يقرأ بها أوجلان الحوادث التاريخية تحدد ماهية الحل في ذهنه في الوقت الحالي. هذا الارتباط، بين القراءة التاريخية وصيغة الحل المطروحة، يكاد يكون عضوياً. وفي الفترة الماضية حصل حوار غير مباشر في التاريخ بين أوجلان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.  

نشر محامو أوجلان مقتطفات من لقائهم الأخير مع موكلهم في سجن إيمرالي. في هذا الموجز، قدم أوجلان مجدداً قراءة “رمزية” على نحو سريع، هي خلاصة لما سبق أن فصّله في مرافعاته، وجاء فيها: “على جميع الأوساط ذات الصلة أن تتقرب بحساسية بالغة وبدقة من تطور العلاقات التركية الكردية، التي بدأت في أخلاط وملازكرت، واستمرت حتى دستور عام 1921، وبغض النظر عن الكماليين أو العثمانيين الجدد، على الجانبين التعامل مع التاريخ والعلاقات التركية – الكردية بصور صحيحة ومترابطة”.

حدد أوجلان ثلاثة أحداث تاريخية، وهي عادة أربعة أحداث مفصلية، يذكرها بالتسلسل. حيث هناك معركة جالديران عام 1514 خلال الحرب الأهلية العشائرية بين التركمان (الشيعة) والأتراك (السنة). أما الأحداث الثلاثة، فبدايتها من معركة ملازكرت عام 1071.

وفق المصادر التي استند إليها أوجلان، فإن السلطان السلجوقي، ألب أرسلان، لم يخض المعركة إلا بعد رحلة للبحث عن حلفاء، ووجد ذلك لدى الدولة المروانية الكردية الحاكمة في ميافارقين ودياربكر. قدم الأكراد لهذه المعركة نصف عدد القوات المقاتلة. فكانت معركة استراتيجية مشتركة خاضها الأكراد والأتراك ضد الامبراطورية البيزنطية وفق منطق استراتيجي، تم بموجه فتح أبواب الأناضول أمام القبائل التركية الوافدة من الشرق عبر كردستان، وتخلص الأكراد من قوة تاريخية معيقة على أبواب كردستان، أي بيزنطة.

لماذا يركز أوجلان على مثل هذا الحدث؟ الواقع لا يريد المحاججة عبر الحق التاريخي في الوجود، بل لتعزيز درجة قبول الأكراد والأتراك بتاريخية العلاقات المشتركة، وهو ما يجب أن يمتد إلى الحاضر أيضاً، عبر مشروع الحل الذي قدمه مراراً لحل قضية الحرب التركية – الكردية التي تستنزف قوة الشعبين، في الجوانب كافة، وتجعل الدولة التركية رهينة للدول الكبرى. بل حالياً انتقلت هذه الدولة، في عهد أردوغان، من وضعية الرهينة إلى تمزيق الدولة في علاقات استراتيجية بين جبهتين متقابلتين، ودافع هذه الفوضى ومحركها الأساس هو المقاربة الأردوغانية في توسيع الحرب الكردية – التركية القائمة منذ نحو مئة عام.

إن تشديد أوجلان على ضرورة التقرب بحساسية بالغة وبدقة من تطور العلاقات التركية – الكردية، وأنه بغض النظر عن الكماليين أو العثمانيين الجدد، على كلا الجانبين أن يتعامل مع التاريخ والعلاقات التركية – الكردية بصور صحيحة ومترابطة، هذا التشديد ليس مجرد رأي، بل توجيه للخارج، بأن صيغة إبراز العلاقات المشتركة يجب أن تستمر. أوجلان حذر سابقاً، بشكل متكرر، من أن العقلية الحالية للدولة التركية تؤسس لمئة عام أخرى من الحروب. ففي نهاية الأمر، التحالف الطوراني الحاكم حالياً في تركيا (أردوغان – باهجلي)، مستمر في تسيير سياسة الإبادة، على رغم عدم وجود حوادث تاريخية بطابع “إبادوي” بين الأكراد والأتراك، حتى مرحلة التنظيمات في منتصف القرن التاسع عشر. ومن هذا التاريخ وحتى عام 1925، حدثت احتكاكات عسكرية متبادلة، لم تسفر عن حملات تطهير عرقي، إنما انتهت حروباً تقليدية تنتهي باستسلام زعيم الثورة. غير أن هذه العقلية أيضاً تغيرت مع ثورة الشيخ سعيد بيران، في شباط/ فبراير 1925، حين أسست الدولة نظاماً متكاملاً للإبادة على المستويات كافة.

 

في هذه الظروف، وهذه البيئة الموبوءة بالتلفيق التركي، وخطط الحرب، يعيش الأكراد تحت التهديد الدائم، ويعيش أوجلان في السجن.

 

واقعة “أخلاط” أيضاً تدخل في هذا الإطار. فبعد ملازكرت بنحو 150 عاماً، حطت قبيلة “قايي” الأوغوزية، رحالها في هذه البلدة الكردية، قبل أن ينتقل أفرادها بعد نحو 10 سنوات، غرباً في خط مستقيم، إلى منطقة “أسكيشهير” غرب أنقرة، ليؤسسوا إمارة بني عثمان. وبعيداً من التلفيقات التي قدمتها المؤسسة الثقافية التركية عبر المسلسل التاريخي، “أرطغرل”، فإن القبيلة الصغيرة حظيت بحماية كردية طيلة إقامتها في كردستان وتجولها في أنحاء أرمنستان التاريخية.

الحدث الثالث في الموجز الأوجلاني، دستور عام 1921. في هذا الدستور، تم إقرار الحكم الذاتي لكردستان. ووثائق المداولات محفوظة في السجلات السرية التركية، ولم تجعلها مصادر متاحة للباحثين حتى اليوم. جاء الانقلاب على هذا الدستور خلال أقل من ثلاث سنوات، بشكل تدريجي، وتمت تصفية التمثيل الكردي في البرلمان، وحظر أي إشارة إلى تعدد مصادر الشرعية الاجتماعية للحكم: لا مجتمع سوى المجتمع القائم على العرق التركي. ويعدد أوجلان في هذا السياق الأحداث التي قدمت علامة على تدمير التحالف الديموقراطي الكردي التركي القائم منذ ألف عام، من بينها نفي الشخصية الكردية الناجية من مؤامرات الدولة التركية، بديع الزمان النورسي، الذي قطعت الدولة صلته المكانية بكردستان حتى تاريخ وفاته عام 1960.

إن الوقائع التاريخية التي يسردها أوجلان، سواء في مرافعاته، أو لقاءاته الحقوقية، هي اليوم بمثابة حبل فوق الصخور. فمن السهولة تحويل هذا المشترك، كردياً، إلى علامات تاريخية لعدم إمكان العيش المشترك وليس العكس. فطالما قامت القوى المتطرفة، المتجسدة اليوم في أردوغان وتحالفاته المحلية والدولية، بكل الخطوات المدمرة للعيش المشترك، فإنها لم تترك التاريخ أيضاً. ففي 10 آب/ أغسطس، وجه أردوغان رداً على رسالة أوجلان، بشكل غير مباشر عبر نشره بمناسبة عيد الأضحى. فقد وعد أنصاره، أي مؤيدي “حزب العدالة والحركة القومية الطورانية”، بأن شهر آب “يُعرف بشهر الانتصارات في تاريخ الأمة التركية، ونأمل بإضافة نصر جديد لسلسلة الانتصارات هذا الشهر”. وجاء الخبر في وكالة أنباء “الأناضول”: استشهد أردوغان بالانتصارات التي تحققت عبر تاريخ الأمة التركية في آب، من قبيل معارك ملاذ كرد (1071)، ومرج دابق (1516)، ونصر 30 آب، إبان حرب الاستقلال (1922)، وعملية السلام العسكرية لنجدة القبارصة الأتراك (1974). كما لفت إلى بدء عملية درع الفرات في آب 2016 “التي كانت الضربة الأولى للممر الإرهابي المراد تشكيله على حدود تركيا مع سوريا”، على حد تعبيره.  

تلميحات أردوغان بإضافة انتصار جديد، تشير إلى منطقة شرق الفرات، لتدمير نموذج الإدارة المشتركة التي أسسها الأكراد هناك بالشراكة مع ممثلين عن كل الفاعليات الاجتماعية في المنطقة، وبدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. الجانب الأكثر سواداً في هذا التصريح، أن أردوغان يجعل حربه الحالية على الأكراد، بالصيغة الأبشع المتجسدة في عفرين التي باتت أكاديمية لممارسة اللصوصية والجريمة، امتداداً تاريخياً للانتصارات السابقة، ومعظمها انتصارات لم تكن غايتها تأسيس دولة بهذا النمط، الدولة التركية، بل كانت كفاحاً استراتيجياً مشتركاً من ملازكرت وحتى حرب الاستقلال. 

في حواره غير المباشر مع أوجلان، أجاب أردوغان، مواربة، بأنه لن يتخلى عن خطة الإبادة الشاملة، على غرار عفرين، وقبلها ديرسم وبالو والريف الكردستاني، وأنه لن يكتفي بذلك، بل سيواصل احتلال التاريخ أيضاً. فلا يوجد شريك في أي انتصار تركي، منذ ملازكرت، ومن يريد الشراكة في التاريخ فعليه أن يكون تركياً. ليس هذا فقط، بل عليه أن يكون سعيداً بذلك. هل هذه المقاربة مقنعة لأردوغان نفسه؟ من المشكوك فيه أن يكون مقتنعاً بما يقوله، حول انتصارات الأمة التركية، والأرجح أنه يدرك كل ما يقوله أوجلان عن التاريخ المشترك المؤهل للتأسيس عليه لحاضر مشترك لا يكون فيه الكردي رهينة لدى الدولة أو متلقياً للصدقات منها. لكنه يفعل ذلك لسبب آخر ذكره أوجلان مرة في سياق تحليله المقاربات العنصرية الغريبة للدولة التركية، وهذا السبب هو استفزاز المجتمع الكردي لدفعه إلى حرب مفتوحة غير مؤهل للانتصار فيها. وهذا هو الفارق بين صورة الحرب المشتهاة أردوغانياً، وصيغة المقاومة الكردية المتجسدة في شرق الفرات.

في هذه الظروف، وهذه البيئة الموبوءة بالتلفيق التركي، وخطط الحرب، يعيش الأكراد تحت التهديد الدائم، ويعيش أوجلان في السجن. وعلى رغم ذلك، يواصل الرجل مهمته في تحرير التاريخ من الرواية التركية، وذلك على هامش المهمة الأكبر: بناء سلام اجتماعي مشترك، وتقويض “السيادة العنصرية التركية” وإعادته إلى حجمه الطبيعي، حيث لا انتصار تركياً من دون مشاركة كردية، ليس فقط في مناطق التماس المشتركة، مثل ملازكرت، بل حتى معركة احتلال قبرص عام 1572، بمشاركة 10 آلاف محارب كردي، وصولاً إلى انتصارات حرب الاستقلال عام 1922. فالسلام الاجتماعي يتطلب ليس ظروفاً سياسية مناسبة وحسب، بل إنهاء الاستعلاء الاجتماعي التركي الذي تعمل عليه الدولة التركية منذ عام 1923.

عوائل “داعش” في مناطق الإدارة الذاتية الكردية: فرصة لعودة التنظيم